د. تارا إبراهيم
احتدمت الآراء وزادت حدة المناقشات في وسائل الاعلام والوسط السياسي حول السياسة التي يجب ان تتبعها فرنسا إزاء الوضع الراهن وخصوصا بعد الهجمات الاخيرة التي تعرضت لها باريس والتي ما تزال حتى الآن غير قادرة على ان تفيق من وقع الصدمة، وكأنه كان كابوسا مرعبا لا تستطيع التخلص منه الى هذا اليوم .
اسئلة كثيرة تم طرحها وتحليل اجاباتها ووقعها على المجتمع الفرنسي، هي غالبا اسئلة تتعلق بكيفية حماية الحدود الفرنسية بشكل خاص واوربا بشكل عام، هل يجب منع المهاجرين من الدخول الى اوربا ؟ هل نستطيع اعتبارهم ارهابيين مع العلم انه يمكن ان يكون واحد بالمائة منهم فقط من الارهابيين ؟ هل يجب سحب الجنسية الفرنسية من المشكوك فيهم والذين يعيشون على ارض فرنسا ؟ ما هي الحالة النفسية للناجين من الهجمات الباريسية؟ وخصوصا انه في هكذا حالات تزداد عقدة الشعور بالذنب، من خلال طرح السؤال التالي، لماذا قتل هو ولست انا ؟ أما كان من الممكن ان اقتل انا وليس هو او هي ؟ الخ من الاسئلة التي دارت حولها محاور ندوات كثيرة...
السؤال الذي لم يتم طرحه والذي كانت اجابته عفوية : ماهو دور الشعور الوطني للفرنسيين في خضم هذه الاحداث، وكيف كان ردود افعالهم التلقائية؟ طبعا الفرنسيون تبعوا كل ارشادات الحكومة في احترام دقيقة الصمت في جميع انحاء البلاد، ومن خلال العودة الى اماكن الانفجارات والهجمات ووضع اكاليل الزهور، وإلقاء الكلمات وإيقاد الشموع ..الخ، شيء لا يدل الا على تضامن الشعب بعضه مع بعض، وفي الوقت نفسه تضامن الشعب مع الحكومة التي حاولت جهد الامكان ان تسيطر على الوضع على الرغم من قلة امكانياتها من حيث عدد أفراد الشرطة والجيش والامن كونها لم تكن مستعدة لهكذا نوع من الهجمات .. في كل فرنسا، كمثال لا يوجد إلا 9 قضاة في مجال الارهاب الامر الذي دعا الحكومة للتفكر في زيادة هكذا نوع من الكفاءات، اضافة الى قلة عدة الشرطة العلمية التي تحقق في الادلة...الخ
وفي الحقيقة ان الشعور بالوطنية والفخر بإلانتماء الى فرنسا انفجر في هذه الايام، فقد فقدت الاعلام الوطنية من الاسواق لكثرة شرائها من قبل العامة كما يشترون الخبز، بل وازداد تعلق الفرنسيين بالألوان الابيض والاحمر والازرق، أمر لم يحدث الا عندما فازت فرنسا بكأس العالم او عندما توفي الجنرال ديغول عام 1970. ومع ان التجنيد ليس الزاميا في فرنسا، الا ان الشباب اول ما قام به بعد الاحداث هومحاولة الانخراط في صفوف الجيش الفرنسي، حيث تشير الاحصائيات ان موقع صنف المشاة في الجيش الفرنسي يصله 1500طلب تطوع في اليوم مقابل 300الى 400 طلب في الشهورالسابقة، اما النشيد الوطني " المارسييز"، فيتم ترديده وغنائه في جميع المحافل والمناسبات والشوارع وحتى في الاجتماعات العادية في المؤسسات الفرنسية بصورة عفوية جدا..
اما جريدة لوموند فقد خصصت عمودا يوميا كاملا تتحدث فيه عن بورتريت او سيرة ضحية من ضحايا الهجمات، آخرسيرة نشرتها لوموند كانت لضحية اسمها "ماريون بتارد ليفرج"، فتاة في السابعة والعشرين من العمر، معلمة موسيقى، تعشق الموسيقى وجميع الفنون، عاطفية وتحب التشارك، كانت تود دراسة الماجستير في السوربون، آخر رسالة لها كانت في الساعة الثامنة الى امها تقول لها " احبكما جدا" وتقصد والديها ، وبعدها انقطعت اخبارها ليتم اكتشافها قتيلة في المطعم الصغير الذي تعرض الى هجوم..فضلا عن المواقف البطولية التي قام بها بعض الناس لمساعدة الجرحى واخفائهم من الهجمات والكثير من الامورالتي لا تدل إلا على تضامن وتماسك ما بين ابناء الشعب ..
الشعور الوطني هو الشعور الذي غمر الفرنسيين وجمعهم حبا منهم لوطنهم وتضامنا ودفاعا عن قيمهم التي كانوا وما زالوا يفخرون بها، وهو شعور ليس بقومي او رفض الآخر كما يدعو اليه اليمين المتطرف، فحب الوطن هوأمر مناقض جدا لرفض الآخرين وعدم منحهم الحق في العيش ضمن المبادئ نفسها والقيم المشتركة للشعب الواحد...
يقول الرئيس الفرنسي في مراسيم تكريم ضحايا الهجمات في باريس في انفاليد في 27 من الشهرالماضي "نحن لا نستسلم للخوف، أوللكراهية" بل "سوف نضاعف الأغاني والحفلات الموسيقية والعروض وسنستمر في الذهاب إلى الملاعب." وهي طريقة "لتكريم فرنسا وطريقة عيشها وحريتها وخصوصيتها " .
773 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع