بقلم : لهب عطا عبد الوهاب
إقتصادي عراقي
الربيع العربي وجدلية الديموقراطية/ لعنة الموارد الطبيعية و الدروس المستوحاة
توطئة : ثورات الربيع العربي
هي حركات احتجاجية سلمية ضخمة انطلقت في بعض البلدان العربية خلال أواخر عام 2010 ومطلع عام 2011. وتعزى أغلب هذه الثورات إلى القمع والاستبداد التي تشهده معظم الدول العربية التي تمتلك سجلاً سيئاً في حقوق الإنسان وذلك لاستبداد الحكام وتشبثهم بالكراسي لعقود طويلة ناهيك عن مجيئهم للحكم بطرق غير شرعية ، إذ وصل الرئيس بشار الأسد ، على سبيل المثال ، للحكم ، خلفاً لأبيه حافظ الأسد عام 2000 في سابقة لم تألفها الدول العربية في نظام الحكم الجمهوري. حيث تم تعديل الدستور في فترة زمنية لم تتجاوز ربع ساعة ليناسب عمر بشار الأسد (34 سنة) وليتمكن من حكم سوريا.
و تميزت هذه الثورات بظهور هتاف عربي ظهر لأول مرة في تونس ، لينتقل بعضها كالنار في الهشيم إلى دول عربية أخرى وهو "الشعب يريد إسقاط النظام".
وقد نجحت هذه الثورات فعلاً بالاطاحة بأربعة أنظمة راسخة حتى الآن وعلى النحو التالي :
(1) الثورة في تونس عندما أضرم الشاب محمد البوعزيزي النار في نفسه احتجاجاً على الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية وعدم تمكنه من تأمين قوت لعائلته وذلك في 17 ديسمبر / كانون الأول 2010 ، فاندلعت بذلك الثورة التونسية وانتهت في 14 كانون الثاني يناير 2011 عندما أجبر الرئيس زين العابدين بن علي مغادرة البلاد والتنازل عن السلطة.
(2) ثورة 25 كانون الثاني / يناير 2011 المصرية التي أفضت في 11 شباط / فبراير التالي إلى تنحية الرئيس محمد حسني مبارك عن السلطة.
(3) اندلعت الثورة الليبية في 17 شباط / فبراير 2011 والتي سرعان ما تحولت إلى ثورة مسلحة ، وبعد صراع طويل تمكن الثوار من السيطرة على العاصمة طرابلس في أواخر شهر آب / أغسطس قبل مقتل الرئيس العقيد معمر القذافي في 20 تشرين أول / أكتوبر 2011 خلال معركة سرت ، تسلم بعدها السلطة في البلاد المجلس الوطني الانتقالي.
(4) في أواخرشهر شباط / فبراير عام 2012 أعلن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح تنحيه عن السلطة التزاماً ببنود المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية التي كانت قد وقع عليها قبل بضعة شهور عقب الاحتجاجات العارمة التي عصفت بالبلاد لعام كامل.
الديمقراطية ولعنة الموارد الطبيعية دروس مستوحاة من "الربيع العربي":
يذهب البعض إلى أن هناك علاقة (جدلية) تحكم الديمقراطية من جهة ، والموارد الطبيعية من جهة أخرى ، ويزعم هؤلاء إلى أن هناك تناسب عكسي بين هذين المتغيرين ، إذ تشير بعض الشواهد التاريخية إلى أن الدول الغنية بمواردها الطبيعية ؛ كالنفط والغاز ، تحتل فيها (الديمقراطية) درجات أدنى مقارنة بالدول شحيحة الموارد ، وهو ما ذهبت إليه دراسة حديثة صادرة عن دورية "الفورن آفيرز" الواسعة الانتشار.
أولاً : خبايا النفط السرية
لم يكن النفط دائماً عائقاً أمام ولوج الديمقراطية ، وحتى مطلع السبعينات من القرن الماضي ، فإن الدول المنتجة للنفط كانت أقل حظاً من بلوغ الديمقراطية شأنها شأن الدول النامية الأخرى . ويعزى ذلك ، إلى أنه حتى تلك الفترة ، فإن ما يعرف بـ (الأخوات السبع) وهي الشركات النفطية العملاقة التي كانت تهيمن على الصناعة النفطية للفترة الممتدة من منتصف الأربعينيات ولغاية أوائل السبعينات من القرن الماضي وتجني حصة الأسد من العوائد.
وحتى عام 1973 فإن الأخوات السبع كانت تسيطر على أكثر من 85% من الاحتياطات العالمية النفطية المؤكدة. أن هيمنة الشركات الأجنبية الكبرى على السوق النفطية حرم الدول النفطية من الاستفادة من العوائد . بيد أن هذا الوضع بدأ بالتغير بشكل جذري في مطلع السبعينات من القرن الماضي لتضافر عدد من الأسباب منها :
(1) إن السيطرة المطلقة "للأخوات السبع" على الصناعة النفطية بدأت بالتراجع مع ظهور شركات نفطية مستقلة ان النكفاء ما كان يعرف ب"الاخوات السبع" حل محلها ما يصطلح عليه اليوم ب"الاخوات السبع الجدد" والتي اصبحت الشركات النفطية الوطنية المهيمنة وفقا لتصنيف الFT وعلى النحو التالي : شركة ارامكو السعودية , شركة النفط الوطنية الصينية , شركاة غاز بروم الروسية , شركة بترو براس البرازيلية , شركة النفط الوطنية الإيرانية , شركة النفط الوطنية الفنزولية , شركة بترو ناس الماليزية .
(2) الإعلان عن إنشاء منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) في العاصمة العراقية بغداد في أيلول / سبتمبر من عام 1960 عزز من مكانة الدول النفطية لا سيما في قدرتها التفاوضية مقابل الشركات النفطية الأجنبية التي كانت تعمل وفقاً لنظام الامتياز.
(3) إعلان الحظر النفطي العربي ابان حرب أكتوبر عام 1973 الذي أفضى إلى ما يعرف بـ (الفورة النفطية) أو ما أصطلح عليه بـ الثورة النفطية الأولى حيث ارتفعت أسعار النفط من اقل من دولارين للبرميل عام 1972 إلى حوالي 12 دولاراً للبرميل عام 1974 . وللاستفادة من الارتفاع الكبير في الأسعار ، شرعت غالبية الدول النفطية إلى "تأميم" الشركات النفطية الأجنبية العاملة في أراضيها لتحل محلها الشركات النفطية الوطنية التي أخذت على عاتقها إدارة الصناعة النفطية.
ثانياً : تداعيات تأميم الصناعة النفطية
لعل أبرز ما أفضت إليه عمليات تأميم الصناعة النفطية في الدول المنتجة هو (خلق) ثروة غير مسبوقة في هذه الدول ، وهو ما أصطلح عليه بـ "البترودولار" وقد قوبل تأميم النفط بمساندة جماهرية حاشدة في العديد من هذه الدول . كما إنها كانت السبب الرئيسي وراء الشعبية الجارفة لعدد من زعماء الدول العربية ، فعلى سبيل المثال ، فإن أولى الخطوات التي اتخذها الزعيم الليبي معمر القذافي بعد نجاح إنقلابه العسكري في سبتمبر عام 1969 – الذي أطاح بالملك إدريس السنوسي – هو تأميم الصناعة النفطية ، ما مكنه من " وضع اليد " على العائدات النفطية التي تم توظيفها لتمويل أجندته الثورية وإلى (شراء) ولاءات زعماء القبائل التي كان يخشى أو يشك في عدم ولاءها للنظام.
إن عمليات التأميم الصناعة النفطية التي شهدتها العديد من الدول النفطية جعلت من حكومات الدول المصدرة للنفط أكثر غنى وسطوة مما كانت عليه من قبل ، كما مكن ذلك (الحكام) في الدول النفطية من توظيف الثروة النفطية لتمويل برامج اجتماعية لتحسين الخدمات العامة المقدمة لمواطنيها ، ما جعل حكامها في منأى عن موجة الديمقراطية التي اجتاحت العالم في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي والتي أطاحت بالعديد من النظم الشمولية ، لا سيما في الدول الشيوعية السائرة في فلك الاتحاد السوفيتي السابق (رومانيا وألمانيا الشرقية والمجر وبولندا).
ثالثاً : إن استحواذ حكومات الدول النفطية على العائدات البترولية مكن النظم السلطوية من الاستمرار في الحكم من خلال :
(1) إن الثروة النفطية مكنتهم من تلبية رغبات شعوبها بتوفير الخدمات المتعددة لا سيما مجانية الصحة والتعليم دون أن يترتب على ذلك فرض الضرائب . وكما هو معلوم ، فإن العلاقة بين الضرائب والتمثيل السياسي تحكمها علاقة طردية No Taxation Without Representation إذ أن فرض الضرائب من قبل الحاكم يجب أن يقابله التمثيل السياسي لمواطنيها. وبالعودة بالذاكرة التاريخية قليلاً إلى الوراء ، فهناك تجارب لا تزال ماثلة في الأذهان ، إذ تشير السجلات التاريخية إلى أن مواطني الولايات المتحدة في القرن الثامن عشر والتي كانت في ذلك الوقت مستعمرة بريطانية ، ثاروا منتفضين ضد حكامهم الإنكليز احتجاجاً على فرض الضرائب المجحفة دون أن تقابله المشاركة في الحياة السياسية ، إذ لم يكن لهم تمثيل يذكر في البرلمان البريطاني.
وفي الدول الشرق أوسطية اليوم ، يقابل حكام الدول النفطية مطالب شعوبهم بالمزيد من الانفتاح والمشاركة الشعبية في الحكم بتدابير ذات طابع مالي بزيادة الأجور والرواتب وتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي ، وخلق الوظائف ودعم السلع والخدمات بما يؤمن متطلبات العيش الكريم. وهي إجراءات تفضي الى تكميم افواه شعوبها , إذ هناك عقد غير مكتوب بين الحاكم والمحكوم , فالسلطة المطلقة بيد الحاكم , اما المحكوم فهو يتمتع بمزايا الخدمات الجتماعية والصحية والتعليمية المجانية ما يجعله يعيش في بحبوحة وهو بالتلي في حل عن المطالبة بالاصلاحات الديموقراطية . إذ أمر على سبيل المثال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في فبراير / شباط 2012 ، بتخصيص 136 مليار دولار يتم توظيفها لزيادة الرواتب في القطاع العام وإلى تحسين المنافع الاجتماعية للعاطلين عن العمل بالإضافة إلى بناء مساكن بأسعار مدعومة لذوي الدخل المحدود . وقد حذت الكويت حذو السعودية باعلان مكرمة أميرية لسكانها قدرها 1000 دينار كويتي (أو ما يعادل 3600 دولار) بالإضافة إلى صرف المواد الغذائية الرئيسية بالمجان لمدة 14 شهراً لحاملي البطاقة التموينية ، وذلك بمناسبة مرور خمسين عاماً على استقلال الكويت.
في المقابل فإن الحكام في النظم الشمولية العربية غير النفطية كنظام زين العابدين بن علي في تونس ونظام حسني مبارك في مصر ، لم يألوا جهداً باتخاذ إجراءات مماثلة لتلك الإجراءات التي اتخذها نظرائهم العرب في الدول النفطية ، بيد أنها كانت أقل حجماً وانتشاراً وبالتالي أقل فاعلية ، مما عجل في زوالهما.
(2) إن الثروة النفطية تمكن الحكام في النظم الشمولية من الإغداق على قواتها المسلحة بسخاء ، ما يمكنها من شراء ولاء الجيش للسلطة الحاكمة . ونتذكر على سبيل المثال ما قام به الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد من إرساء عقود بالمليارات لرجال أعمال مرتبطين بالحرس الثوري الإيراني لضمان وقوف الأخير بجانب الرئيس عندما تدلهم الخطوب.
وعلى الصعيد العالمي تفيد البيانات المنشورة إلى أن النظم السلطوية التي تفتقر إلى الثروات النفطية تنفق في المتوسط حوالي 2% من ناتجها المحلي الإجمالي (GDP)على قواتها المسلحة مقابل 3% من الناتج المحلي الإجمالي في الدول النفطية.
الخلاصة والاستنتاجات :
أن لعنة الموارد الطبيعية لا تعني بالضرورة عدم إمكانية قيام نظم ديمقراطية تعددية تمثيلية في الدول ذات الموارد النفطية الغنية ، ودليلنا على ذلك هو التحول نحو الديمقراطية الذي خبرته كل من أندونيسيا والمكسيك ونيجيريا في مطلع الألفية الثالثة ، وهي جميعها دول منتجة للنفط . وكانت قد سبقتها إلى ذلك ، فنزويلا ، أكبر دولة منتجة للنفط في أمريكا اللاتينية ، والتي انتقلت إلى نظام ديموقراطي عام 1958.
رغم التراجع الكبير الحاصل فيها حالياً حيث يحتدم الصراع بين الرئيس نيكولاس مادورو ورئيس البرلمان الفنزويلي الذي أعلن نفسه رئيساً مؤقتاً للبلاد وهو يحظى بدعم الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية.
أن (الربيع العربي) الذي اجتاح العديد من الدول العربية في المشرق وشمال أفريقيا ، جاء متناغماً مع التوق العالمي لبلوغ الديمقراطية ، حيث الفيصل فيها هو لصناديق الاقتراع ، بدلاً من قرقعة السلاح التي سادت دول العالم الثالث في النصف الثاني من القرن العشرين ، إذ لا عودة إلى الوراء ، فالتغيير الديمقراطي آت لا محال .
ولعل المظاهرات والاحتجاجات التي تشهدها الجزائر ضد إعادة ترشيح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقه لولايه خامسه ..والاعتصامات التي تشهدها العاصمه السودانيه الخرطوم والتي تطالب تنازل الرئيس عمر احمد البشيرعن سدة الحكم بعد اكثر من ثلاثة عقود من الحكم الفردى هي ابلغ دليل على ذلك وهناك بوادر لولادة ربيع عربى ثان في كل من العراق ولبنان اثر الحراك الشعبى الواسع تطالب فيه بتغيير النظم القائمه ووضع حد للمحاصصة الطائفية.
مرحى بالربيع العربي.
4557 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع