تتجه أنظار العالم كله اليوم الى الثورة السورية، وصراعها البطولى لأسقاط النظام الاستبدادي البوليسى، الذى يشن حرب أبادة حقيقية ضد الشعب السورى ويرتكب يوميا جرائم تقشعر لها الأبدان بحق الثوار والمدنيين المسالمين، والعالم لا يتحدث الا عن المجلس الوطنى السورى والجيش السورى الحر. ولكن الثورة السورية متواصلة بكل قوة وعنف منذ أكثر من ثمانية عشرشهراً ولم يتشكل المجلس الوطنى السورى الا فى اكتوبر 2011 أما أنشقاق العسكريين عن جيش النظام وتشكيل الجيش الحر، فقد بدأ فى أوائل هذه العام..
ومنذ أندلاع الثورة وحتى يومنا هذا، أخفقت المعارضة السورية الخارجية المتمثلة بالمجلس الوطنى السورى فى التغلب على خلافاتها الستراتيجية وتناقضاتها السياسية.
اذن من هم الذين أشعلوا نيران الثورة ومن هم وقودها؟ انهم الشباب السورى الذين يخوضون حرباً غير متكافئة مع جيش النظام الدكتاتورى الدموى ويسقط منهم عشرات الشهداء يوميا من دون أن يفت ذلك عزيمتهم ودون ان يؤثر فى أصرارهم على تحقيق النصر النهائى، توجد أيضاً خلافات داخل الجيش السورى الحر، بين عناصر هذا الجيش داخل سوريا وبين قيادته فى تركيا، المتهمة بترك ساحة النضال الميدانى. وفى كل الأحوال، فأن تركيز الأهتمام على هذين اللاعبين (المجلس الوطنى السورى والجيش السورى الحر) يصرف الأنظار عن دور محرك الثورة الأساسى ووقودها الحقيقى، وهو الشباب السورى، الذين ينظمون ويقودون الأحتجاجات الجماهيرية والمعارضة السياسية الداخلية فى ظروف بالغة التعقيد ويخاطرعشرات الآلاف منهم بحياتهم يومياً فى مواجهات دامية مع قوات النظام وشبيحته. ومن دون هؤلاء لم يكن ثمة مبرر أصلاً لوجود المجلس الوطنى السورى (الذى يقول أنه يمثلهم) ولا الجيش السورى الحر (الذى يؤكد، أنه يحمى المحتجين و السكان المدنيين ). وبتعبير آخر، فأن هؤلاء الشبان هم عماد الثورة ومستقبل سوريا. ولكن من هم هؤلاء وما هى تنظيماتهم وأتجاهاتهم السياسية؟
يوجد اليوم فى داخل سوريا الكثير من التنظيمات السياسية واللجان التنسيقية المحلية - على مستوى الحى السكنى اوالمدينة اوالمحافظة الواحدة أوأكثر -، التى يشكل الشباب عمودها الفقرى وتتمحور حول ستة تجمعات.
1- الهيئة العامة للثورة السورية:
شبكة تنظيمية تتكون من اللجان التنسيقية، تأسست قبل حوالى عام واحد نتيجة لأندماج أتحاد اللجان التنسيقية للثورة السورية مع اللجان المستقلة بهدف تنظيم الأنشطة المحلية ووضع استراتيجية المعارضة وتوحيد المطالب الشعبية.
والهيكل التنظيمى للهيئة هرمى. ففى أعلى الهيئة مجلس ثورى يتكون من 41 عضوا تم أختيارهم بالأنتخاب يتوزعون على سبعة مكاتب
- المكتب السياسى (مهمته الرئيسية أتخاذ القرارات السياسية المهمة).
- المكتب الأعلامى ( ينقل للأعلام العالمى آخر تطورات الوضع فى البلاد).
- مكتب الأحصاء والأرشيف ( لنشر تقارير يومية).
- المكتب القانونى (يوثق أنتهاكات حقوق الأنسان).
- المكتب اللوجستى (لتنظيم المساعدات الأنسانية والطبية).
_ مكتب التسجيل والتوثيق
_ مكتب الترجمة.
اما على المستوى المحلى، فثمة 14 مجلسا للأدارة والتوجيه، يضم كل مجلس، مكاتب شبيهة للمكاتب التابعة للمجس الثورى، ما عدا المكتب السياسى، حيث يضطلع مكتب محلى بمهام التخطيط والتنسيق للأحتجاجات والتظاهرات.
الهيئة العامة للثورة السورية (التى تضم بين صفوفها الأخوان المسلمين) لا تخفى عدائها للمجلس الوطنى السورى متهمة أياها بعدم الفاعلية والأنعزال عما يحدث على الأرض فى سوريا، حيث أخفق المجلس فى تقديم المساعدات الأنسانية أوالطبية للجرحى ولسكان المناطق المنكوبة.
ونظرا للأنقطاع المستمر للتيار الكهربائى، أضطر نشطاء المناطق المنكوبة الى ربط أجهزة الكومبيوتر بمولد التيار الكهربائى لسياراتهم وأخبار العالم عما يحدث داخل البلاد. والبعض منهم يقول انه يشعر بخيبة أمل فى المجلس الوطنى السورى ويعتقد أنه سيسقط مع سقوط نظام الأسد لأنه يفتقر الى الفاعلية ووجود تناقضات حادة بين مكوناته.ويرى البعض الآخر ان المجلس فقد شرعيته.
ان الشعب السورى الذى يعيش فى خطر داهم ودائم، بأمس الحاجة الى خطوات عملية محددة على الأرض وليس الى شعارات سياسية.
وعلى اية حال وبعد التغييرات الأخيرة فى قيادة المجلس الوطنى السورى، تجرى الآن مفاوضات حول أدخال ممثلين عن الهيئة العامة للثورة السورية الى المجلس.
ان الهيئة المذكورة تنسق أنشطتها مع الجيش السورى الحر. وتؤيد تدخلا ً أجنبياً محدوداً مثل أنشاء منطقة حظر طيران وتجهيز الجيش الحر بما تحتاجه من أسلحة. على غرار ما حدث فى ليبيافى ليبيا.
2- لجان التنسيق المحلية:
لجان يغلب عليها الطابع العلمانى وقد أنبثقت فى عام 2011 وتهدف الى تحقيق الأهداف ذاتها التى تناضل الهيئة العامة للثورة السورية من أجلها، ولكنها أقل أنتشاراً و تأثيراً وتضم بين صفوفها 60 تنظيما محليا. وتوجد أقوى هذه التنظيمات نفوذاً فى ضواحى العاصمة دمشق، (التى انطلق منها التنظيم على يد مؤسستها رازان الزيتونى) وتنظيمات حوران وأدلب.
يضم المجلس الوطنى السورى عشرة ممثلين من لجان التنسيق المحلية ويقول احد الناطقين بأسم اللجان “ ان العديد من أعضاء المجلس الوطنى السورى لا يمكنهم القيام بأى نشاط داخل سوريا لأنهم معرضون للملاحقة والأعتقال فور دخولهم الى البلاد.ويضيف انه يوافق على تمثيل المجلس لنشطاء لجان التنسيق المحلية ويطالب المجتمع الدولى بالأعتراف بالمجلس وتوسيع تأييده له.
وعلى غرار الهيئة العامة للثورة السورية، تنسق اللجان المحلية نشاطها مع الجيش السورى الحر وتؤيد تدخلا أجنبيا محدودا لدعم الثورة.، لأن نظام الأسد لا يفهم الا لغة القوة وليس لديه ما يقدمه على المستوى السياسى. وتطالب اللجان بدعم المجتمع الدولى للشعب السورى وتقديم الدعم العسكرى للثورة وأنشاء مناطق حظر للطيران وتوجيه ضربات جوية الى نقاط محددة.
3 - هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي:
ائتلاف سياسى يرأسه حسن عبدالعظيم داخل سوريا وهيثم المناع خارجها ويضم فى صفوفه حزب الأتحاد الديمقراطى الكردى المؤيد لحزب العمال الكردستانى. وخلافا للمجموعتين الأولى والثانية، لا يقوم هذا الائتلاف بأى نشاط تنسيقى أوأحتجاجى داخل سوريا ولكن له تأييد ملحوظ فى دمشق وحلب ومنطقة حوران وبعض المناطق الأخرى.
على المستوى السياسى يعتبر هذا الائتلاف نقيضا للتنظيمات المشار اليها فيما تقدم وهوعلى استعداد للتفاوض مع النظام من اجل ايجاد حل سلمى للخروج من الأزمة، كما أنه –أى الائتلاف – بعادى الجيش السورى الحر وأية أعمال عنف ضد النظام، والائتلاف يبرر موقفه هذا بأن المعارضة المسلحة دخلت الصراع ضد النظام بشروط الأخير وأن النظام سينتصر فى النهاية لهذا السبب.
4– جماعة الأخوان المسلمين:
قادة ونشطاء هذا التنظيم يعيشون فى المنفى منذ 30 عاما بسبب اضطهاد النظام لهم وقمعهم بكل قسوة، خاصة بعد صدور القانون رقم 49 الذى يقضى بأعدام كل من ينتمى الى هذه الجماعة. ومنذ أوائل عام 2012 تحاول قيادة الجماعة، التى تتخذ من أسطنبول مقرأ لها حشد أعضاء التنظيم وأنصارهم داخل البلاد ولديها اليوم عدة مئات من المقاتلين الذين ينشطون تحت امرة الجيش السورى الحر ويقدمون المساعدات الأنسانية لضحايا العنف وينقلون أخبار الثورة الى العالم الخارجى وهم يتلقون الدعم المادى من قيادة الجماعة التى تغطى نفقات التسليح والذخيرة الحربية والمواد الغذائية. بعض المعارضين يتهمون ممثلى الأخوان فى المجلس الوطنى السورى بأنهم يستحوذون على الدعم المالى الذى يتلقاه المجلس من الدول المساندة للثورة ولكن يبدوان لدى قيادة الجماعة مصادرها المالية الخاصة وفى مقدمتها الدعم المادى الذى تقدمه المملكة العربية السعودية وقطر.
ومن الصعب تقدير مدى قوة الكتائب الأخوانية، التى تنشط فى الغالب فى شمال سوريا (حلب، أدلب، حماه). والأخوان كما الهيئة العامة للثورة السورية ولجان التنسيق المحلية تؤيد تدخلا عسكريا أجنبيا محدوداً فى سوريا.
يثير الأخوان المسلمون مخاوف المجتمع الدولى والقوى العلمانية السورية المعارضة. ولكن الحقيقة هى أن تنظيم الأخوان، حركة سياسية معتدلة وقد دافعت خلال الثلاثين سنة الماضية عن المبادىء الديمقراطية واستطاعت التكيف مع الواقع السياسى – الأجتماعى فى البلاد. وهى تتعاون مع القوى السياسية الأخرى فى سوريا. وتدل تجربة الأخوان السياسية أنهم تحالفوا ا خلال فترة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضى مع القوى السياسية الأخرى وبخاصة العلمانية منها وهذا أمر يمكن أن يتكرر بعد سقوط النظام وأجراء أنتخابات حرة ونزيهة فى البلاد.
5 – الهيئة الكردية العليا:
وتضم المجلس الوطني الكردي (وهوائتلاف يضم معظم الأحزاب الكردية في سوريا إضافة الى تنسيقيات شبابية) ومجلس الشعب لغربي كردستان التابع لحزب الاتحاد الديمقراطي المقرب من حزب العمال الكردستاني.
أنبثقت هذه الهيئة من الاتفاق الذى أبرم في 11 تموز 2012في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق برعاية رئيس الإقليم مسعود بارزاني لوضع حد للخلافات الكردية في سوريا.
وهى تقود كافة أنشطة وأعمال المجلسين وقراراتها ملزمة للجميع”، وقد شكلت الهيئة الكردية العليا خطوة هامة تخدم الشعب الكردى فى سوريا.
وتؤكد الهيئة فى بياناتها على “ضرورة حماية السلم الأهلي في المناطق الكردية وذلك بالتعاون مع الإخوة شركائنا من العرب والسريان والكلدوآشوريين وغيرهم، والتأكيد على أن المطالبة بالحقوق القومية لشعبنا الكردي لا تشكل أي خطر على وحدة بلادنا وتهديداً لإخوتنا شركائنا في الوطن”.
وكذلك تؤكد على “سلمية الحراك الثوري في المناطق الكردية ودرءاً للمخاطر الناجمة عن نزعة التسلح العشوائي فإننا – والكلام للهيئة الكردية العليا – نرى من الضروري العمل على ضبط وتنظيم تلك القوى في إطار حضاري موحد منعاً للفوضى وبهدف توفير الحماية في المناطق وسلمها الأهلي”.
6- جبهة النصرة لأهل الشام:
تنظيم سلفى جهادى متطرف، تم تشكيله فى أواخر سنة 2011ولا يعرف أصل هذا لتنظيم على وجه الدقة.
وقد تبنى التنظيم العمليات الأرهابية التى حدثت فى اوائل عام 2012 فى كل من دمشق وحلب
وهذا التنظيم تحديداً، (الذي يرفض التعاون مع غير المسلمين ويرفع شعار تأسيس دولة اسلامية على اساس الشريعة). هوالذى يثير مخاوف الغرب والمعارضة العلمانية والأقليات الدينية اكثر من أى تنظيم آخر.
كما يرفض التنظيم التدخل الأجنبى بأعتباره ذريعة لفرض هيمنة القوى الأجنبية على سوريا.
ومن المفارقة انه يرفض حتى التدخل التركى رغم ان حزب العدالة والتنمية، وهوحزب اسلامى معتدل، هوالذى يحكم تركيا اليوم.
وعلى اية حال فأن نشطاء المعارضة السياسية الداخلية يخامرهم الشك فى وجود تنظيم تحت اسم “ جبهة النصرة “ حيث لم يشاهد أحد لحد الآن أعضاء الجبهة سواء فى داخل سوريا اوخارجها، حيث يظهرون فى الفضائيات وفى موقع يوتيوب وهم يضعون أقنعة على وجوههم ويغيرون اصوتهم ، فى حين أن مقاتلى الجيش الحر يظهرون علانية بوجوه مكشوفة، والأعتقاد السائد لدى المعارضة أن تنظيم “ جبهة النصرة “ من أختراع مخابرات النظام الذى يحاول أظهار نفسه بأنه القوة الوحيدة القادرة على ايجاد حل للأزمة عن طريق القمع.
وتأريخ النظام حافل بأستخدام المجموعات الأرهابية لتحقيق أهداف سياسية وفى كثير من الأحيان لجأ النظام الى صنع مثل هذه المجموعات. ولكن البعض يعتقد أن ذلك لعب بالنار.
سواءا كانت (جبهة النصرة) حركة سرية حقيقية او من صنع النظام، ولكنها تمارس تأثيراً ملموساً على الشباب السورى، الذين يجذبهم الضبط الحديدى والأستعداد القتالى والخبرة فى خوض حرب العصابات. وهو أمر فى غاية الخطورة فى ضؤ تفاقم الوضع وأستمرار الأضطهاد.
وفى ظروف مماثلة فى الماضى تمكنت “ الطليعة القتالية” وهى مجموعة مسلحة منشقة عن الأخوان المسلمين،من تعزيز مواقعها فى سوريا فى السبعينات من القرن الماضى الى ان وجه اليها النظام ضربة قاتلة فى حماه فى شباط 1982.
هذا المشهد الدموى خدمت النظام فى القضاء المبرم على كافة الحركات والقوى السياسية المعارضة فى البلاد.
واضافة الى ما تقدم يوجد فى البلاد كثير من التنظيمات المحلية المستقلة (يتعذر أحصاؤها على وجه الدقة) والتى تنضم على نحومتزايد الى الهيئة العامة للثورة السورية
أعضاء لجان التنسيق المحلية والأخوان المسلمون والنشطاء المعارضون عموما الذين يجابهون يوميا عنفا وحشيا من قبل النظام، يدركون جيداً، ان النظام يحاول تفرقة الشعب ليتسنى له السيطرة عليه، ولهذا فأنهم يضعون جانبا خلافاتهم من اجل العمل المشترك لتحقيق اهدافهم العامة: اسقاط النظام الفاشى وتأسيس دولة ديمقراطية. ومع ذلك فأنهم بحاجة الى تحويل هذا التعاون الصامت الى ائتلاف سياسى حقيقى يعزز مواقف المعارضة السورية فى الداخل.
486 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع