كانت بغداد بمثابة منفى للولاة الاتراك وخاصة في منتصف القرن الثامن عشر وحتى سقوط الدوله العثمانيه وكان تعيين احدهم واليا على بغداد بمثابة ابعاد وعقوبه ولذلك لم يكن هم الولاة الا جمع الاموال باكثر مايمكن ويجعلوها ضمانه او بمثابة تعويض على هذا الابعاد .
احد الولاة كان لايرسل الى الخزينه العثمانيه شيئا مهما من واردات بغداد بسبب كون بغداد كانت تعاني اصلا من ضيق اقتصادي وشحة الموارد وانخفاض في عدد سكانها بسبب الاوبئه المتتاليه اضافة الى جشع هذا الوالي لجمع الاموال لنفسه وعليه قرر الباب العالي تبديل الوالي بآخر وقد تم افهام الوالي الجديد سبب اقالة الوالي السابق وهو عدم رفد الخزينه باية مبالغ تذكر ..
وصل الوالي الجديد الى بغداد واستلم منصبه وارسل على مجموعة العمل الحكومي معه واستفسر من الخزندار عن الميزانيه المتوفره فأجابه ( باشا ولا مجيدي) فاعتقد ان الوالي السابق قد تصرف بها وآثر الانتظار ليرى ما سيؤول اليه الحال وبعد ثلاثة اشهر ارسل على الخزندار وسأله كم توفر لنا من الاموال فاجابه ( باشا ولا قمري) فسأل الباشا لماذا الايوجد ضريبه ؟ الايوجد غرامه ؟ اليس هناك من يرمي النفايات في الشارع ؟ الاتوجد مشاجرات .. محاكم .. زواج ..و رسوم ؟؟
اجاب الخزندار ( باشا بغداد هي هالشكل مابيه وارد من زمان ) .. ففكر الوالي في حل لانه عليه ان يرسل نهاية السنه ايرادات الى الاستانه والا يغضب عليه الباب العالي وتوصل الى خطه فقال لمدير الشرطه احضر لي جميع التجار المسلمين يوم الجمعه قبل الصلاة الى القشله لكي اجتمع بهم ..
حضر التجار المسلمين يوم الجمعه الى القشله وهم في احسن زينه واجلسهم مدير الشرطه في قاعة الاستقبال بانتظار الباشا وبعد قليل دخل الباشا ونهض الجميع وادوا فروض التحيه والاحترام وجلس الباشا على المنصه وصفق بيديه فدخل احد الخدم وهو يقود عنزه ( صخله ) واوقفها بجانب الباشا وهنا قال الباشا وهو يمسح على ظهر الصخله ( بابا تجار مسلمين هازه شنو ضخا استنبولي لو حصان تركي ؟؟ ) فجاءه الجواب باشا ( هذا صخل استانبولي ) فقال متأكدين قالوا نعم قال ( انا يقول انه حصان تركي ) قالوا لا مولانا هذا صخل استانبولي مبين .. هنا غضب الباشا وصاح ( يعني انا حمار موش يفتهم ؟؟) جلاد اقطع رؤوس هازا تجار كلهم !! حصل هرج ومرج وقام الوالي والمفتي والسيد يتوسلون بالباشا يمعود مولانا بختك وهنا هدأ الباشا وقال زين عفو بس ( خمسين ليره ذهب جزاء كل واحد ) والجماعه امرهم لله اخرجوا الليرات ودفعوا وهم صاغرون وسارعو بالخروج وهم يرددون:
هذا حصان تركي حصان تركي اصيل ....
نادى منادي الوالي ان التجار المسيحيين مطلوبين للحضور في الجمعه الثانيه وهنا سأل التجار المسيحين اخوانهم المسلمين ماذا حدث فاخبروهم بالقصه كاملة ولذلك قرروا ان الموضوع سيكون سهلا .. وجاء يوم الجمعه وحضر التجار ودخل الوالي وتكرر المشهد وعندما سأل الوالي ( بابا تجار مسحيين هذا صخل استانبولي لو حصان تركي ؟؟ فاجاب الجميع بصوت واحد حصان تركي مأصل ) فقال الوالي اني يقول هذا صخل .. قالوا كلا هذا حصان مأصل قال يعني اني مايفتهم ؟؟ جلاد اقطع رؤوس تجار وهنا حصل الهرج والمرج وتتدخل القس وقال باشا حالنا حال الاسلام غرامه ويرحم والديك فهدأ الوالي وقال بسيطه غرامه خمسين ليره ذهب .. دفعها الجماعه وهم ممنونين وخرجوا مسرعين ..
وفي الجمعه الثالثه نادى المنادي ان على التجار اليهود الحضور يوم الجمعه في قاعة الاستقبال في القشله وسأل اليهود عما جرى وصعب الامر عليهم ماذا سيقولون ؟ الوالي لايقتنع لا بالحصان ولابالصخله وعلى كل حال وصلوا الى القاعه وتكرر العرض نفسه فقال الوالي ( بابا تجار يهود هازه شنو صخل استانبولي لو حصان تركي ) فنهض كبير التجار وقال ( باشا هذا لاهو صخل ولاهو حصان هذا غضب نزل علينا من رب العالمين هاي جامعيلك كل واحد خمسين ليره وخلينا نولي ويرحم والديك ) وضحك الوالي واستلم منهم الليرات واصبحت خزينه الدوله عامره ...
وفي حكاية اخرى ,, كان هناك مزارع من اهالي شمال غرب سامراء يتسم بالبساطه المفرطه وكان قد قرر ان يذهب بمحصول الرقي (البطيخ الاحمر ) الى بغداد لبيعه بسعر مناسب...
حمل المحصول واصطحب معه حماره وبعد رحله في نهر دجله نزولا افرغ حمولته على شاطيء دجله في منطقة الوزيريه وانزل حماره وحمله حملا كبيرا من الرقي وباشر بالذهاب الى السوق وكان في تلك الفتره والي بغداد رجل متحضر وانساني لانه اصدر فرمانا يمنع فيه ضرب وايذاء الحيوانات وعدم تحميلها اكثر من طاقتها بعد ان شاهد احد الاشخاص وهو يضرب حصانه الذي يسحب العربه بقسوه مفرطه حتى امر بحبسه جزاء هذا الفعل ولكن مزارعنا القادم من شمال بغداد لم يكن يعرف هذه الفرمانات وصادف ان يكون الوالي مجتمعا مع رجال دولته في حديقة المنزل ومر مزارعنا الهميم من باب القصر ولكن الحمار ( عنفص ) وكلمة عنفص تعني انه امتنع عن السير وتنفيذ امر المزارع ولذلك استخدم المزارع خيزرانته بكل قوه لضرب الحيوان حتى جاء حارس القصر يركض لمنعه من ذلك قائلا ( انتم تفتهم ليش تضرب الزمال مو ممنوع ويصغ ) فقال المزارع هذا حماري وانا حر وبعد جدال لم يوصل الى نتيجه سحبه الحارس الى داخل القصر وامام الوالي قائلا ( مولانا هذا موته للزمال من الضرب بالخيزرانه ) تعصب الوالي وصاح:
( انت ما تخاف من الله يضرب هذا حيوان انت مجرم والله اني يحبسك اربعين يوم ) فتعجب المزارع كل هذه الامه والوالي من اجل حمار وقام وقبل الحمار قائلا للوالي ( مولانا باشا الله وكيلك مادري هذا گرايبكم ومحد گلي وهاي بوسه على راسه اثاري ابن عمكم واني ماادري ؟ التوبه باشا ) فضحك الباشا وامر بشراء الحمل منه ونصحه بعدم ايذاء الحمار مرة اخرى ....
مع تحيات عبد الكريم الحسيني
الكلك : هو وسيلة نقل نهريه كانت مستخدمه الى خمسينات القرن الماضي .
يصغ : تعني ممنوع .
عنفص : أي امتنع عن السير واصدار اصوات .والبعض يستخدمون (احرن ) ولكنها تقال لابو لؤي ( الثور ) .
الخيزرانه : عصا تستخدم لضرب الحيوانات والبشر في عقاب الفلقه (عقوبه خاصه تضرب فيها باطن القدمين )
الفرمان : هو القرار الذي يصدر من الوالي أي الامر الواجب التنفيذ .
المجيدي : عمله تركيه .
القمري : عمله تركيه فيها شعار الدوله (القمر).
القشله : هو مقر الحكومه في السراي .
الخزندار : هو بمقام وزير الماليه .
الگاردينيا: الف رحمة على روحك أيها الكاتب البغدادي الأصيل ، لن ننساك مطلقاً فكتاباتكم شاهد على امكانياتكم ايها الفقيد الغالي.
690 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع