الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل
شارلي شابلن العرب نجيب الريحاني وأصوله العراقية
نجيب إلياس ريحانة، الشهير باسم نجيب الريحاني (1889-1949م)، ممثل فُكاهي مصري من أصول عراقية سُريانية كاثوليكية. جاء والده إلى مصر وكان تاجر خيل، قادما من الموصل واستقر به الحال في مصر ليتزوج من سيدة قبطيَّة أرثوذكسيَّة تُدعى (لطيفة بُحلُق)، ورزقة منها بنجيب وشقيقيه يوسف وجورج.
ذكر الأستاذ مشكور الأسدي أن والد الفنان نجيب الريحاني مولود في الموصل، ومن أسرة الريحاني المعروفة، وذهب الأستاذ خالص عزمي إلى أن نجيب الريحاني نفسه مولود في الموصل سنة 1890. وذكر أن بعضا من أسرته حاولوا التحري عن ما خلَّفه من ثروة في مصر، فجاءهم الجواب أن مَن ورثه أخيه يوسف، وكانت تركته عبارة عن بيت شيَّده ومات قبل ان يسكنه وكان يريد أن يخصصه ليكون ملجأ للممثلين المتقاعدين، كما أكد ذلك صديقه بديع خيري (1893-1966م) في مقدمة مذكرات نجيب الريحاني، وكان ممن يعلم هذه الحقيقة السيد سليم الريحاني الذي كان يعمل في الأعمال الحرة.
لقد زار الأستاذ مشكور الأسدي يوسف الريحاني شقيق نجيب الريحاني في بيته، وقال انه اطلعه على شجرة العائلة، وقال إن نجيب هو ابن الياس بن قسطنطين بن بهنام بن يعقوب بن عبد الرحيم، وعبد الرحيم هذا هو الجد الأعلى للأسرة، وقد هاجر إلى الموصل تاركا مسكنه في خربوط الواقعة غربي ديار بكر ومعه ابنه يعقوب.
وكان عبد الرحيم يُعرف (بالصبَّاغ)، حيث كان يصبغ الأقمشة والثياب وزركشتها وتنميقها بالألوان، وقد حل لقب (الريحاني) محل لقب (الصبَّاغ) في الأسرة حين وُصف أحد أحفاد عبد الرحيم بالريحان لرقته وهدوءه.
لقد تفرقت أسرة الريحاني: فهناك من يعيش في الموصل، وهناك من يعيش في الأردن وفي مصر؛ أما الأصل ففي العراق ومنه وكان الاتصال بالمراسلة مستمرا الى وقت قريب بين فرع الأردن وبعض أفراد الأسرة في الموصل.
كما كان يوسف شقيق نجيب يكاتب من مصر المرحوم القس جرجس الريحاني، وكان مضمون الرسائل المتبادلة ينحصر في السؤال عن أحوال الأسرة، وما إلى ذلك من المجالات وإزجاء العواطف. ولا تزال دار أسرة الريحاني قائمة تحمل على بابها أو على أحد حيطانها تاريخ بنائها الذي يعود إلى ما قبل حوال 200 عام إلى جانب بيت أو بيتين من الشعر المناسبين حسب ذوق الذي شيد الدار، وهذه الدار واقعة في محلة الساعة (الجولاق أو الجولاغ) في أيمن الموصل.
وردت سيرة نجيب الريحاني في موسوعة (أعلام الموصل في القرن العشرين) للأستاذ الدكتور عمر الطالب وذكر أن عائلته ما زالت تسكن في الموصل، وهم أصلاً من القرى المسيحية التي تقطن أطراف الموصل.
كما أفرد الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف مقالا كاملا عن نجيب الريحاني. وذكر أن بهنام حبابة تكلم عن أسرته في كتابه (الأسر المسيحية في الموصل) وقال إن هذه الأسرة معروفة في محلة الجولاق (أي محلة الساعة حاليا أو محلة الاوس كما تسمى رسميا)، وهي من رعاية السريان الكاثوليك في مار توما وقد اشتهر منهم القس جرجس الريحاني والدكتورة سيرانوش جميل الريحاني.
ويذكر الدكتور العلاف أن شَبَّه البعض نجيب ريحاني بشارلي شابلن وقال إنه ( شارلي شابلن العرب)، وعدَّ آخرون نجيب ريحاني ( نابغة المسرح العربي). كما كرَّست جريدة (المدى) البغدادية عددا من ملحقها (منارات) في العدد الصادر يوم 3 نيسان 2010 لاستذكار الفنان الكبير نجيب الريحاني.
لقد كتب الفنان المسرحي العراقي الكبير الأستاذ يوسف العاني عن تجربة نجيب الريحاني السينمائية وقال: (إنه كان قمة من قمم المسرح وعلامة مضيئة في تاريخ السينما المصرية ظل يؤكد حقيقة لا يمكن إغفالها أو إنكارها وهي أنه كان يهتم بالإنسان، وقد قدَّم منذ سنة 1916 وحتى وفاته (81) عملا مسرحيا كما تألق في السينما).
سيرة حياة نجيب الريحاني:
تلقَّى الريحاني تعليمه في مدرسة فرنسية بالقاهرة، وفيها تجلَّت موهبته التمثيليَّة المُبكرة، فانضمَّ إلى فريق التمثيل المدرسيّ، واشتهر بين مُعلميه بقُدرته على إلقاء الشعر العربي، كما أحب الأعمال الأدبيَّة والمسرحيَّة الفرنسيَّة.
في أواخر العقد الثاني من القرن العشرين الميلاديّ أسس مع صديق عُمره بديع خيري (1893-1966م) فرقةً مسرحيَّة عملت على نقل الكثير من المسرحيَّات الكوميديَّة الفرنسيَّة إلى اللُغة العربيَّة، وعُرضت على مُختلف المسارح في مصر وأرجاء واسعة من الوطن العربي، قبل أن يُحوَّل قسمٌ منها إلى أفلامٍ سينمائيَّة مع بداية الإنتاج السينمائي في مصر.
ثم ألف الريحاني فرقة جديدة مع الممثلة اللبنانية ذات الأصول التركية (فاطمة اليوسف) والمشهورة باسم روز اليوسف (1897-1958)؛ وهي والدة الأديب المصري إحسان عبد القدوس (1919- 1990). وركز على اللون المأساوي والذي لم يناسبه، فأصيب بخسارة كبيرة وعاد إلى المسرح الكوميدي ثانية وألَّف له بديع خيري مسرحية (جنان في جنان).
وطاف نجيب الريحاني في الأقطار العربية ولاقى نجاحاً كبيراً ووصل مسرحه قمة نضجه عام 1935 في مسرحيته الشهيرة (حكم قرقوش). وكانت معظم مسرحياته تعالج مشكلات المجتمع من خلال فكاهة راقية، ومن أشهرها: الدنيا لما تضحك، الرجالة ما يعرفوش يكذبوا، الستات ما يعرفوش يكذبوا، حكم قراقوش، إلا خمسة، حسن ومرقص وكوهين، كشكش بك في باريس، وصية كشكش بك، ريا وسكينة، آه من النسوان، العشرة الطيبة.
كما نجح الريحاني في السينما وقدم العديد من الأفلام الناجحة مثل: (لعبة الست) انتج سنة 1946 وفيلم (أحمر شفايف) وفيلم (ابو حلموس ) وآخرها (غزل البنات)؛ وقد تُوفي الريحاني بعد إكماله هذا الفيلم، وقد عُرض بدور السينما سنة 1949، وتم اختياره كتاسع أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.
أُصيب الريحاني في أواخر أيَّامه بِمرض التيفوئيد وتوفي على أثره في 8 حُزيران (يونيو) 1949م وكان لهُ من العُمر 60 سنة.
جينا نجيب الريحاني:
بعد ستة عقود من وفاة نجيب الريحاني تم تكريمه في مهرجان القاهرة السينمائي سنة 2008، وظهرت للعيان ابنته الوحيدة (جينا نجيب الريحاني) بعد أن بحثت عن جذور والدها في الموصل. وظهرت جينا الريحاني في المهرجان وعمرها 70 سنة لتعلن عن إصدار كتاب عن والدها بعنوان: (نجيب الريحاني.. شارلي شابلن العرب) وقالت إنها ستعمل على إنشاء متحف ومركز فنون باسمه، وإطلاق جائزة سنوية لفناني المسرح تحمل اسمه، وإنتاج فيلم سينمائي عن حياته. وقالت إن الفنان السكندري (حمدي الكيال) رسم (90) لوحة لوالدها.
لقد بحثت جينا الريحاني عن والدها ووجدته، وقالت إن أُمها الفرنسية (لوسي دي برناي) كانت راقصة باليه عمرها (18) سنة في فرقة فرنسية وجاءت مصر مع فرقتها لتقديم فقرات في أحد الكازينوهات، وكان الريحاني وقتها يبحث عن فتاة أجنبية تمثل معه في مسرحية (كشكش بيه) عام 1918، وأقنعها بالتمثيل وقام بتعليمها بعض الكلمات العربية. وقد اشتركت مع والدها نجيب الريحاني في مسرحية (كشكش بك) ثم تزوجها.
سافرت أمها سنة 1921إلى فرنسا بسبب زواج نجيب ريحاني من الفنانة اللبنانية/السورية بديعة مصابني (1892-1974) والتي اصطحابها معهُ إلى مصر وأسست فرقتها المسرحيَّة الخاصَّة التي عُرفت باسم (فرقة بديعة مصابني). ثم هاجر مع بديعة إلى البرازيل والأرجنتين سنة 1924، وعلى الرغم من النجاح الذي لاقاه في أمريكا الجنوبية إلا أن الحنين دفعه للعودة ثانية إلى مصر وقدم مسرحيات ثم انفصل نجيب ريحاني عن بديعة مصابنى.
تقول جينا الريحاني إن والدها ظل يبحث عن والدتها في فرنسا التي كان يزورها سنويا ومنذ العشرينيات، وعثر على والدتها مرة أخرى بعد 16 عاما، عام 1937 بعد طلاقه من بديعة مصابنى، وتزوجا وأنجباها.
وذكرت جينا الريحاني إن والدها كان يزورها باستمرار في فرنسا، ولم يعلن زواجه من والدتها بسبب القوانين الألمانية في عهد هتلر التي كانت تمنع زواج الألمانيات من الأجانب. كما كشفت جينا الريحاني أنها لم تستطع استخراج أوراق ثبوتية وشهادة ميلاد باسم والدها بسبب قوانين هتلر، لكن تم تسجيلها عن طريق الكنيسة كابنة الريحاني. وذكرت أن آخر مرة التقت فيها بوالدها كان عمرها 10 سنوات، وذلك في العام 1947 بباريس، حيث كان يحصل على إجازة لمدة شهر من المسرح، ويقضيها معها.
لقد ولدت جينا الريحاني في فرنسا، لكنها تعيش في مصر منذ فترة طويلة، وتزوجت في الإسكندرية وتعيش هناك وتحرص على زيارة قبر والدها باستمرار.
لقد كان نجيب الريحاني فيلسوفا فنانا، وكانت الفكاهة والسخرية في دمه، وكانت حياته عبارة عن ضجة صاخبة، ويُعد الريحاني من بناة المسرح العربي الحديث، وقد زامل جورج ابيض، وعزيز عيد، وروز اليوسف، وسيد درويش.
632 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع