سحبان فيصل محجوب - مهندس استشاري
دعه يحترق
في عالم إطفاء الحرائق، هناك مصطلح قليل التداول نصه هو (دعه يحترق Let it burn) لم أعرف القصد منه حتى العام ١٩٩١ عندما تعرضت محطة التأميم للضغط الفائق (الواقعة في ناحية تازة خورماتو قرب مدينة كركوك) الى قصف جوي عنيف في أحد أيام مواجهة العراق للعدوان الثلاثيني أو ما يسمى حرب الخليج الثانية إثر دخول القوات العراقية الكويت (كنت حينها مديراً لشبكات كهرباء المنطقة الشمالية)، استهدف هذا القصف مكونات المحطة الرئيسة والتي كانت تشمل ١٢ محولة كهرباء عملاقة تعمل بالضغط الفائق (٤٠٠ كيلو فولت) حيث شبت حرائق هائلة في العديد منها، إذ أن الزيوت الخاصة بالعزل الكهربائي والمستخدمة في هذه المحولات من المواد سريعة الاشتعال... عند وصول عجلات الإطفاء التابعة إلى دوائر الدفاع المدني لتعزز عمل وسائل الإطفاء الموجودة في المحطة، وبعد مرور أكثر من ساعتين لم تتمكن الامكانات المسخرة كافة من إخماد اللهب المتصاعد والمتزايد في المحولات المشتعلة... في موقع الحريق.
تقدم نحوي مدير الدفاع المدني في محافظة التأميم، وكان يشرف على عملية الإطفاء ليعلمني أن مهمته هي محاولة عدم انتشار الحرائق في أرجاء المحطة الأخرى وذلك بوساطة تبريد المعدات القريبة من الأماكن المشتعلة، أما الحريق في المحولات فإنه سيستمر حتى نفاد الزيت الخاص بها (محترقاً) على وفق قاعدة الـ(let it burn)، تكرر سماعي لهذه الجملة نفسها سنة ٢٠٠٢ عندما شبت النيران في خزانات الوقود الأرضية بمحطة توليد كهرباء جنوب بغداد الحرارية حيث أعلمني المهندس القدير دثار الخشاب الذي كان يعمل في وزارة النفط (كنت حينها وزيراً لهيئة الكهرباء) أن الحالة تستوجب الانتظار لحين احتراق كامل كمية الوقود المخزنة وهذا ما حدث فعلاً فكانت جهود رجال الإطفاء مع المساندين لهم تنصب باتجاه تبريد معدات المحطة لمنع امتداد الحريق إليها الى ان تم إخماد الحريق بعد ٨ ساعات من محاولات الاطفاء والتبريد المستمرة.
كانت الجهود الكبيرة المبذولة لإطفاء زيت المحولات في محطة التأميم وزيت الوقود في محطة جنوب بغداد غير ذات جدوى في إنقاذ هذه الكميات من المواد سريعة الاشتعال فانصبت على منع انتشار الحريق في المناطق القريبة منها والتي تحتوي على مواد قابلة للاشتعال أيضاً.
من وحي هذه الحوادث فالعبرة، هنا، تتحدث لتخبر العراقيين الاصلاء بضرورة الذود عما تبقى صالحاً في جوانب الحياة المختلفة المادية والاعتبارية منها والتي لم تصل إليها نيران الاحتلال وتبعاته بعد أن التهمت الكثير منها وعليهم توفير ما يؤمن عدم خسارتها جراء قربها من النار المستعرة اللاهبة كما أن عليهم الشروع بتعويض ما فقد (ظلماً) وببدائل أفضل لضمان توفير عوامل الحياة الآمنة والمستقرة التي ينتظرها المجتمع.
4817 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع