الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
طبيب أطفال - الموصل
تاريخ ابتكار وتطور المحقن
لا شك بأن المحاقن من أهم وسائل العلاج التي يحتاج إليها كل طبيب ، ورغم بساطة تركيبها إلا أن هناك رحلة طويلة من الكفاح استمرت لعدة قرون لتصل إلى شكلها الحالي .
ويقال بأنه (( يرجع استخدام المحقن في الأغراض الطبية إلى أيام الفراعنة . فلقد وجدت بعض المحاقن المعدنية والتي تعود إلى أيام الفراعنة ، كما تم وصفها في البرديات المصرية القديمة ، وهي تشبه إلى حد كبير ما نستخدمه الآن . فالمحقن إذن اختراع مصري قديم واستخدمه الكهنة في عمليات التحنيط مثل إدخال السوائل إلى الرأس من خلال فتحتي الأنف وفي التجاويف الأخرى ))
أدوات الحقن عند الأطباء العرب والمسلمين :
1 . المحقنة العادية : لأول مرة في تاريخ الجراحة يصف الزهراوي كيفية غسيل المثانة ، ويخترع لذلك آلة هي المحقنة العادية التي نستخدمها اليوم فإذا أضيف إليها الإبرة يمكن إدخال الأدوية بواسطتها إلى داخل الجسم ، يقول الزهراوي (( الفصل التاسع والخمسون : كيف تحقن المثانة بالزراقة …تصنع من فضه أو من عاج مجوفة لها أنبوبة طويلة على رقة الميل مجوفة كلها إلا الطرف فإنه مصمت فيه ثلاث ثقب … والموضع الأجوف الذي فيه المدفع يكون على قدر ما يسده بلا مزيد حتى إذا جذبت به شيئاَ من الرطوبات انجذبت وإذا دفعت به اندفعت إلى بعد … فإذا أردت طرح الرطوبات في المثانة أدخلت طرف الزراقة في الرطوبة وجذبت بالمدفع إلى فوق فإن الرطوبة تنجذب في جوف الزراقة ثم تدخل طرفها في الإحليل … ثم تدفع الرطوبة بالمدفع فإن تلك الرطوبة تصل إلى المثانة …)) .
2 . المحقنة الشرجية ( Bulb syringe ) يعود فضل اكتشافها للزهراوي أيضاَ فهو أول من وصف محقنة شرجية مربوطة عليها جلدة واستعملها لحقن الأطفال .
تاريخ المحقنة عند الأطباء الغربيين :
أ – الحقن بالوريد: يعتبر السير كريستوفر فرن أول رواد الحقن بالوريد حيث كان أول من حقن بعض الخمر والبيرة في وريد كلب له وبدأ بدراسة تأثيرها على الكلب . كما أن الطبيب البريطاني تيموثي كلارك اشتهر في هذا المجال ، إذ أنه حقن الماء والبيرة والدم واللبن والخمر والكحول في تيار الدم . وكان التفكير الشائع في ذلك الوقت أن حقن المواد الغذائية بهذه الطريقة مفيد في علاج سائر الأمراض .
كما كان للأطباء الألمان السبق في استخدام الحقن بالوريد كوسيلة علاجية ومن هؤلاء يوحنا ماجور ( 1634 – 1693 ) الذي ألف كتاباً عن الحقن بالوريد كما بدأ في تطوير المحاقن ، فصنعها من الفضة وأمكن ضبط كمية السوائل المراد حقنها . وألف ألمان آخرون كتباً في ذلك منهم جون الشولتز ( 1623- 1688 ) و ايتمواسر ( 1644 – 1683 ) .
وفي وسط القرن السابع عشر بدأ عدد من البحاث الإيطاليين والفرنسيين والإنجليز تجاربهم على بعض الحيوانات وركزوا بحوثهم في دراسة تأثير حقن المواد المختلفة في تيار الدم وما يصاحب ذلك من تغيرات . والحقيقة أن هذه التجارب كانت في غاية الفائدة إذ أمكن من خلالها نعرفة خطوات تجلط الدم كما تبين لهم أن حقن الهواء في تيار الدم يمكن أن يحدث وفاة .
وفكرة تعويض فقد الدم بحقن سوائل ليست بفكرة حديثة ، إذ أنها ترجع إلى سنة 1850 وفي البداية استخدم اللبن كسائل معوض ولكن استخدامه لم يستمر طويلاً وسرعان ما بدأ الأطباء في استخدام سائل آخر تم تحضيره من الماء وملح الطعام ، إذ توصل العالم الألماني هارتوج جاكوب إلى أن السائل الذي يحتوي 9 و. %كلوريد الصوديوم له نفس الضغط الأوزموزي المعادل لمصل الدم ومن هنا بدأ استخدام هذا المحلول الملحي الفيسيولوجي .
ب – الحقن تحت الجلد والعضل : إن أول من قام بذلك الطبيب الإرلندي فرنسيس ريند سنة1844 ، فقد قام بحقن جرام من المورفين تحت جلد مريض يعاني من ألم عصبي حاد .
ويعد الطبيب الفرنسي الفيرد لينون أول من حاول الحقن في مناطق أعمق من تحت الجلد ولقد اختار منطقة الإلية للحقن .
ج - تطور المحقن الطبي : نستطيع القول أن أول من صنع المحاقن بصورة لائقة للاستخدام هو الطبيب جبريل برافاز سنة 1853. وكانت تتكون من ذراع كباس يمكن دفعه إلى الأمام والخلف بواسطة سن لولبي داخل اسطوانة زجاجية ، وبذلك فالسائل يندفع إلى الأمام من خلال مبزلة مركبة بسن لولبي على الطرف الآخر للاسطوانة ، وبضبط اللولب المروحي لدرجة معينة أو بحسب عدد معين من اللفات فانه يمكن ضبط كمية السائل المراد حقنه .
وقد تم تطوير ذلك فيما بعد فلقد ظهرت الحاجة إلى وجود تدرج على الاسطوانة الزجاجية لتحديد كمية السائل المراد حقنه . كما أن ذراع الكباس تم صنعها من مطاط صلد معالج بالكبريت وأما المبزلة فتم استبدالها بالإبر الرفيعة ذات التجويف الذي لا يتجاوز حجم الشعرة .
ثم بدأت الاستعاضة عن السن اللولبي الذي كان موجوداً في مقدمة الاسطوانة لتتصل به الإبرة واستعيض عن ذلك بتركيب الإبرة إلى بروز مخروطي صغير في مقدمة الاسطوانة . كما أمكن فيما بعد صنه محاقن كلها من الزجاج الخالص .
وحين اكتشف العالم «باستور» الجراثيم أدرك الأطباء أن الموت الزؤام الذي ينهي حياة المرضى لم يكن سببه المرض الذي أصابهم وإنما الجراثيم التي تفتك بالعضوية.. ومنذ ذلك الحين بدأ استعمال المحاقن المعقمة بغليها مع الماء حتى الدرجة مئة.. كما ثبتت الحاجة إلى صنع المحاقن من أنواع نقية من الزجاج، خالية من الشوائب حتى لاتتأثر العقاقير بهذه الشوائب، عند دخولها تيار الدم.
وأخيراً تم صنع المحاقن من مادة البولي إثلين والتي تستخدم مرة واحدة ويتم بعد ذلك رميها واعدامها . ويعود اختراع "الحقنة التي تستخدم مرة واحدة" إلى المخترع النيوزيلندي "كولين مردوخ" والذي لاحظ في منتصف القرن الماضي أن عملية تعقيم الحقن الطبية وتنظيفها يتطلب جهدا كبيرا ، وضياع وقت ثمين من اجل ضمان الحقن الطبية التي يتم استخدامها لعدة مرات، حيث كان يلجأ الطبيب المعالج أو الممرض أو أحد أعضاء الفريق الطبي إلى غلي تلك الحقن بشكل مستمر وإضافة مواد تعقيم خاصة عليها لضمان عدم نقلها للأمراض.
فطور "مردوخ" نوع جديد من الحقن الطبية يتم استخدامها لمرة واحدة فقط وتكون معقمة وجاهزة فورا للاستخدام، والتي كان لها الفضل في إنقاذ حياة الملايين من البشر خلال السنوات الخمسين الماضية، حيث أسهمت بشكل كبير في القضاء على الأمراض الناتجة عن العدوى التي كانت تتسبب بها الحقن الطبية القديمة والتي كان يتم استخدامها بشكل متكرر.
1- عازر ، الدكتور سامي عزيز : قصة المحقن ، مقال مجلة الطب العربية ، العدد 10 ، مجلد 3 ، نوفمبر 1984 ، ص 63 .
2- الزهراوي ، أبو القاسم خلف: التصريف لمن عجز عن التأليف – المقالة الثلاثون – معهد ويلكم 1973 ، ص 411- 413.
3- مقال الدكتور سامي حمارنة بالإنكليزية : Drwings and pharmacy in Al – Zahrawis 10 Th century. surgical treatise - by SAMI HAMARNEH Paper 22, pages 81-84 Fram contribution from museum of History and Technology
UNITED STATES NATIONAL MUSEUM BULLETIN 228
SMITHSONIAN INISTITUTION WASHINGTON , D.C.,1961
4- أوجزت هذه الفقرة عن عازر ( مصدر سابق ) .
2151 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع