إبراهيم الزبيدي
يعلم رفاقنا في المعارضة العراقية السابقة بأن أمريكا، قبل الاحتلال الأمريكي بزمن طويل، مدت جسورا خفية تارة، ومعلنة تارة أخرى، مع تجمعات المعارضة العراقية الإسلامية الشيعية، برغم أنها تعرف منذ أيام جورج بوش الأب ثم كارتر وبوش الإبن، أن قادتها وأغلب أعضائها موالون لإيران، أو مولـَّدون ومحصَّنون من قبل مخابراتها.
كما كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تنسق مع نظام حافظ أسد وخليفته بشار، وهو إيراني الهوى والمصلحة أيضا، في تأهيل تلك المعارضات، وإدخالها إلى بيت الطاعة الأمريكي الإيراني السوري (المتحد)، للعمل معا على إسقاط نظام صدام، وإقامة نظام جديد يكون قادة تلك التجمعات سادته وقادته الكبار.
وحين قررت أمريكا العسكرية أن تخرج من العراق، توفيرا في النفقات المالية والبشرية والسياسية، كانت تعتقد بأن حلفاءها وكلاءَ إيران العراقيين الذين تفضلت عليهم ومنحتهم وطنا غنيا مترامي الأطراف لكي يتصرفوا به كما يشاؤون سوف يحفظون لها الجميل، ويستمرون في ولائهم المزدوج الإيراني الأمريكي، وعدم خيانة الأمانة.
ثم دارت الأيام، وتكشفت المواقف، خصوصا بعد أن تمكنت أمريكا وحلفاؤها العراقيون والعرب والأوربيون من تأجيج النقمة على الوكيل الإيراني المعتمد نوري المالكي، وحرمته من دورة ثالثة، مُحرجةً إيران ومنتزعة، على مضض، موافقتها على خلعه، ولكن بشرط أن يخلفه أحد قادة حزب الدعوة، فكان حيدر العبادي هو رئيس وزراء التسوية بين الطرفين.
وبسبب وقوف الشارعيْن، السني الناقم على المالكي، والشيعي المُحبَط والمتضرر من فساده وفساد معاونيه وأقربائه، إلى جانب خليفته الجديد، أملا في إصلاح، ونكاية بالسلف، لم يجد المالكي بدا من خوض حربه الإستباقية مع حيدر العبادي لعرقلة محاولاته الإصلاحية التي توقع أن تبدأ به، وبالمقربين منه، بدعم قوي من أمريكا، ومن مرجعية السيد السيستاني الكارهة أصلا لسياسات المالكي المسؤولة عن كل الخراب الذي حل بالبلاد والعباد، والمصرة على محاسبته وعدم الصبر عليه.
وهنا لم يجد الولي الفقيه بُدا من أن يمد يده إليه لينقذه من الغرق، وليحميه من قبضة العدالة العراقية، فاستقبله في طهران استقبال الفاتحين، ومنحه بركاته ورضاه، الأمر الذي أوحى لقادة مليشيات قاسم سليماني، والحشد الشعبي، وأحزاب التحالف الوطني، بواجب الالتفاف حول المالكي، حماية للمنجزات الإيرانية في العراق، وحفاظا على مواقعهم ومكاسبهم المهددة بالضياع بفعل مسايرة العبادي ومرجعية النجف للشارع الشيعي المنتفض.
فهل صحيح أن حيدر العبادي أمريكيُ الولاء، كما يُشيع إخوته ورفاقه في حزب الدعوة والتحالف، أم هو حليف الساعة الأخيرة مع الأمريكان، اضطرارا، لحماية مستقبله السياسي من حبال المالكي الملتفة حوله في كل مكان، حتى داخل قصره في المنطقة الخضراء، وديوان رئاسة الوزراء؟.
وفي خضم التجاذبات المعقدة على الساحة السياسية العراقية جاء التدخل الروسي لإنقاذ بشار الأسد، بعد فشل الجهود الضخمة الفاشلة التي بذلتها إيران وحزب الله والمليشيات العراقية على مدى أربع سنوات، ليجعل روسيا، في اعتقاد الإيرانيين ووكلائهم العراقيين، حليفا أفضل من الأمريكي، وأقدر على حماية النفوذ الإيراني من طغيان الهيمنة الأمريكية التي تحاول تقليصه في العراق وسوريا، خصوصا بعد أن مارست ضغوطا كبيرة لمنع الحشد الشعبي من دخول الرمادي، وعرقلت وجوده في صلاح الدين، وسلحت العشائر السنية، وشجعتها على إعلان الإقليم السني، للحيلولة دون تمكين القبضة الإيرانية من إسقاط الحدود العراقية السورية أمام قوافل سلاح الحرس الثوري ورجاله، وربطت زيادة مشاركتها في محاربة داعش بتقليص المد المليشياوي، وتسييد سلطة الدولة العراقية.
وبإعلان تشكيل التحالف الرباعي بين العراق وسوريا وايران وروسيا، واتضاح الطموح الروسي للمشاركة في معارك إيران في العراق، رفع التحالف الدولي الأمريكي سخونة حربه ضد داعش، فقام، لأول مرة، بإنزال جوي مباغت وناجح لتحرير رهائن عراقيين في الحويجة، كا ضاعف ضرباته في بيجي والرمادي، لتبدأ حربٌ باردة علنية بين المعسكر الإيراني العراقي، وبين المعسكر الأمريكي العراقي الحكومي والشعبي دون هوادة.
ورغم أن حوادث عديدة ومواقف كثيرة اتخذها حيدر العبادي بالضد من جماعة المالكي ومناصريه عمقت الخلاف بين الفريقين، إلا أن الذي أخرج هذا الخلاف إلى العلن، وبأشد مظاهره تعنتا وتشددا وعصبية، هو إقدام العبادي على اختيار شخص من خارج الطبقة السياسية التي تحتكر السلطة أمينا عاما لديوان مجلس الوزراء، دون استشارة حزب الدعوة أو التحالف. فقد تسارع جميعُهم إلى معارضة هذا التعيين، برغم أن الأمين العالام الجديد عماد الخرسان ليس غريبا عليهم، فهو صديق قديم لأكثرهم، وشيعي نجفي مزكى من مرجعية السيد السيستاني.
فقد أدركوا أن هدف العبادي من هذا التعيين هو طرد جميع الموالين للمالكي، والابتعاد عن محور إيران السياسي، والاقتراب من المعسكر الأمريكي أكثر من سواه، باعتبار أن عماد أمريكي الجنسية، وذو علاقة حيممة بالإدارة الأمريكية، وقريب جدا من أوساط العلمانيين العراقيين والعرب.
فإذا كانت منظمة بدر وكتلة الأحرار، والمجلس الأعلى، ودولة القانون، قد أعلنت، كلهُا، أنها مع المتظاهرين ومطالبهم العادلة، ومع أوامر المرجعية في محاربة الفساد، وعابت على حيدر العبادي تأخره في إجراءاته الإصلاحية، فلماذا نهضت بقوة وحماس، كلُها أيضا، ضد استعانة رئيس الوزراء بعراقي مستقل، ونزيه، ومحارب شديد للفساد، ومسلح بالعلم والخبرة والإرادة، ليعينه على تسريع عملية الإصلاح؟
والسؤال الآن، هل صحيح أن الروس أفضل من الأمريكان، وأكثر حبا بسواد عيون العراقيين؟
إن أغلب الظن أن عماد الخرسان ليس المقصود بحملة (إخوته) القاسية عليه، بل هو حيدر العبادي الذي أصبح في نظرهم عميل أمريكا (الكافرة)، وعدو (الشقيقة) روسيا المحبة للخير والعدالة والحرية وبشار.
ولكن هل صحيح أن حيدر العبادي يمكن أن يصبح عميلا لأمريكا، وخصما معارضا لإيران؟
1778 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع