صبري الربيعي
عندما اتصل بي الكاتب المسرحي,والفنان طه سالم , في وقت ما نهاية عام 1966 , داعيا الى لقاءه مع عدد من الفنانين في عمارة تقع ب(شارع السعدون) لم اعرف في حقيقة الأمر, ان ذلك اللقاء سيؤسس لميلاد فرقة فنية ليست ككل الفرق الفنية العاملة آنذاك!
في (غرفة السطوح) الصغيرة أعلى البناية , الخالية من وسائل التهوية والتي ( تصكع) بها الشمس , حتى الغروب , حيث تنتعش بنسيم جارها (دجلة) المانح , أجتمع كل من طه سالم ومحسن العزاوي العائد للتو من (تشيكوسلوفاكيا) بعد نيله شهادة التخصص في المسرح ,وعبد الوهاب الدايني محملا بتجاربه السينمائية والمسرحية المؤشرة ,وخالد سعيد , وفاضل القزاز الأساتذة في معهد الفنون الجميلة , والممثلة (سليمة خضير ) التي نحتت طريقها منذ سنوات ,و (تابعتها ) شقيقتها الصغيرة (أمل) الحائرة بين التمثيل والغناء المعاد..وعندما تبادل الحاضرون بالبحث فكرة تأسيس (فرقة طليعية ) للفنون المسرحية , قرأت في عيونهم طموحا واضحا , لكي تكون قاعدة تأسيس هذه الفرقة ,وفق مضامين لا تنأى بنفسها عن الموقف الجماهيري المتسم بتقدميّة التناول ..فطه رجل مسكون بهموم الناس, التي ينام ويصحو على ايقاعها ..أما الآخرون .. فهم قد مثلوا منذ زمن طويل رموزا ثقافية وفنية لافتة .. ولذلك أجبت سالم فورا عندما سألني رأيي ” أني معكم “.
كانت باكورة الإنتاج التلفزيوني ل(اتحاد الفنانين) السهرة التلفزيونية (لا تبك يابني) كتبها طه سالم برؤية قومية , (عندما يرفض ثلاثة مدرسين في الأرض المحتلة عام 1976 بفلسطين تدريس اللغة العبرية, والمشكلات التي تعرض لها هؤلاء المدرسون وهم كل من طه سالم وكامل القيسي (رحمه الله) وصبري الربيعي , على يد الضابط الإسرائيلي محسن العزاوي).. وفي الوقت نفسه بدأت التدريبات على انتاج مسرحية (طنطل) , وهي( تراجيديا تتجه الى المدرسة المازجة بين الواقع والخيال ) لتجسيد فكرة تتعلق ببحث الإنسان التائه عن كينونته ! وبسبب من أن المسرحية تحتمل الكثير من الأسئلة الحائرة في اجاباتها أستدعي كل من المؤلف طه سالم والمخرج محسن العزاوي الى دائرة الأمن حيث وجه اليهما سؤالا واحدا , من هو (طنطل ) ؟ وفي ظنّي أن ضابط الأمن, قد وضع في ذهنه أن المقصود ب(طنطل) رأس النظام القائم آنذاك .. وبما أن الجميع لم يعرف من هو ( طنطل) بطل المسرحية , الا أن مؤلفها سالم بانتهاجه نهج التعبير الإيحائي, قد أوقع في يد ضابط الأمن المحقق , وعاد الينا الزميلان الى (المسرح القومي) بعد أن شدنا القلق عليهما , لأصدر إشارتي ك(مدير للمسرح) باستئناف العرض الثاني لهذه المسرحية , المثيرة لجدل واسع .هو احد أهداف المنتج الفني الجاد !
كانت للفرقة العديد من المسرحيات والأعمال الأخرى ,التي واصلت انتاجها بذات الروحية والحماسة والتأصيل الجاد في مضامينها , وبعد أن سحبتني الصحافة نهائيا من العمل المسرحي , بقيت على اتصال ومتابعة مع هؤلاء الفنانين الأعلام الطامحين , حيث حضرت قراءات مسرحية ( ورد جهمني) وغيرها .
لله درك ايها الفنان صاحب القضية , في زمن انحدرت خلاله قيما نشأنا عليها , ورضعناها مع حليب امهاتنا , ربما !
4590 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع