إبراهيم الزبيدي
مفهوم أن السياسيين يكذبون، وأن الكذب في السياسة والديبلوماسية مطلوب، وواجب، أحيانا. وأشطرُهم من يتقن تغليف كذبه بقماش سميكٍ من الصدق، لكي يخدع به خصومه أو ضحياه المستهدفين. ولكن حين يكون كذب السياسيين غيرَ مُتقن، وغير مطبوخ جيدا، يصبح رصاصا غادرا يرتد على مُطلقه، أحيانا كثيرة، فصيبُ منه مقتلا، من حيث لا يحتسب.
ومن الكذب المطبوخ بسذاجة وقلة دراية قولُ رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي، في حديث نقلت تفاصيله وكالة "تسنيم" الإيرانية شبه الرسمية، إن "الجميع في هذا العالم يدرك أن وجودنا نحن في سوريا على مستوى (المستشارين)، وأيضاً حزب الله على مستوى (المستشارين). وهذا الأمر يتم بالتنسيق مع الحكومة السورية وبطلبٍ منها".
"وثاني كذبة قوله:"إن إيران أو روسيا والمقاومة في (حزب الله) ذهبت إلى سوريا، بطلب رسمي من الحكومة السورية، كي تدافع عن وحدة هذا البلد واستقراره وأمنه وهدوئه".
والمثير للشفقة هنا هو أن الرد على بروجردي جاء بسرعة، وبنفس اليوم، لا على لسان أحد من أعداء نظام الولي الفقيه الكثيرين، بل على لسان المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بعظمة لسانه، حيث قال، دون لف ولا دوران، خلال استقباله عوائل عناصر من الجيش الإيراني، "إذا لم تتم مواجهة الحاقدين ومثيري الفتن الذين يُعتبرون أدوات لأميركا والصهيونية في سوريا لكان علينا التصدي لهم في طهران وفارس وخراسان وأصفهان".
وبهذا يصفع المرشد الأعلى علاء الدين بروجردي على قفاه مرتين. الأولى بقوله إن الإيرانيين ومسلحي حزب الله موجودون في سوريا لمنع انتقال الحرب إلى طهران وفارس وخراسان وأصفهان، وليس للدفاع عن وحدة سوريا واستقرارها وأمنها.
والثانية بقوله إن (المستشارين) الإيرانيين و(مستشاري) حزب الله ليسوا مستشارين، بل هم مقاتلون مدججون بأفضل أنواع الأسلحة، وأكثرها قوة وفاعلية في القتل والحرق والدمار. وهم، في حقيقتهم، أصحاب الحل والربط في سوريا، وليس لبشار الأسد، ولا لأكبر راس في نظامه، أية سلطة أو وصاية على أصغر (مستشار) من أعضاء الحرس الثوري الإيراني أو حزب الله أو أية مليشيا أخرى منحها قاسم سليماني حصانته من كل سوء.
فـ (المستشارون) الإيرانيون واللبنانيون والعراقيون والباكستانيون والأفغان واليمنيون، (الشيعة)، يقدمون (استشاراتهم) رصاصا ومفخخات وصواريخ، يهدمون بها المنازل على رؤوس سكانها، في مدن سورية بعيدة آلافَ الكيلومترات عن عقر دار داعش والنصرة، أو باقي عصابات الذبح الإسلامي الحلال، حتى لو لم يكونوا مسلحين، ولا حتى مؤيدين للجيش الحر ولا لباقي فصائل المعارضة.
وهؤلاء (المستشارون) الإيرانيون واللبنانيون والعراقيون والأفغان والباكستانيون واليمنيون، (الشيعة) يباهون، في إعلامهم، وفي تصريحاتهم للصحافة العالمية، بأنهم قتلوا من أحفاد يزيد مئات الآلاف، و(وُفقوا) في حرق أحياء وقرى عديدة، ومدارس ومستشفيات، وحتى مقابر، وجعلوها أنقاضا في حلب وحمص ودرعا والمثلث الرابط بين ريف دمشق وريف درعا وريف القنيطرة، وغيرها.
ومع غياب إحصاء دقيق لعدد هؤلاء (المستشارين)، إلا أن التقديرات تقول إن عدد (المستشارين) العراقيين حوالي 20 ألفا، وعدد (مستشاري) حزب الله اللبناني حوالي 10 آلاف، مع 7 آلاف (مستشار) من الأفغان والإيرانيين.
وقد عثر الأهالي ومقاتلون من الجيش الحر على قتلى ينتمون لجنسيات شرق آسيوية أيضا، في ريف حلب وريف دمشق، إضافة لليمنيين الحوثيين وبعض الأفارقة الذين أعلنت مواقع المليشيات الشيعية ذاتها عن (استشهادهم)، وبالقلم العريض.
ويتولى هؤلاء (المستشارون) حماية مطار دمشق الدولي، والطريق المؤدي إليه، والبلدات التي تقع على جانبيه، وهي البويضة والذيابية والنشابية ودير سلمان التي سيطروا عليها وهجروا أهلها في أواخر 2012 وبداية 2013، بينما حولوا مناطق السبينة وحجيرة والديابية إلى مستوطنات لـهم ولأسرهم وأسلحتهم، وقواعد لتدريبهم.
وفي المنطقة الشمالية من سوريا أصبحت بلدتا نبل والزهراء في ريف حلب مناطق رئيسية للـ (المستشارين)، ينتمي سكانها إلى "حزب الله" وكتيبة "قمر بني هاشم".
وفي بلدتي "كفريا والفوعة" شمال إدلب أقيمت قاعدتان محصنتان للـ (مستشارين) حظيت باهتمام إيراني كبير.
وفي وسط سوريا، يتمركز (المستشارون) في قرى ريف حمص التي يصل عددها إلى 50 قرية أهمها "أم العمد، وأم جبات، وأم جنيينات"، وتشكل هذه القرى دعما قويا للـ (المستشارين) في القتال، وظهر دورها الأبرز في معركة القصير عام 2013.
أما جنوبًا فيتواجد (المستشارون) في بُصرى الشام، ويتخذون من مناطق في درعا قواعد لهم، قبل أن تسيطر قوات المعارضة، قبل أشهر، على مساحات واسعة من ريف المحافظة، وتطردهم منها، وتقتل منهم العشرات.
وكان لـ (مستشاري) حزب الله دور واضح في معارك درعا، إضافة إلى (لواء الفاطميين) الذي يضم في صفوفه (مستشارين) أفغانا وباكستانيين. وقد أسرت المعارضة واحدا منهم، وبثت تسجيلاً مصورًا لاعترافاته. كما قتل زعيمهم الأفغاني "علي رضا توسلي" في معارك درعا.
المهم الذي ينبغي أن يقال هنا هو أن كل هذه الجيوش المُجيشة من (المستشارين) الإيرانيين واللبنانيين والعراقيين والأفغان والباكستانيين، وبعد خمس سنوات من الجهاد (الاستشاري) في سوريا، وبعد آلاف القتلى منهم، والمفقودين، والمصابين، لم تستطع أن تمنح الكبار من أعوان الولي الفقيه فرحةَ النصر الناجز الذي يريده وينتظره المرشد الأعلى علي خامنئي على عملاء أمريكا والصهيونية في سوريا، خصوصا في ظل الخيانة الروسية الأخيرة لإيران التي كانت هي التي دعتها لإرسال (المستشارين) الروس لنجدة الـ (مستشاريها) الإيرانيين واللبنانيين والعراقيين والباكستانيين والأفغان، وليس لطردها من الوليمة، كما فعلت آخر المطاف.
وخيبة الأمل الإيرانية من الغدر الروسي الأخير لا يمكن إنكارها أو التستر عليها. فقد أعلنها تحليلٌ نشره موقع (tabnak.ir) التابع لأمين عام مجلس مصلحة تشخيص النظام الإيراني محسن رضائي، حيث قال "إن التعاون التركي الروسي ينقل طهران إلى (موقع المتفرج) في سوريا، بعد الاجتماع الثلاثي لوزراء الخارجية (تركيا ــــ إيران ــــ روسيا) في موسكو". وقال " إنه في حال استمرار الوضع في سوريا على ما هو عليه اليوم، فإن إيران قد لا تستطيع حماية مصالحها في هذا البلد، بعد كفاح 5 سنوات".
نعم. إن الكذب االمكشوف قد يصبح رصاصا يرتدُّ على مُطلقه. ألم يرتدَّ على رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي؟!.
2127 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع