قادمون يا ترمب

                                                        

                              إبراهيم الزبيدي

وأخيرا جاء الرد المنتظر الذي هدد به الوليُ الفقيه دونالد ترمب على عنصريته وعدائه للإسلام والمسلمين. فقد غصت شوارع العاصمة والمدن الإيرانية، كافة، بمسيرات الـ (جماهير الثورية الإيرانية العريضة)، حاملة شعارات "الموت لترامب"،"الموت لاميركا".

والحقيقة أن من حق الإمام علي خامنئي، ومعه جماهيره الإيرانية العريضة، أن يغضب على ترمب حين يراه منهمكا بتسخين حرارة الحديدة الأمريكية على إيران، بعد رحيل الرئيس الذي جعلها بردا وسلاما عليها وعليه.
ولكن من غير المفهوم ومن المستغرب أن تلذع حرارةُ الحديدة الأمريكية قفا أحدٍ من قادة الحشد الشعبي العراقي الذي صار، شرعا و قانونا، جزءً من حكومة عراقية حليفة لأمريكا لا يكف رئيسُها عن تأكيد اعتزازه بالتفاهم والتعاون مع الرئيس الجديد.
فقد هدد أحد قادة الحشد (المجاهدين)، الأمين العام لقوات أبو الفضل العباس، أوس الخفاجي، بضرب بوارج الولايات المتحدة الأمريكية قبالة سواحل اليمن، وراح يصرخ من على شاشة قناة (المسيرة) التابعة للحوثيين، رداً على قرار ترمب القاضي بمنع دخول الإيرانيين ومواطني ست دول إسلامية أخرى من دخول أمريكا، "قادمون يا ترمب"، إن "انتصاراتنا في حلب قادمة، وهي علامة على نصر الأمة العربية والإسلامية. إن بوارجكم في سواحل اليمن مهددة أيضاً، فإمنعوا ماشئتم".
والظاهر أن الجماهير العريضة في بلادنا العربية والإسلامية ذات الرمال الحارقة تكاد تكون هي الأبرع من غيرها من شعوب العالم الأخرى في جهاد الهتافات والشعارات وأناشيد المقاومة والصمود. لا يُشبهنا فيه أحد. نتظاهر بالخناجر والسيوف، ونزحف وننتقم، ونهدم بيوت أعدائنا على رؤوسهم، ولكن بصواريخ الكلام الفاضي. ثم، حين يجد الجد، وتقع القارعة نبلع أصواتنا، ونتخفى بثياب النساء.
في اليابان، مثلا، لا يسير المتظاهرون الغاضبون على حكومتهم إلا بعد أوقات الدوام الرسمي، فيملأون الشوارع صامتين، في صفوف منتظمة هادئة، مكتفين بشعارات قليلة مخطوطة بأناقة تترجم همومهم ومطالبهم، دون كلام.
وفي اليونان يسيرون في تظاهراتهم روفي أيديهم أقداح الأوزو، راقصين على موسيقى زوربا، وهم غاضبون.
أما في دول أوربا (الباردة) فقليلا ما تخرج تظاهرات. وإذا ما خرجت فلا ترفع سوى لافتات بيضاًء مكتوبة بحبر الورد، وقليلا ما تسير فيها جماهير عريضة تشبه جماهيرنا العريضة في علو الصوت، وبذاءة الكلام، ومنع المرور، وتعطيل حياة العباد.
والظاهر أن الله غضب علينا، نحن العرب والمسلمين فقط، فعلَّمَنا الحب الأعمى، والكره الأعمى، ولا شيء بينهما. فحين نغضب نعمى ونطرش، ولا نرى غير أنفسنا، ولا نسمع غير أصواتنا، ولا نتخيل أية فضيلة فيمن نكره، وأية منقصة فيمن نحب.
لا نعرف الوسطية ولا نحترمها ولا نَقدر عليها. فمن عام الفيل وإلى اليوم لا نتقن غير الهتاف، (يعيش يعيش)، ولا يعيش من ندعو له بالحياة، و(يسقط يسقط)، ولا يسقط من ندعو عليه بالسقوط. يجيء حاكم ويرحل حاكم، ولكن لا يبقيه أهلـُه في حكم، ولا ُيسقطه أهلـُه من سلطة، والفضل كله للأمريكان والفرنسيين والإنكليز وللطليان.
ما أبأس هذا الزمن، وما أضل جماهيره العريضة التي لا تجيد غير اللطم والصراخ والعويل!!.
تذكروا هذا المثل. من أيام الخميني 1979 وحتى أيامنا الغبراء هذه وقادة الحرس الثوري، ووكلاؤهم العراقيون واللبنانيون والسوريون واليمنيون، يهتفون في كل صباح وكل مساء، "الموت لأمريكا" "الموت لإسرائيل" وما زلنا ننتظر.
ومثلهم كثيرون من حكام العالم الثالث اوعدوا جماهيرهم "العريضة" بأن يهزموا لها أميركا، بدءً بغيفارا وكاسترو وماوتسي تونغ وهوشي منه وستالين وخروشوف وكيم إيل سونغ وولده كيم جونع إل وحفيده كيم جونغ إون، وصولا إلى بن لادن والظواهري وشافيز وخالد مشعل وحسن نصر الله ومعمر القذافي وصدام حسين، وأخيرا قاسم سليماني، ولكنهم ذهبوا جميعا، كلٌ في طريق وبوسيلة. فالمحظوظون منهم تمكنوا من الهرب إلى دولة مجيرة للرؤساء الهاربين من شعوبهم، وهم يحملون ما خف حملـُه وغلا ثمنُه. أما غير المحظوظين فلم يمن الله عليهم بسجن، بل سقطوا تحت أقدام الجماهير العريضة نفسِها التي كانت تتغنى بأمجادهم، وضُربت تماثيلهم بالأحذية، والعياذ بالله.

وقد أرانا التاريخ، بَعيدُه وقريبُه، حكاما أصابهم نفسُ غرور القوة القاتل الذي ينفش اليوم ريش الولي الفقيه وأعوانه الكبار والصغار، فأعمى أبصارهم وبصائرهم، وجعلهم يناطحون صخورا لا قِبَل لهم بمناطحتها، ولا قدرة لشعوبهم المستضعفة على تحمل أثمان حماقاتهم ونتائجها الماحقة. لم تكن حكمة ولا حنكة أن يطلب الولي الفقيه من جماهيره العريضة، ومن جيوش وكلائه العراقيين واللبنانيين واليمنيين أن تحتفل بعيد الثورة تحت شعار " قادمون يا ترمب"،  بقدر ما كان ينبغي عليه أن  يدعوها إلى أن تتعقل، وأن تترك جهاد الهتافات الخائبة، وأن يأمر قـُوادَه أجمعين بأن يتفرغوا فقط لحماية مؤخرات جيوشهم ومليشياتهم من العواصف الآتية، وأن يتقوا يوما آتيا لا ريب فيه لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى اللهَ وشعبَه والعالم بقلب سليم، وبعقلٍ غير مسكونٍ بالعفاريت والشياطين.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

938 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع