الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل
محمد واصل الظاهر فارس تَرجَّل عن صهوة جواده
الدكتور محمد واصل الظاهر عالم عراقي من جيل الرواد في عِلم الرياضيات، وفارس كبير ترجّل عن صهوة جواده مؤخرا بعد مسيرة حافلة بالعطاء قاربت القرن. فقد انتقل إلى رحمة الله في ولاية كاليفورنيا الأمريكية صباح يوم الاثنين 18 كانون2/يناير 2021 الأستاذ الدكتور محمد واصل الظاهر (1924-2021)، وهو أول عراقي يعود إلى العراق بشهادة الدكتوراه في الرياضيات من الولايات المتحدة، وهو أحد أعمدة الرياضيات في العراق والعالم العربي، ومن أوائل رواد التعليم العالي في العراق والكويت.
ولد محمد واصل أحمد الظاهر في محلة (الحمام المنقوشة) في الموصل من عائلة معروفة، وشقيقه الأكبر عبد الجواد أحمد الظاهر والد الأستاذ الدكتور أحمد عبد الجواد الظاهر؛ الأستاذ السابق في كلية الزراعة والغابات جامعة الموصل. كما وتربط محمد واصل الظاهر صلة قرابة بالرائد التربوي المعروف الأستاذ نزار المختار.
تخرَّج محمد واصل الظاهر بتفوق من دار المعلمين العالية في بغداد عام 1947، وعمل كمُدرس معيد فيه. ثم سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وحصل على الماجستير من جامعة كولمبيا في العام 1951، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة ميشيغان عام 1954. ثم سافر إلى كندا وعمل في برنامج ما بعد الدكتوراه في جامعة تورينتو/ قسم الأبحاث والاستشارات في العام 1960-1961.
ينقل المهندس مصيب العمري، وهو ضابط سابق في الجيش العراقي، قصة عن المرحوم والده الذي كان صديقا لمحمد واصل الظاهر منذ الصغر. يقول المهندس العمري أن الدكتور الظاهر عندما ترشح للعمل في تورينتو، كان هو أحد المشاركين في البرنامج ضمن سبعة علماء من طرازه. وصادف أن البروفسور الذي يتلقون منه البرنامج أن ينتهي عقده، وكان للبرنامج طور ثاني، فطلبت الجامعة من البروفسور ترشيح شخص مكانه، فكان الدكتور محمد واصل الظاهر هو المرشح البديل الذي حل محل البروفسور.
لقد كان اسم (محمد واصل الظاهر) من الأسماء التي عرفناها منذ نعومة أضفارنا أيام الدراسة، حيث كان مكتوبا على كتب المقررات الدراسية العراقية لمواد الرياضيات في المراحل المتوسطة والإعدادية، وكانت تلك المقررات مميزة بحق وسهلة الفهم، وكان من اليسير على الطالب أن يُنفّذ ما وصى به المُقرر، ويسهِّل التفكير المستمر لمرحلة قادمة، ويشجع على مواصلة التعلم، فنتج عن ذلك جيل يحمل الجدية في تنفيذ المهام.
لقد عمل الدكتور الظاهر في قسم الرياضيات في كلية العلوم/ جامعة بغداد تدريسيا وإداريا وشغل منصب رئيس قسم الرياضيات وعميد كلية العلوم/ جامعة بغداد (1963-1969) ومساعد رئيس جامعة بغداد للشؤون العلمية (1962-1964)، كما عمل مستشارا لليونسكو لمشروع (الرياضيات المعاصرة) في الدول العربية (1966-1972).
لقد استمر الدكتور الظاهر بعمله المثمر في العراق، وله مواقف مشهودة حضي من خلالها تقدير واحترام كل من عرفه من طلبته وزملائه وكبار المسؤولين في الوزارة والدولة، وقد تقاعد في العام 1978.
وبعد تقاعده انتقل الدكتور الظاهر إلى الكويت وعمل رئيسا لقسم الرياضيات في جامعة الكويت (1970-1977)، ثم عميدا لكلية العلوم في جامعة الكويت للأعوام (1977-1982)، ثم عمل مستشارا لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي للأعوام (1978-1990)، ثم مستشارا في وزارة التعليم العالي الكويتية (1988-1990).
سافر الدكتور الظاهر مع عائلته في يونيو/ حزيران 1990 لقضاء العطلة الصيفية في الولايات المتحدة؛ كما هي عادته كل سنة؛ حيث كان ابنه نوفل يدرس هناك الدراسات العليا وابنته الكبرى نضال متزوجة وتعيش في الولايات المتحدة منذ 1983. ونتيجة للاجتياح الكويت من قِبل القوات المسلحة العراقية، بقي الدكتور الظاهر في أمريكا لقرابة السنتين.
وفي العام 1992 عاد الدكتور الظاهر مع عائلته إلى بغداد وسكن في داره في حي الجامعة بالداؤودي، وبقي يتردد على أمريكا لزيارة بناته وابنه نوفل، وفي سنة 1996 ترك العراق واستقر به المقام في ولاية كاليفورنيا الأمريكية.
لقد كان الدكتور الظاهر يمتلك ملفا باللغة الإنجليزية يحتوي على السيرة الذاتية لقرابة المائة شخصية عراقية في الولايات المتحدة الأمريكية، منها سيرته وسيرة الآثاري المعروف بهنام أبو الصوف. وكان لي تواصل معه، وقد أهداني بعض مؤلفاته، وقد طلبتُ منه مقولة يهديها لطلبة الجيل الناشئ عبر الإنترنت، فأعطاني المقولة الآتية والتي أعتز بها كثيرا: "إذا أراد المرء أن يعيش حياة كريمة، فليتخذ ثلاث عادات أساسية: التعلُّم المستمر، والتفكير المُنتِج، والعمل الجاد".
الدكتور محمد واصل الظاهر والشاعرة نازك الملائكة:
لقد كانت تربط عائلة الدكتور الظاهر علاقة صداقة وثيقة مع عائلة الشاعرة نازك الملائكة (1923-2007). حيث كان الدكتور الظاهر صديقا لزوج نازك الملائكة الدكتور عبد الهادي محبوبة (1918- 2001) والذي أصبح فيما بعد أول رئيس لجامعة البصرة للفترة من 1964 إلى 1968.
لقد كان الدكتور الظاهر والدكتور محبوبة يعملان سوية في جامعة الكويت ويسكنان في الفلل السكنية التابعة لجامعة الكويت في منطقة الجابرية. تقول السيدة الفاضلة زوجة الدكتور الظاهر أن المرحوم زوجها كان يذهب كل يوم جمعة إلى شقة الدكتور محبوبة وينتظره في بيته لكي يذهبا سوية إلى الجامع لأداء صلاة الجمعة. فكان لهذا الفعل أثر في نفس الشاعرة نازك الملائكة فكتبت قصيدة خاصة في ذلك في يوم جمعة. وقد كانت عائلة الدكتور الظاهر تحتفظ بتلك القصيدة، وكان هناك نسخة منها عند أحد أقرباء الدكتور الظاهر في الموصل، وبعد نزوحهم عند سقوط الموصل سنة 2014 فُقدت القصيدة مع محتويات مسكنهم.
عائلته:
لقد تزوج الأستاذ الدكتور محمد واصل الظاهر من المربية الفاضلة السيدة عادلة العطار، شقيقة الأستاذ الدكتور عادل العطار؛ أشهر أطباء الأطفال في العراق؛ وقد رزق منها بولد واحد وثلاث بنات:
ولده الأستاذ الدكتور نوفل محمد واصل الظاهر Naofal Al-Dhahir: أستاذ الهندسة الكهربائية والحاصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه من جامعة ستانفورد Stanford الشهيرة. وبناته المهندسة نضال الظاهر والدكتورة باسلة الظاهر والدكتورة وفاء الظاهر.
لقد ذهب الدكتور محمد واصل الظاهر جسدا وخُلِّد ذكرا، وترك رصيدا طيباً من المؤلفات من الكتب والبحوث فضلا عن السمعة الطيبة، ويشهد له كل من عرفه بسمو الخلق والتواضع الشديد ونقاء الروح والذوق الرفيع والثقافة العامة العالية.
لقد رحل الدكتور محمد واصل الظاهر وفي القلب غصة على فقدان هكذا قامات عالية افادت بلدها والعالم بعلمها، وأفني حياته في طلب العلم، وكان بحق منارا ومشكاةً للأجيال ونموذجا رائعا للعراقي الأصيل والعالم الجليل.
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةًۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97).
3483 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع