عراقيون مرّوا بموسكو(٢٨ )/ فريد الله ويردي

                                             

                        ا.د. ضياء نافع

عراقيون مرّوا بموسكو(٢٨ )/ فريد الله ويردي

فريد الله ويردي بالنسبة لي هو تجسيد رائع و رمز خالد لتواضع العظماء , الذين مرّوا في حياتي . وكنت اخطط طوال السنوات العشرين الماضية ان اكتب عنه , خصوصا عندما عرفت بوفاته , وذلك لانني اودّه جدا واحترمه كثيرا ومعجب ببساطته وعمق ثقافته وتواضعه الرائع , ولكني لم اكتب , اذ وجدت ان الدكتور سيّار الجميل قد كتب عنه – بعد وفاته - اعمق واوسع مما اردت ان اكتب انا , وهكذا تركت الموضوع , وكنت آنذاك لازلت في بغداد , ولكن عندما انتقلت للسكن في موسكو , وبدأت بنشر سلسلة مقالاتي ( عراقيون مرّوا بموسكو ) , عادت فكرة الكتابة عنه من جديد, باعتباره علما من اعلام العراقيين بموسكو, الذين كانوا معنا في بداية ستينات القرن الماضي , ولكني وجدت , ان الزميل عبد الله حبه كتب عنه بالذات مقالة جميلة ووافية حول ذلك الجانب المشرق من حياة ويردي آنذاك ونشرها ضمن مقالاته الاخرى عن اعلام العرب بموسكو في موقع ( روسيا اليوم ) والتي تم حذفها مع الاسف بعدئذ , وقد سألتني ارملته السيدة لودميلا( و كنا نسميها جميعا ميلا ) ويردي عن كاتبها في احدى رسائلها لي, واخبرتها طبعا باسم الزميل عبد الله حبه , ثم علمت من عبد الله بعدئذ , انها طلبت منه ان يترجم مقالتها ( التي كتبتها طبعا بالروسية ) عن زوجها الراحل , وفعلا قام عبد الله حبه بترجمة رائعة لتلك المقالة المليئة بالحنان والامتنان والمعلومات البيبلوغرافية المهمة جدا حول مسيرة المرحوم فريد الله ويردي في عالم الموسيقى الساحر الجمال منذ خطواته الرائدة الاولى في المملكة العراقية ثم في الجمهورية العراقية ودراسته لاحقا في شتى بقاع العالم وعمله الفني الكبير, اذ ان السيدة لودميلا ويردي رافقته منذ ان كان يدرس بموسكو في الستينات وبعد رجوعه الى بغداد , ثم سفره مرة اخرى الى الغرب , وعودته الى الاردن للسكن والعمل هناك , ثم هجرته الاخيرة الى ايرلندا حيث توفي عام2007.

لم أشأ ان اكتب عن المرحوم فريد الله ويردي بعد مقالات سيّار الجميل وعبد الله حبه و ارملته السيدة ميلا ويردي ومقالات عديدة اخرى , اذ ان تلك المقالات قد رسمت فعلا صورة متكاملة ومشرقة وحقيقية عنه كانسان وكموسيقي رائد ومتميز في دنيا الموسيقى العراقية , ولكني اطلعت قبل ايام على مقالة جميلة وموضوعية وموسوعية بعنوان – ( الثقافة الامريكية وتعزيز قيم الحداثة في العراق ), يتناول فيها كاتبها الاستاذ علي عبد الامير عدة شخصيات ثقافية عراقية كبيرة و متميزة فعلا في تاريخ العراق المعاصر ممن درسوا في امريكا , ويتحدث في سطور وجيزة عن ابرز اعمالهم الثقافية ( مثل علي الوردي واحمد سوسه وطه باقر وكامران حسني ونازك الملائكة وبياتريس اوهانيسيان وجعفر علي وبدري حسون فريد...الخ هذه الاسماء اللامعة الاخرى ) , ووجدت هناك اسم فريد الله ويردي ايضا , , وهي اشارة صحيحة طبعا , لان فريد درس في امريكا فعلا بعد موسكو, ولكني فوجئت , لاني وجدت في تلك السطور عن فريد الله ويردي فقط ( دون الاسماء الاخرى ) تأكيدا على الجانب السياسي لنشاطه اكثر من الحديث عن الجانب الابداعي لدى هذا الموسيقيّ الكبير , اذ يقول الاستاذ علي عبد الامير هناك , ان ( النظام البعثي – القومي قد حكم عليه غيابيا بالاعدام ...) , وذلك عندما كان فريد يدرس بموسكو في الستينات , ثم يشير كاتب المقالة بعدئذ , الى ان فريد ( ..وجد ملاذا في الدولة التي كان يقف بالضد من نظامها السياسي وفكرتها , فيما هرب من الدولة التي توقعها جنة على الارض...) . اقول اني قد فوجئت من كل ذلك , اذ ان المرحوم فريد الله ويردي لم يكن سياسيا ابدا , بل كان يجسّد في كل سلوكه وتصرفاته وعلاقاته ومسيرة حياته صورة الفنان الرقيق والخلوق والمبدع والمؤدب والخجول و المسالم والدائم التفكيربالموسيقى ليس الا , ولم نسمع – نحن العراقيين المحيطين به في موسكو آنذاك – الحكم عليه بالاعدام غيابيا ( ولا اظن ان هذا الامر الكبير و الخطير يمكن التعتيم عليه او عدم اعلانه , رغم اننا نقرأ الان ذلك في بعض المواقع الالكترونية دون الاشارة الى المصدر ) , ولم نسمع منه ابدا , انه كان يرى في الاتحاد السوفيتي ( جنة على الارض ) , بل ولم نسمع منه ابدا اي حديث سياسي محدد , اذ كان فريد يعيش ويتفاعل ويتناغم مع الموسيقى حتى في حياته اليومية الاعتيادية . ولهذا اكتب انا هذه السطور عن المرحوم فريد الله ويردي .
الرحمة والسكينة والطمأنينة لروح الفنان الكبير فريد الله ويردي , والذكر الخالد لاسمه ولمكانته الفريدة في عالم الموسيقى في العراق.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1237 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع