سهاد حسن: حكموني بالإعدام لأنني انتقدت ملابس صدام!!!
سردت المذيعة العراقية الكبيرة سهاد حسن، التي كانت تعرف بحسناء الشاشة الصغيرة، جانباً من سيرة حياتها المليئة بالشجن والعذابات، قالت إنها تحكيها للمرة الاولى بعد أكثر من عشرين عاماً على خروجها من السجن، ناجية من حكم صدر ضدها بالإعدام شنقاً حتى الموت في زمن صدام حسين
إيلاف/ عبدالجبار العتابي /بغداد: احتفى ملتقى الإذاعيين والتلفزيونيين العراقيين بالمذيعة الحسناء سهاد حسن التي عملت في تلفزيون العراق للفترة بين عام 1970 ولغاية 1989. وكانت وما زالت تتمتع بالشهرة الواسعة التي منحتها حب الناس. كما أنها ما زالت تحتفظ بمسحة من الجمال رغم إقترابها من عامها الستين.
وبسبب المطر الكثيف الذي انهمر على بغداد ، كان عدد الجمهور محدوداً لأنه لم يستطع الوصول الى قاعة الجواهري في مبنى اتحاد الادباء بسهولة، الا أنها حضرت، وتم الاحتفاء بها بأجمل صورة ، وتكلمت بعفوية تامة، كانت الكلمات تنساب بشيء من الوجع الذي يستشعره السامع، كونها كشفت عن معاناتها المريرة كلها ، فمن المؤكد أن الاسرار التي لم يعرفها سواها كانت مخزنة بداخلها في مخبأ عميق لم تستطع البوح بها الا اليوم.
وتجدر الإشارة الى أن الحضور هم من ألحوا عليها في أن تتحدث عن حادثتين خطيرتين مرت بهما خلال حياتها كان الاتهام بالتسبب فيهما يوجه الى احدى زميلاتها المذيعات . قدم الإحتفالية المذيع احمد المظفر الذي رحب بها وسط تصفيق الحضور، ثم أفسح لها المجال للتحدث، فقالت الكثير، وننقل لكم مقتطفات من أهم ما قيل:
بدأت سهاد حديثها وهي تستذكر البدايات قائلة: جيلنا كان مميزاً في السبعينيات التي نعتبرها ايامًا ذهبية للإعلام العراقي، كنا نعمل بشكل متواصل ، كان فريق العمل بالكامل من المثقفين الذين يعملون وينتجون. المذيع، والمخرج، والمدراء ، كلهم أكفاء مبدعون.
وتكمل: تحملنا ما تحملناه خلال مسيرتنا المهنية، لكننا تجاوزنا كل شيء، كل واحد منا حصلت له مشكلة بطريقة معينة ، هناك من تعرض للفصل، وآخرون للإعتقال ، وهناك من هم مثلي حكموا بالاعدام.
المعاناة قبل وبعد سقوط النظام
تحملنا الكثير قبل وبعد سقوط النظام، وكنت اقول في داخلي هذا بلدي، وما تعرضت له تعرض له غيري، ولكنهم غادروا الوطن، صحيح أنني سافرت الى الاردن بعد سقوط النظام، وتقدمت بطلب لجوء الى الامم المتحدة ولكن في اللحظات الاخيرة تراجعت. قلت لنفسي لا ، لا استطيع أن اغادر بغداد ، كنت آخر واحدة من عائلتي تخرج من العراق، وكان الخوف يؤرقني إن بقيت أن يُقتل ابني أو يُختطف في ظل الأوضاع الأمنية المضطربة التي سادت بعد الإجتياح الأميركي.
وأذكر في عام 2006 ، كنت اتجول بالسيارة، في الشارع مع الزميل المرحوم اكرم محسن فإستوقفنا أشخاص وسط الطريق ، وقلت لأكرم : اعتقد أنهم سيقتلوننا ، وسألته من سيقتل انا أو انت ؟
فرد رحمه الله عليه: لالا ..أن تعرض أحد لمكروه فسيكون أنا محاولاً طمأنتي.
وتجاوزنا الموقف بسلام، ولكنني بعد يومين أخذت إبني، واختفيت عند احد اقاربنا، خشيت من العودة لمنزلي .. ولم آتِ الى بيتي الا بعد سنة ، بعته بثمن زهيد جداً كي استطيع أن اعيش بثمنه في عمان .
وتكمل بألم: أستولوا حينها على جميع محتويات بيتي الذي كان يقع في منطقة (الدورة) ولم يبقَ منه سوى الحيطان ، وحين سألهم الجيران : لماذا يفعلون ذلك؟
قالوا: هذه كانت تعمل بالإذاعة والتلفزيون.
تعرضت لمآسٍ كثيرة في حياتي وظلم من كل الأطراف، هناك ناس يسألونني: هل أنت جبل لتتحملي كل هذه العذابات؟
وفي الحقيقة أن ما حصل آذاني بشكل كبير، فأنا أعاني من أمراض كثيرة، ولكنها لا تظهر عليّ، لدي امراض مزمنة ، ضغط وسكري، كما أنني استأصلت المرارة ، وما زلت اتعالج حتى الآن من امراض نفسية، ولكني أحتفظ بروح مرحة ، وأكره الشكوى، ولم أتحدث عمّا مر بي من قبل، فيوم واحد في السجن أو في الامن العام تعادل دهراً من القهر، وابني حينها كان عمره سنة وأنا بعيدة عنه.
تعود بدفة الحديث حول عملها في الإعلام وتستذكر:
كانت رحلة طويلة وسعيدة ، عشت احلى ايام عمري في (الاذاعة والتلفزيون) ، التلفزيون هو حياتي وصقل شخصيتي ، كان عمري 17 عاماً عندما عينت فيه ، كنت آتي من المدرسة الاعدادية الى المؤسسة ، وكنت في حينها أربط شعري الى الوراء كبقية تلميذات المدرسة، واذكر بالخير من كانوا معنا وعلمونا، لا انساهم ،هناك مذيعون ساعدونا، وكنت اتعلم منهم ومن المذيعات الاقدم مني،كنت مكافحة ،مصرة على ان اكمل مرحلتي الدراسية، وأن لم تسنح لي الفرصة بدخول الجامعة، اكملت الاعدادية وكنت وقتها مذيعة وأماً، أنجبت طفلتي الاولى، وكان عليّ الإختيار بين التلفزيون ودراستي، فقد كان من المستحيل الجمع بينهما في ظل مسؤولياتي العائلية، فإخترت التلفزيون لأنه مثّل عندي شيئاً كبيراً جداً، رأيت فيه نجاحي، وروحي، وشخصيتي ، وأحببته بشغف، لأن عمل المذيعة كان يمنحني شعوراً داخلياً رائعاً، ليس بسبب الشهرة وإعجاب الناس مطلقاً، إذ كنت اتجنب الظهور بين الناس إلا ما ندر، ولكن كنت أحب التواجد على الشاشة وأحب تقديم نشرة الأخبار والجلوس مع المذيعين الكبار .
وتقفز بالذاكرة الى مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق عام 2003 وتقول: لكوني كنت سجينة سياسية في ظل النظام السابق، اتصلت بي عدة منظمات، وعدد من الاشخاص، وجاء الاميركيون وجاءت الصحافة الاميركية، وانتجوا فيلماً عن السجن ، كان فيه فبركة كبيرة جداً.
ثم إقترحوا عليّ أن اكون نائبة في البرلمان العراقي ، تأملت الموقف.. كان البلد محتلاً ، ووجدت أنني لا استطيع أن امشي في طريق لا اعاون فيه شعبي ، قلت لهم :
لو عندي سلطة لوزعت الفلوس كلها على الشعب ، فلا احتمل أن ارى الناس الفقراء ، لانني اشعر بالانسان المظلوم ، لكنّ هناك اناساً امتلأت جيوبها فنست.
في الغربة كنت اشاهد دوماً اخبار العراق ، وهذا تسبب لي بأمراض عديدة، حتى أن الطبيب قال لي لا تسمعي الاخبار ، لانني كنت اعيش على الحبوب المهدئة ، حاولت ولكن لم أفلح، فلا بد لي من متابعة اخبار بلدي.
وكل ثلاثة اشهر كنت آتي لزيارة بغداد لالتقي الاصدقاء والاقرباء ، فليس لديّ أخ ولا عائلة في بغداد ، توزعوا على دول العالم، ولا يوجد ترابط اسري، اراهم في السنة مرة، هناك معاناة كبيرة للمغتربين في الخارج ، الغربة صعبة ، بقيت سنتين في عمان امشي في الشوارع ابكي، اجلس على المساطب حزينة دامعة، وحين يسألني المارة عما بي اقول لهم ظروفي صعبة، ولست محتاجة الى شيء .
وحول عرض اللجوء الى أميركا قالت:
جاءني لجوء الى اميركا انا وابني ، بعد شهرين من وصولي الى عمان ، فكرت .. ووجدت أنني لا استطيع أن اعيش في اميركا ، وقلت لهم هذا :
انتم تحتلون بلدنا ، فلا استطيع ان اذهب الى اميركا، اختاروا لي مكانًا غير اميركا.
قالوا : اميركا فقط .
وكان ردي لن اذهب ، وبقيت في عمان ، والحمد لله آتي لأرى بلدي بين فترة وأخرى ، وادعو الله أن يسير حاله نحو الافضل .
وتتذكر حادثة قريبة:في العام الماضي جئت الى بغداد لإنجاز معاملة حكومية ، فطلب الضابط مني بطاقة السكن ، فقلت له :
انا لا أرض لي ولا وطن ، فليس عندي شيء هنا ، وحين اخبرته انني أعيش في الخارج، فطلب نسخة مصورة من الجواز. انا متمسكة ببلدي واحب ناسه .
وتعود مجدداً للحديث عن فترة عملها بالتلفزيون وعلاقتها بزملائها بحنين ظاهر:
قضيت 20 عاماً في مؤسسة ما زلت اعشقها ، وكلما امر من منطقة الصالحية تنهمر دموعي ولا اعرف ما افعل ، هناك اشخاص يقتربون مني ويسألونني: ألا تذكريننا ؟ انا كنت اعمل كذا وانا كذا... وفي الحقيقة الصدمة التي تعرضت لها انستني الاسماء، وكثرة العمليات الجراحية تسببت بحالة أشبه بجدار يغلق على مرحلة فلا اتذكرها نهائياً.
لكنني ما زلت اذكر المرحوم رشدي عبد الصاحب ، والمرحوم مقداد مراد، والحاج غازي فيصل وعدنان الجبوري ، ونهاد نجيب ، والمرحوم اكرم محسن الذي كنت على اتصال به حتى عام مضى، وكان جاري في الشارع الذي اسكن به في منطقة (الدورة) ، لم انقطع عنهم ، فعندما رحل تألمت عليه.
وهنا التقيت سعاد عزت ،واذكر هناك مذيعة اشتغلت قليلاً ثم ذهبت الى وزارة الصحة هي سعاد ابراهيم ، واذكر حنان عبد اللطيف اختي وصديقتي ، ما زالت في دبي ونحن على اتصال، وعندما تأتي الى عمان تزورني، وهناك عهود مكي التقيت بها في عمان ، وخالدة محمد جاءت في زواج ابني وكانت معها سحر الاصيل وكنت فرحانة بمجيئهما ، وكذلك التقيت امل حسين في قطر وعندي صورة معها.
وتكمل: اتمنى أن ارى الفنان العزيز صادق علي شاهين ، فهو يعني لي شيئًا عظيمًا في دائرة الاذاعة والتلفزيون ، كان اخانا الكبير ويرعانا، فما غاب يومًا عن بالي، وأسأل عنه ، علمت بأنه مريض الآن، وشاهدته على الشاشة فبكيت ، فعندما كنت في السابعة عشرة من عمري كان يقف لي بباب التلفزيون ، ولا يسمح لأحد أن يتعرض لنا ، في بدايتنا لم تكن هنالك سيارات تنقلنا من البيت الى العمل، ما عدا في الليل، فكان ايام المطر يقف لنا في منطقة باص المصلحة ليقودنا مثل اب يقود بناته .
مديحة معارج وبرزان التكريتي
وحول أزمتها مع نظام صدام التي أشيع في الشارع العراقي أن زميلتها مديحة معارج كان لها دور في القضية التي حكمت بسببها بالاعدام قالت: الحقيقة أنها بريئة من هذه التهمة، وليس لها اي دور فيها ، ولكن كان لها دور في قضية سابقة عام 1983 ، ووقتها استدعاني مدير المخابرات العامة برزان التكريتي .
وتعود بالذاكرة لبداية معرفتها بمديحة معارج فتقول:
ساعدت مديحة وجئت بها للتلفزيون، وتحدثت من اجلها مع الاستاذ ماجد السامرائي ، المدير العام انذاك، وهو حي يرزق، قال لي في حينها: لا تلحي علي، فأنت كل يوم تأتيني بمذيعة جديدة.
قلت له : هي تود أن تنتقل من الاذاعة الى التلفزيون، وجهها مقبول على الشاشة .
وفي النهاية أتت الى التلفزيون وداومت معنا ، ولكنها في ما بعد أخذت تجمع في عملها بين الاذاعة والتلفزيون... ووقتها كنت انا رئيسة قسم المذيعات ومسؤولة عن جدول العمل... فقلت لها :انت من رغبت بالعمل في التلفزيون ، وبالفعل ساعدناك وجئت، والآن عندما اضع جدول عملك تقولين عندي فترات في الاذاعة، انا لست مجبورة بها ، وانا أسأل عن مذيعات التلفزيون، واذا اردت العمل في الاذاعة فليكن بعد الدوام أو قبله ، فأنزعجت ، وشعرت بانزعاجها فتجنبتها، وفترت العلاقة.
ولكن في احد الايام كنا انا وزميلتي حنان عبد اللطيف، ومديحة معارج، في مبنى التلفزيون، وكنت لحظتها اشكّل الاخبار لأقرأها في نشرة اخبار العاشرة ، حينها ظهرت نشرة اخبار الساعة الثامنة ، وكان فيها تقرير عن الرئيس صدام حسين وهو يزور مقر المخابرات العامة التي كان رئيسها برزان التكريتي ، وظهر برزان بلحية غير حليقة، ولم اكن اعرفه انذاك ، ربما لأنه قليل الظهور في ذلك الزمن.
سألت حنان : من هذا الشخص؟
ردت: هذا برزان أخو السيد الرئيس.
فقلت لها : لم ارَه من قبل وإستغربت لحيته الطويلة، ولم اقل غير تلك الكلمة ، وانحنيت على الاوراق التي امامي لأكمل عملي ، ولكن ما أن رفعت رأسي حتى وجدت حنان تشير اليّ بفمها بإشارة معناها إسكتي، اعطتني اشارة أن لا اتحدث ، وبعد ان خرجت مديحة من الغرفة قالت لي حنان : (سهاد لا تحكي شيئًا امام مديحة).
فقلت لها : (انا لم أقل شيئًا)!!
ردت حنان: (لا اريد أن اقول لك سوى لا تقولي شيئاً أمامها)، ولم توضح لي حنان الأسباب.
ولكن بعد اقل من شهر ربما ثلاثة اسابيع ، وكنت وقتها حاملاً بإبنتي الثالثة وهي من مواليد عام 1983 (سالي) ، جاءني اثنان من المخابرات العامة وقالا لي : تفضلي !!
قلت : خيرا ؟!!
قالا : هناك شخص يريدك ، وذهبت معهما الى مبنى المخابرات الذي كان حينها في منطقة الحارثية ، وجدت شخصاً هناك قال لي ستقابلين برزان التكريتي !!
سألته: خيراً ؟
قال: هناك موضوع يود الحديث به معك، وبعد قليل قابلت برزان : فقال لي : نحن نحبك ونتفاءل بك وأنت تمثلين الدولة ، فلماذا تحكين عليّ؟
قلت له مستغربة : انا ؟؟
قال : نعم انت
قلت : كيف ؟
قال : (انت قلت طلع بالتلفزيون هذا الكلب الحقير ووووو ).
لحظتها إهتز بدني وشعرت بالخوف، حتى ان ابنتي التي كنت حاملاً بها ظهر خلل في امعائها في ما بعد بسبب هذا (الرعب) .
قلت له : الامر ليس كذلك، وحكيت له القصة بصراحة ، وقلت له استاذ انا لا اعرفك ولا اعرف انك اخو السيد الرئيس .
فقال: لكنك تعملين في الاعلام .
أجبته: ولكنني لا انتبه ، عندما اقرأ الخبر يظهر وزراء اعرفهم، ولكن الجهات الامنية لا اعرفهم بصراحة ، وقلت له : انا لم اتحدث ودع الشخص الناقل لك ذلك يواجهني ، ان كنت تريد أن تصدقني او لا تصدقني. وتستدرك قائلة: انا هنا تشجعت لانني لم أقل شيئاً مما إتهمت به.
فكان رده: اردت فقط أن افهم منك ما حدث، فأنت محترمة، ولكن انتبهي.
فقلت له : عرفت من نقل لكم الكلام.
فقال : لا تذكري الاسم. وأطلق سراحي.
وما ان خرجت من مبنى المخابرات ، وانا غير مصدقة أن الأمر إنتهى على خير، حتى ذهبت مباشرة الى مستشفى الراهبات وهناك اغمي عليّ. فاعطوني ابرة في الوريد وهم لا يعرفون أنني حامل ، وبسبب هذا الموقف تجمعت لدى ابنتي اورام اجريت لها اربع عمليات جراحية عندما صار عمرها 17 سنة.
المهم انني التزمت الصمت تماماً حول هذه الحادث، لكنني ارسلت الى حنان وقلت لها ما حدث.
وفي اليوم التالي ذهبت الى الدوام بشكل عادي جداً وكانت مديحة موجودة ، وألقت علي التحية، لكنني إكتفيت بالنظر اليها دون أن أرد .
وبقيت أتجاهلها الى أن انجبت ابنتي ، وهي تسأل المذيعات ما بها سهاد معي؟
وبعد الولادة اخبرتني زميلاتي أنها تريد أن تأتي لتبارك لي فقلت :لا اريدها أن تأتي ، فلن استقبلها في بيتي، وبعد أن داومت التقتني وسألتني ما بي معها ؟
فقلت لها :اتيت بك الى التلفزيون وساعدتك، وتحديت الكل، والمدير العام غير موافق ولكنك طعنتني في ظهري ، كل شيء اغفره الا هذه القضية ، ونحن هنا زميلات ولسنا اعداء. فأجابتني : (سامحيني .. انت صاحبة قلب الطيب !!)
فقلت لها : هو قلبي الطيب الذي سيوقعني في مصائب .
بعد سقوط النظام جاءني اشخاص لا اعرفهم باضبارتي التي كانت في الامن العام وفيها وجدت اشياء عجيبة .
حكم بالإعدام بسبب انتقاد ملابس صدام
وحول القضية التي أدت بها الى مواجهة حكم بالإعدام تقول:
قضيتي الثانية عام 1989 ، بدأت عندما كنا في قسم الاخبار جالسين على طاولة طويلة ، مجموعة كبيرة جداً من المحررين، وكان غسان المانع مدير الأخبار موجوداً، وحدث أن ظهر في الاخبار على الشاشة نشاط للرئيس صدام حسين في زيارة له للبصرة ، وكان يرتدي ملابس كاوبوي وقبعة اميركية، وكنا نتأخر اذا ما ظهر نشاط ، فقلت متأففة: (أهوووو.. هذا النشاط سيتأخر كثيراً، وانا ابني صغير، والنشاط سيعيدونه مئة مرة).
وقلت ايضاً ( كيف للرئيس أن يلبس هذه الملابس (كاوبوي) ، لا تليق به، ما يصير رئيس دولة يلبسها وهو الذي طيلة الوقت يحكي عن الاميركيين).
وتكمل:
لا اعرف ما الذي جعلني اقول هذا وانا لم انتقد شيئاً في عمري، كانت هذه المرة الاولى في حياتي أقول شيئاً كهذا ، اقسم بالله العظيم، وكنت حذرة جداً، لكن يبدو أن هذه العبارة كانت صعبة عليهم ، وقبلها بقليل احداهن حكت لي نكتة فقلت لها (يا معودة اسكتي هذه نكتة لا تحكيها) فأخذت في السياق.
وللامانة مديحة معارج بريئة من هذه القضية لانها لم تكن موجودة ، والانسان لايجوز أن يتهم احدًا بلا وقائع ، ولم اعرف مَن مِن بين الموجودين نقل الحديث ان كان هناك نقل من أحدهم ، والظاهر كان هناك تسجيل ، لكن لم يظهروه لي ، ربما هم باغتوني بهذا القول، وبالتأكيد هناك وكيل للأمن في الدائرة ، وبعد شهر جاءني رجال الامن الى البيت وقالوا لي نريدك نصف ساعة لدينا استفسار ، وكنت طيلة الطريق افكر من عمل مشكلة اخي أو ابي ؟
ولكن أتضح انها انا !!، فوجئت بما حصل ، لانني اصلا كنت نسيت الحديث ولا اتذكر اين قلته؟
احالوني الى (الشعبة الخامسة) في الامن العام ، الشعبة الخامسة هي اسوأ شعبة في التاريخ، يحاكمون فيها حزب الدعوة والحزب الشيوعي : فقلت للمحقق انا حكيت، ولكنني لم اقصد الاساءة لشخص ، ربما انتقد أحد الموظفين او اخي ، فهل اذا انتقدته كرهته ؟
فرد: ستأخذين عقوبة قاسية جداً لانك تعملين في الاعلام ، ولو أن واحدة غيرك قالت هذا الكلام من الجائز أن أعيدها الى بيتها ، ولكنني لن أعيدك الى منزلك.
أخذوا مني ثلاث افادات لكن المدير رفضها كلها، احد قضاة التحقيق كان زوج واحدة من زميلاتنا المذيعات ، يمكن زوج هدى رمضان، كان لا حول ولا قوة ، قال لي هذه اقوالك ، قلت : نعم ، ووقعت عليها ، وبعد اسبوع الغوا الافادة لأن المدير قال هذه الافادة ستخرجها !!!
وبعد شهر امضيته في الامن العام عملت افادة ثانية ، وقلت لضابط التحقيق : هل اقول لا ، ومن ثم يضربونني ويعذبونني؟ اذا مسني أحد سأوقع على اعدامي.
الضباط كانوا محترمين ، لكنني كنت اخاف من مديرهم المرعب ، في الاخير ارسل هذا المدير يطلبني وقال لي :
ماذا تريدين ؟ هل تريدين أن اخرجك ؟ انا سأحيلك الى محكمة الثورة وأكسر ظهرك !! لانك في التحقيق (متنكة عليّ / اي متشنجة معي) ، وأكمل: نحن نعرف عنك الكثير وانت حكيت على فلان وفلان.
وقلت له : لم يحصل.
احد المحققين قال لي : لو انك ترجيته قليلاً ربما عفا عنك.
قلت : والله لن اترجى احداً ، وانا قلت الحقيقة له ، ولكنه كان يستفزني ، قال لي مثلاً : سأعيدك الى البيت ولكن عليك أن تراقبي لنا اشخاصًا ، وتسمعين ما يحكون
قلت : اسمع من؟
قال: ان وافقت نحن نعطيك الاسماء، هناك اناس في الدائرة عليهم علامات استفهام ونريدك أن تتعاوني معنا .
وتكمل: اقسم بالله العظيم، قلت له : هذه ليست اخلاقي، وجن من هذه العبارة ... فقال لي : (متآمرة ، لا تساعدين الدولة) .
طلبت أن أرى أولادي .
قال : ممنوع
قلت : هل اعدم ولا أراهم ؟
قال : نعم .. ممنوع .
وعلى الفور طلب من الضابط أن يأخذني الى التوقيف وأن يحيلني الى محكمة الثورة ويكسر ظهري، وحينما دخلت التوقيف انهرت ، كانت هناك عدة نساء معي.
وقلت : خلاص قضي الأمر، وللامانة في الامن العام لم يعتدِ أحد علي بصراحة ، لأن الضباط كانوا متعاطفين معي ومتألمين .
احدهم قال: (حسافة انت هنا، ونحن متألمون من اجلك، ولكن الأمر ليس بيدنا ، القضية بيد جهات عليا ، صعدت اوراقك للرئاسة، راحت عند صدام، لا نقدر ان نخرجك، وقد رفع المدير قضيتك الى رئيس الجمهورية، الذي بيده أن يرحم بحالك أو لا يرحم ، ومن ثم جاء القرار بعد خمسة اشهر توقيف في الامن العام، لم أرَ اهلي خلالها، ولكن بلا اضطهاد ابدًا ، وعندما كانت تتدهور حالتي الصحية يأتونني بطبيبة، كنت أمرض بسبب المعاناة ، ولأنني لا اعرف مصيري ، وجاء القرار بعد خمسة اشهر واسبوع ، من رئيس الجمهورية يقول فيه (تجتث الرؤوس العفنة) ...
واخذوني الى محكمة الثورة،ادخلوني الى القفص وكان هناك عواد البندر ومجموعة اخرى، وبلا محامٍ، جاء احدهم ربما هو المحامي وقال : اطلب لها الرحمة.
كان كل اعتقادي انني في فيلم مصري ، سألني القاضي :
هل انت بريئة ام مذنبة ؟
قلت : سيادة القاضي ماذا ترى انت ؟ اوراقي عندك ، يا سيادة القاضي انا لم اقصد بالكلمة شيئاً، انا انسانة مخلصة ووطنية واحب بلدي ، ولكن الانسان احيانا يخطىء.
خرجنا من قاعة المحكمة وكان الضباط يقولون لي اهدئي. عندما احالوني الى المحكمة اعطتني احداهن (حبتي فالون نمرة 5) ، والسيارة التي نقلتني من الامن العامة مصفحة والجنود مسلحون ، ولكن من دون قيود في يديّ، كنت اعرف أن قاضي محكمة الثورة ليس بيده شيء والقرار آت من الاعلى ، وبعد ربع ساعة رجعنا الى القاعة ، وصدر القرار (حكمت محكمة الثورة باسم الشعب على المجرمة سهاد حسن محي الدين بالاعدام شنقًا حتى الموت ومصادرة الاملاك المنقولة وغير المنقولة) !!
ذهلت ، سبحان الله، كانت هنالك سكينة من رب العالمين ، تماسكت كي لا اقع ، لكنني شعرت كمن ضرب على رأسه ، زاغ بصري، دارت بي الدنيا ، دخل ضباط الى القفص ، قال لي احدهم : هات يدك ...
جلست خارج القاعة أسأل نفسي غير مصدقة: هل وصل بي الظلم الى هذه الدرجة ، هل هذا حكم ؟
قال لي ضابط : انتظري .. ان شاء الله لا ينفذ الحكم وان شاء الله تفاءلي خيراً ، فرئيس محكمة الثورة والاعضاء سوف يرفعون مذكرة الى رئيس الجمهورية يطلبون فيها الرأفة والعون والسماح ، وقد تألموا وربما حتى القاضي ، لأنه يعلم بأن القضية لا تستوجب هذا الحكم ، لكنه مجبور على التنفيذ ، فالأحكام كانت تأتي من الرئاسة ، وهو مثل المذيع ، لا يستطيع أن يفعل شيئاً.
من إعدام لمؤبد ثم عفو
بعدها اخذوني بسيارة مصفحة ليس فيها سوى شباك صغير من الاعلى ، الى سجن النساء في منطقة (الرشاد) ، الذي يقع خلف السدة، ما بعد العبيدي والحبيبية، وهناك وجدت الجماهير محتشدة، (تكمل وهي تضحك): ربما اكثر من 500 امرأة سجينة استقبلنني بالبكاء ، وكنت انا ربما من الصدمة ما زلت (شاردة) ، والمديرة ، يرحمها الله ، كانت راقية جدًا ، واستقبلتني واخذوني الى غرفة فيها خمس نساء محكومات بالاعدام بسبب جرائم قتل ، لم أنم ليلتي هذه حتى الصباح ارسلوني الى (المغلقة) مع (سجينات حزب الدعوة) لأن ليست لدي مواجهة ، فوجدت محكومات مضى على وجودهن عشر سنوات او 15 سنة ، وعشت معهن 17 يومًا ، لم أرَ اهلي ولا أي احد ، القسم فيه 40 سجينة ، ولا يجوز لهن الاختلاط بالاقسام الاخرى ، وبعد الـ 17 يوماً ، سمعت في الساعة السابعة صباحًا، وانا نائمة ، فوضى وصياحاً ومن ثم نساء يزغردن (يطلقن الهلاهل) واعتقدت أن عفوًا صدر لهن أو ما شابه ذلك ، ثم سمعت طرقًا قويًا على باب القسم ، حتى قلت هل صارت ثورة !!
فتحت الرقيبة الباب ودخلت المديرة ، كنت نائمة على الارض وافكر باولادي، ايقظتني وهي تقول لي اقعدي سهاد الحمد لله على السلامة ، حياتك رجعت لك ، لم افهم لحظتها ما تقول، واضافت : انهضي جاء مرسوم جمهوري خفضوا الحكم فيه الى المؤبد ، فالمؤبد فيه مجالات للعفو ، وبالفعل جاء عفو اول لم يشملني ، وفي عام 1991 جاء عفو بعد حرب الكويت ، وهذا شمل السياسيين كلهم ، يعني جماعة حزب الدعوة خرجوا كلهم ، وخرجت من السجن بعد أن امضيت فيه سنتين .
اهلي حاولوا كثيراً من اجلي ، والدي تعب كثيرًا ، فيما زوجي لم يصل الى باب استعلامات القصر الجمهوري ، كان خائفًا على روحه ، ولم يقف معي وقفة مشرفة .
وتختم حديثها:
لم احب في حياتي، ولم أعرف الحب ، كنت في الصف الخامس الاعدادي عندما خطبت ، وتزوجت وانا في السابعة عشرة من عمري ، وفورا صرت زوجة وأماً لأولاد وأسرة.
1180 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع