الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
عائلة جميل الملّا خليل النقيب- الجزء الثالث: جمال جميل
النقيب جمــال جميــل (1913-1949) شخصية عراقية مثيرة للجدل، ولسنا بصدد تقييم ما قام به جمال جميل، وهل كان بطلا قوميا أم رجلا خائنا لمن استأمنه، وما يهمنا تقديم قصة هذا الضابط العراقي الذي استطاع قلب الحكم في اليمن.
لقد فشل جمال جميل بقلب نظام الحُكم في العراق ونجا من الإعدام في بغداد، ونجح في قلب نظام الحُكم في اليمن وأُعدم فيها في حدث من النادر أن يتكرر.
جمــال جميــل هو الولد الثاني لمدير مال لواء الموصل جميل الملّا خليل النقيب الذي كان من الشخصيات الوطنية، وتربطه علاقة وطيدة مع الناشط سعيد ثابت (1883-1941).
سنة ولادة جمال جميل غير مُتفق عليها، وقد ذكرت ابنته (سميرة جمال جميل) أن ولادته كانت في 3 مارس 1913م.
ولد جمال جميل في مدينة الموصل بالقرب من الجامع النوري الكبير، وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في المدرسة الخُضَرية (الإعدادية الشرقية) ومارس كرة القدم وكان من رواد الرياضة الموصلية ونجومها.
دخل جمال جميل الكلية الحربية في بغداد وتخرج منها وكان طالبا نشطا ومن الأوائل، وتدرَّج في الرتب العسكرية إلى أن أصبح برتبة رئيس (نقيب). وأصبح مرافقاً لرئيس أركان الجيش العراقي آنذاك الفريق بكر صدقي (1886ـ1937)، وشارك معه في أول الانقلابات العسكرية في العراق عام 1936 والذي أزاح حكومة ياسين الهاشمي وقُتل فيه جعفر العسكري.
وبعد اغتال بكر صدقي في الموصل في 11 أغسطس 1937 صدر بحق جمال جميل حكم بالإعدام لاتهامه بقتل وزير الدفاع جعفر العسكري (أخو زوجة نوري السعيد). وتم إلغاء هذا الحكم لعدم ثبوت الأدلة ونتيجة لضغوط زملائه ولاعتبارات عشائرية، وقد قضى جمال جميل فترة في السجن قبل أن يُعاد إلى الخدمة، وتم إبعاده عن بغداد حيث نُقل إلى قوة نهرية صغيرة لحراسة الحدود المائية.
في 3 نيسان/ أبريل 1940م؛ وبعد عقد المعاهدة اليمنية العراقية؛ ولغرض تحديث أنظمة الجيش اليمني وتدريبه وفق الاساليب الحديثة؛ وجدت الحكومة العراقية الفرصة مواتية لإبعاد جمال جميل عن العراق.
فقد تم إيفاد بعثة عسكرية عراقية برئاسة العقيد الركن إسماعيل صفوت وعضوية الرئيــس (الرائد) جمال جميل (ضابط مدفعي) والرائد محمد حسن المحاويلي (ضابط مشاة) والملازم الأول عبد القادر محمـــد الكاظمـي (ضابط مخابرة) والملازم سيف الدين سعيد آل يحــيى (ضابط مشاة). كما ضمت البعثة (12) من ضباط الصف، وانجزت هذه البعثة مهمتها مع مطلع 1943 وعادت البعثة العسكرية إلى العراق، بينما بقي جمال جميل في اليمن وتزوج هناك من ابنة آمر المدفعية اليمنية.
لقد عمل جمال جميل في اليمن معلما في الكلية الحربية، ثم آمرا لمعهد صنعاء العسكري وتخرج على يديه طلاب الدفعتين الثانية والثالثة. واستطاع بذكائه التوغل في مفاصل المجتمع اليمني، كما تولى بناء قدرات جيشه، حيث أدخل صنف المدفعية للجيش اليمني، وحضي بثقة ملك اليمن (الإمام يحيى بن حميد الدين) حيث رقاه إلى رتبة عقيد وأولاه مسئولية قيادة الحرس الخاص والذي يُسمى (الجيش المظفر).
وبفضل مهاراته وتفانيه في خدمة اليمن، أصبح جمال جميل محط أنظار النُخب العسكرية والسياسية في اليمن. وتحركت تلك القوى لوضع مخططات الانقلاب على الحكم الملكي، وتم صياغة دستور جديد وطباعته استعدادا لساعة الصفر.
وفي سنة 1948م قاد الرئيس جمال جميل الانقلاب على الحُكم، ويُعرف باسم (ثورة الدستور اليمنية)، وتم قتل ملك اليمن الإمام يحيى بن حميد الدين، وتولى الإمامة الفقيه الزيدي عبد الله بن أحمد الوزير (1885- 1948م)، فيما تم تعيين جمال جميل وزيراً للدفاع وقائدا عاما للجيش اليمني.
لم يستمر نجاح الانقلاب سوى بضعة أشهر، حيث نجح ولي العهد (الإمام أحمد) في استعادة الحكم، والقبض على كل المشاركين في الانقلاب وعلى رأسهم (الرئيس جمال جميل)، وأصدر قرارا بإعدامهم، وبسيفه الشخصي.
وفي ساحة الإعدام، ظل جمال جميل مبتسماً طوال الوقت، وعندما اقترب منه الإمام أحمد قال له جمال جميل: (لقد أحبلناها وحتماً ستلد)، فآثار غضب الإمام وأمر بقطع رأسه فوراً، فقد أدرك أنه كان يعني أنهم فتحوا باب الثورات ضد الملكية لأول مرة وكسروا حاجز الخوف، وأن ثمة ثورات قادمة ستنجح، وهو ما حدث فعلاً في سنة 1962م.
لقد أعدم جمال جميل في (ميدان شرارة) (ميدان التحرير حالياً). وسمي مركز الشرطة المجاور لميدان التحرير باسمه (مركز شرطة جمال جميل)، وكذلك المدرسة (مدرسة جمال جميل).
لقد ظل الجميع في اليمن لا يُذكر اسم جمال جميل إلاّ ويسبق اسمه بلقب (الرئيس الشهيد)، وفي المتحف الحربي بصنعاء ما زالت صور لحظات إعدامه تتصدر الواجهات؛ غير أن الجميع ما زال يقف مذهولاً أمام الحدث، ولا يكاد يصدق كيف يمكن لضابط عراقي لم يمض على وجوده في اليمن سوى أقل من ثماني سنوات أن يفعل ما لم يجرؤ على فعله اليمنيون، ويقود أول انقلاب في تأريخ اليمـــن!؟
شهادات:
لقد خلَّف جمال جميل من زوجته اليمنية ثلاثة أولاد: جميل ومحمد وسميرة. وبعد إعدام جمال جميل انتقلت العائلة إلى السعودية ثم إلى بغداد ثم إلى الموصل ثم عادوا إلى اليمن. ثم سافر الأولاد مع أمهم إلى القاهرة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر وأكملوا دراستهم هناك.
لقد حمل الولد الأكبر (جميل جمال جميل) (1956-2017) الجنسية المصرية وتدرج في المناصب حتى وصل إلى درجة سفير. أما (محمد جمال جميل) فهو يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية مع زوجته الأمريكية وابنته. وأما (سميرة جمال جميل) فقد درست الهندسة المعمارية في مصر ثم حصلت على شهادتي الماجستير والدكتوراه من هناك، وعملت في جامعة طنطا. وبعدها سافرت إلى صنعاء واشتغلت في جامعة صنعاء، ثم رجعت إلى مصر وتزوجت من طبيب وهي الآن مستقرة في مصر.
يذكر السفير (جميل جمال جميل)، أن عمره كان ثماني سنين عندما حدثت (ثورة الدستور اليمنية)، وبعد فشل الثورة أعيد والده جمال جميل إلى صنعاء وأرسل رسالة إلى زوجته قال لها فيها: (أنتِ ستصلين إلى السعودية والأحوال في السعودية أفضل من اليمن، لأنك تقدرين تتحدثين وتبلغين رسالتي للملك عبدالعزيز آل سعود، وتقولين له: "يقول لك جمال جميل: أنتَ أيدتَ الباطل على الحق".. لأنهم أيدوا الإمام في تلك الفترة وساعدوه للقضاء على الثورة). ويضيف ابنه قائلا: (وهذا كان آخر اتصال لنا بالوالد، وبعدها الوالد أعدم ونحن في الطريق ما بين صنعاء والحديدة).
وتحدثت ابنته الدكتورة سميرة جمال جميل عن ذكرياتها عن والدها قائلة: "أنا كنت مولودة صغيرة وقت إعدام والدي، وقد تعرَّض منزلنا (الكائن في شارع جمال) للنهب وقاموا بحفر الجدران والسقوف بحثاً عن ذهب أو فضة، فهربت بنا والدتنا من بيت إلى بيت ومن مكان إلى آخر حتى انتقلنا إلى العراق".
وتضيف الدكتورة سميرة: " وجاء الفرج من بغداد واتصل بنا عمنا الكبير اللواء الركن خليل جميل وتطوع لاستقبالنا والعيش في كنفه". لقد استأجر العم خليل جميل لعائلة أخيه دارا في الموصل في محلة (باب النبي) مقابل دار أهل المرحوم الأستاذ الدكتور محمود الحاج قاسم (أبو زيدون)/ أستاذ علوم الحياة في كلية العلوم جامعة الموصل، وقد أدخل أولاده في المدارس، وكان ولديه جميل ومحمد في مدرسة النجاح الابتدائية سنة 1955، كما كانت دراستهما المتوسطة في المتوسطة المركزية في محلة (النبي شيت). وقد استمر مكوث عائلة جمال جميل في العراق حتى قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م في اليمن.
ثم تضيف الدكتورة سميرة: "بعد قيام الثورة اليمنية جاء المشير عبد الله السلال (رئيس جمهورية اليمن)، إلى العراق، وأعادنا إلى اليمن معززين مُكرمين وكأننا أولاده".
وتذكر إحدى الأخوات من الموصل والتي زاملت (سميرة جمال جميل) في الدراسة وجاورتها في السكن، أن سميرة كانت معها في متوسط المعرفة في الموصل لحين عودتها إلى اليمن، وقد بقيت هذه الصديقة في تواصل معها إلى الآن، وهي تعتز بأصولها العراقية وبعائلتها الموصلية.
https://www.youtube.com/watch?v=jHRtX1yn4S8
528 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع