بقلم د. نزار عيسى مَلاخا
الأستاذ ياسين الحديدي ومكارم الأخلاق
أود أن اشرح قليلاً عن مكارم الأخلاق لأقول : كما تتنوّع الأخلاق لتشمل العديد من الشّمائل، مثل الصّدق، والأمانة، وحبّ الغير، والحرص على النّاس، وعلى أموالهم، وحياتهم، وممتلكاتهم، وأعراضهم، كما تشمل أيضاً الابتعاد عن الغيبة والكلام الفاحش، والإخلاص في العمل، والنّزاهة، ومكارم الأخلاق قطعاً لا يمكن عدّها ولا إحصاؤها،
فالأمانة خُلُقٌ كريمٌ ومن اتّصف بكمال الأمانة فقد وصل إلى مرحلة المكارم في هذا الخُلُق، وقال الرسول محمد (ص):"إنمّا بُعثت لأُتمّم مكارم الأخلاق".
قبل عدة أيام وعلى موقع الفيس بوك نشر الأستاذ ياسين الحديدي مقالاً عن عشائر كركوك وتحديداً عشيرة البيگات التكارتة، والرجل أنصف القوم ايما إنصاف، وهذا نابع من كرم خلقه وسمو أخلاقه الحميدة، فأتى على كل ما هو طيب وجيد، ووصفهم بأحسن وأرقى الكلمات وبما يتصفون به فعلاً من جود وكرم وسمعة طيبة وأخلاق حميدة ومناصب رفيعة نالوها أثناء تسنمهم للمسؤوليات وغيرها من الصفات التي يفتخر الإنسان أن يتصف بها.
يقول الرسول بطرس " وَلكِنْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، لِتَكُنْ مَحَبَّتُكُمْ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ شَدِيدَةً، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثْيرمنَ الْخَطَايَا"(1 بط 4: 8).
وفي سفر الأمثال 10: 12 اَلْبُغْضَةُ تُهَيِّجُ خُصُومَاتٍ، وَالْمَحَبَّةُ تَسْتُرُ كُلَّ الذُّنُوبِ.
المثل العراقي يقول " أذكروا محاسن موتاكم" والوصايا الإجتماعية والأخلاقية والدينية والعشائرية تفرض على الإنسان أن يستر الخطايا ويذكر الصفات الراقية لمن يكتب عنهم، ولعمري هذه هي شيمة الأصلاء، والأستاذ ياسين ولأن منبعه أصيل وهو رجل أبن عشائر معروفة ولها مكانتها فهو بالتأكيد ينتسب إلى تلك النظم الأخلاقية الراقية التي تنتسب إليها كل فئات الشعب العراقي.
الأستاذ ياسين الحديدي ومنذ زمن وهو يوثق تاريخ كركوك ويكتب ما شاهده وما سمعه وما عايشه هو وأهله مع ذكر كل المصادر التي سمع عنها أو قرأ عن ذلك التاريخ، والتاريخ يكتبه إثنان: شاهد على الحدث او كان جزءاً من الحدث، على سبيل المثال رجل شاهد تظاهرة فإنه يكتب ما شاهده، ورجل آخر أشترك في التظاهرة فإنه يكتب عن ذلك، أما مَن يأتي بعده لم يكن جزءاً من التظاهرة أو لم يشترك فيها فإنه عندما يكتب يجب أن يذكر المصدر الذي سمع منه،
اسلوب الأستاذ ياسين في الكتابة أسلوب بديع وسلس من نوع السهل الممتنع، يشد القارئ من حيث لا يدري يشبه إلى حدٍ ما أسلوب الأستاذ أحمد فخري في شد القارئ إلى نهاية المقال أو القصة، وقد أجاد الأستاذ ياسين في هذا المجال بحيث سرد بتوصيف بالغ ودقيق أغلب الجوانب المضيئة والنيّرة في حياة مَن يكتب عنهم، ولا يذكر أية شائبة غير إيجابية لهذا أو ذاك، وحاشاه أن يفعل ذلك، لأن الناقصة لا تصدر ولا يفعلها الأصلاء بل هي من شيمة اللقطاء والضعفاء ممن يبحثون أو يتصيدون في الماء العكر، شفاءً لغليلة في قلوبهم أو نقص في تكوين شخصيتهم ويسمى هكذا نموذج بـ "الوضيع" وهم موجودون في حياتنا نصادفهم في اقوالهم وافعالهم وأحاديثهم كفانا الله وإياكم شرّهم.
لقد ذكر الأستاذ ياسين في مقاله عن شخصيات وقامات ونجوم تلك العشيرة لهم ثقلهم ولهم بصماتهم المشرفة في تاريخ كركوك وتاريخ العراق وبكل ما هو باهر ومُشع ويتمناه كل حر شريف، يفخر به ابناؤهم ويفتخرون بمجد وتاريخ آبائهم، وقد سلّط الضوء على كل تلك البصمات الشريفة الأصيلة في رجال القبيلة وما تحلّوا به من مكارم الأخلاق وما يتحلون به من بعدهم أولادهم وذريتهم، وقد كان الأستاذ نزيهاً فيما كتب، وأنا أتساءل لماذا ؟ اقول : لأنه أصيل وشريف ويعمل بما يمليه عليه ضميره وشرفه واصالته وهذه لا تُشترى ولا تُباع وإنما يتغذى عليها الإنسان من مَرْضَعِهِ، لهذا يُقال لمثل هذه الكواكب الساطعة " مَرْضَعَكْ أصيل ومَنبَعَك طاهر" وإني متابع نهم لما يكتب الأستاذ ياسين عن كركوك وذلك بسبب عشقي لكركوك وعشتُ فيها أجمل سنّي حياتي وأكثر من ثلثي عمري الذي عشته في العراق عشته في كركوك والذي يساوي بلغة الأرقام أكثر من ثلاثين عاماً وعمري توزع في ثلاث الولادة والدراسة في بيجي والصينية ثم بغداد ثم كركوك والباقي في بلاد الهجرة متأملاً ثبات الأمن في العراق للعودة وقضاء ما تبقى من العمر هناك.
الأستاذ ياسين غني عن التعريف كنتُ أسمع بإسمه في كركوك كشخصية سياسية مرموقة وكأحد أعلام كركوك وكهامة عالية ونخلة عراقية باسقة في الخلق والأخلاق والتعامل السمح والرٌقي في كل شي، واليوم وما زال هكذا لذا لا يسمح لقلمه أن يحيد عن جادة الحق والصواب لا سامح الله، وامثاله كثيرون هم في حياتنا، لهم تلك البصمات التي لا ولن تزول عن حياتنا ما حيينا.
فكم تنقصنا من درجات لكي يصل البعض ممن يبحثون عن المساوئ ولا شغل لهم ولا شاغل سوى البحث عن كل ما هو سيء ومسيء ليذكروه ويتبجحوا به وكأنهم غنموا صيداً كبيرا، ولكن أقول كلٌ يبحثُ عن خاصته، وكل واحد يبحث عن نقصهِ، فالناقص حاشاكم يبحث عن كل ما هو ناقص ومسيء والطيب الأصيل يبحث عن كل ما هو طيّب وأصيل ومُشرق ومُشع في حياته وحياة الآخرين، وقيل قديماً " الإناء ينضح بما فيه" فهذا إناء الأستاذ ياسين الحديدي نضح بما فيه من الأصالة والكرامة والعزة والشرف الرفيع ومكارم الأخلاق والوفاء والمَرضَع الأصيل، وأما إناء الآخرين فقد نضح خسة ورداءة ونذالة وذلك لأنهم يشعرون بمركب النقص في شخصيتهم فيعالجونها بالبحث عن المساوئ عسى أن يغطون بها مساوئهم ولكن أنّى لهم ذلك.
قد يتصور البعض أن هناك مصلحة لذكر هذه المقالة عن الأستاذ ياسين ولكن للعلم أود أن أقول بأن بيني وبين الأستاذ ياسين آلاف الكيلومترات (ولكن القلوب قريبة عن بعضها ) ولا مصلحة تربطني به ولا مال أبغيه، فهو يعيش في كركوك الحبيبة الغالية وأنا مقيم في الدنمارك منذ عشرين عاماً، لذا لا تروحون بذاك الراي.
دُمْتَ عزيزاً أبياً عَلَماً ونخلةً عراقية باسقة استاذ ياسين، وإلى الملتقى.
الدنمارك في 10/10/2020
1032 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع