كيف استطاعتْ هذه الجامعة الكبيرة أن توجد في عامين؟ تبدو من الخارج تحفةً معمارية، في صورة مدينة صغيرة، تتمدد على مساحة قدرها ثمانية ملايين متر مربع، لكنها من الداخل أكثر إدهاشاً وجمالاً، حين تدخلها تتمنى لو كانت مدننا كلها تمتلك هذه المواصفات، مترو، طرق مسفلتة، نظم حديثة، تقنية متقدمة، طاقم عمل كخلية نحل يدبُّ ليلاً ونهاراً، كفاءات وطنية، لا تكِلُّ ولا تمل،
معاميلها الرغبات الكبرى، لجعلها في أفضل حال. تمددت جامعة الأميرة نورة من كليتيْن لعلوم الآداب والتربية، لتصبح كليات صيدلة وتمريض وطب وعلوم حديثة. الجامعة وُصِفت بأنها الذكية، لأنها تتوسل كل التقنيات الحديثة المبهرة والمدهشة من معامل حديثة وقاعات، فُصلت وفق أحدث التقنيات وبمواصفات عالمية، ومكتبة مركزية بستة طوابق بنظام تخزين إلكتروني للكتب، والمسابح والملاعب وقاعات مؤتمرات ومطاعم، وانتهاء بلعبة في النادي الرياضي لاختبار القوة في صورة تسلق جبل، وكأن الجامعة تريد أن تقول إنها وضعت كل أشكال قوتها من معرفة وصلابة وتحدٍّ في بطن هذه المدينة الجامعية. فهل مجرد 40 بليون ريال هي ما أنجز كل هذا، أم أنها الرغبة الحثيثة والصادقة التي تبناها ملك الإصلاح الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ورعتها الكفاءات الوطنية التي تترأسها اليوم دكتورة مثل هدى العميل مع مجموعة من الاستشاريات اللامعات؟ لكن هذه ليست كل الحكاية، فجامعة الأميرة نورة هي أول جامعة سباقة لاحتضان طاقة استيعابية قدرها 60 ألف فرصة تعليم جامعي، وتوفر سكناً جامعياً لـ14 ألف طالبة من كل المناطق وكل القبائل ومن الهجر ومن المدن، يدرسن اللغة الإنكليزية وعلم النفس الإكلينيكي والصيدلة والطب. فمن يمكّنه أن يعادي هذه المصلحة التي توفرها جامعة بهذه الضخامة، إلا إن كان يعادي نفسه وابنته ومستقبل حفيدته؟ قبل نصف قرن كان تأمين خروج الفتاة للمدرسة يمثِّل معركة كادت تعصف باستقرار البلاد، وقد سارت من أجل إقفال هذه المدارس وفودٌ تحث الحاكم على أن يتقي الله ويفكر في العقوبة ويدفع هذا الشر عن البلاد، ها هم اليوم أحفاد المعارضين يغضبون لو لم تجد ابنتهم مقعداً في الجامعة. اليوم يريد البعض أن يختصر هذه الجامعة وهذه الجهود في معركة جانبية، اسمها بناتنا يختلطْنَ مع أستاذ من الرجال، وعندما ذهبتُ لزيارة الجامعة وتقصِّي الأمر ما وجدتُّ غير قيادات من النساء لا يشغلهنَّ إلا العمل على تطوير الجودة ومخرجات التعليم وتوفير كفاءات منافسة لسوق العمل، حتى بات الحديث عن هذا الأمر من سقط الكلام. وافق قدر هذه الجامعة أن يكون لها من اسمها نصيب، فقد سُمِّيت باسم الأميرة نورة أخت الملك عبدالعزيز، موحد هذه البلاد، وقد كانت سندَه وعزوتَه يصيح باسمها على عادة المحاربين الشجعان قائلاً: «أنا أخو نورة»، وحين رفض الملك عبدالله أن تسمَّى باسمه، واختار لها اسم الأميرة نورة كان يريد أن يعيد هذا التاريخ للمرأة السعودية الأخت والسند، في مشهد حضاري لبنات نورة الجدد، لنصبح كلنا «أخت نورة».
م/ الحياة
1267 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع