الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
طبيب أطفال - الموصل
الآلات والأدوات الطبية التي استحدثها الأطباء العرب والمسلمون
لا يستطيع أي باحث في موضوع الجراحة إلا أن ينذهل بما حققه الأطباء العرب والمسلمون في صنع الآلات والأدوات الجراحية وغيرها ، التي (( تحدت الزمن وبقيت لنا منها رسوم عديدة توزعت بين عديد المخطوطات استنسخها المؤلفون والمترجمون ، وحرفت بعض هذه الرسوم ، عن قصد أو عن غير قصد ، حتى كأنها تجردت من عروبتها وإسلامها .
وبقيت هذه الأدوات إلى اليوم تشهد بذلك الازدهار. وهي اليوم تتحدى الدهر وتطالبنا بالتحاور معها علنا نستلهم من وجودها قناعة وإيماناً وبعض الثقة في النفس بالمستقبل.))
سيكون تناولنا للموضوع ضمن خمسة محاور :
المحور الأول : الآلات والأدوات المستعملة في الجراحة
أولاَ : آلات وأدوات الاستكشاف :
1 – منظار المهبل ( vaginoscope ) : لم يعرف الأطباء العرب والمسلمون الفحص بجهاز الناظور والجراحة الناظورية بمفهومنا الحالي . وكل ما استطعنا التوصل إليه في هذا الباب كانت الآلة التي ابتكرها واستعملها أبو القاسم خلف ابن العباس الزهراوي ( 937 – 1025م ) في فحص المهبل في النساء وهو منظار فحص المهبل و(( الذي سماه لولباً وربما أعطى هذه الآلة هذا الاسم لأنها تتحرك على لولب هو محور انفتاحها وغلقها ، وهي تختلف اختلافاً واضحاً عن نظيرتها التي صممها سورانس ))
جاء ذلك في (( الفصل السابع والسبعون : فيه صور الآلات التي يحتاج إليها في إخراج الجنين : صورة لولب يفتح به فم الرحم )) ( صورة 1 ) . ثم يرسم صورة لآلة أخرى تقوم بنفس العمل ( صورة 2 )
2- مثقاب الجمجمة غير الغائص : الزهراوي عند الحديث عن كيفية علاج كسور الجمجمة في كتابه التصريف ذكر ما سماه مثاقب غير غائصة ، وهي من بين الآلات التي تعتبر من
اختراعه ، فقد وصف أبو القاسم وسيلة تمنع المثقاب من أن يخترق تجويف الجمجمة وهذه الوسيلة تتكون من قطعة من المعدن أوسع من قطر الثقب الذي يحدثه مثقاب الجمجمة فتقوم بمفعول السدادة لمنع ( انثـقاب الأم الجافية والمخ ) .
3–آلة المدس = مسبار ( إبرة طويلة ) : إستعملها الزهراوي قبل إجراء عمليات قيلة الحلقوم ( الغذة الدرقية ) وعلاج الأكياس الدهنية ( صورة 3 ).
ثانياً : أدوات التفريغ والتفتيت :
1 . أنبوب سحب ماء الاستسقاء في البطن : إن وصف الرازي لعملية البزل في حالة الاستسقاء والاحتياطات الواجبة لها وبعض مضاعفاتها وصف جيد . .
2 . آلات تفتيت الحصاة :
أ - لقد كان الرازي أول من وصف تفتيت الحصاة بتكسيرها والتي نعرفها باسم lithotripsy ) ) في حالة ما إذا كانت الحصوة كبيرة .
ب - وقد تبعه الزهراوي بتفصيل ذلك أيضاً حيث أنه كانت له آلة استعملها في تفتيت حصاة المثانة واستخراجها ،كما وأن طريقته في تفتيت حصاة مجرى البول لم يسبق إليه أحد .
3 . أنبوبة إستعملها الزهراوي لفتح فتحة الشرج غير المثقوبة( Imporforate Anus )
4 . مسمار إستعمله الزهراوي لمعالجة انسداد مجرى البول الولادي .
5 . استخدام الفتايل والقثاطير : الرازي أول من استعمل الفتائل في العمليات الجراحية كما وصف وصفاً دقيقاً طريقة استعمال ( القثاطير = الأنابيب Catheter التي يمر منها القيح والإفرازات السامة ) ، وهو الذي أدخل عليها الفتحات الجانبية حتى لا تسد بالدم أو الصديد .
ويقول الزهراوي (( إذا اشتد الأمر على العليل ولم وينطلق البول فينبغي أن تستعمل الآلة التي تسمى قاثاطير التي هذه صورتها )) ( صورة4 ) و يقول (( تصنع من فضة وتكون رقيقة ملساء مجوفة كأنبوب ريش الطير في رقة الميل طويلة في نحو شبر ونصف لها قمع لطيف في رأسها )) .ويؤكد الزهراوي على ضرورة استخدام الفتيلة في الأورام الالتهابية ،
ثالثاَ : أدوات الحقن :
1 . المحقنة العادية : لأول مرة في تاريخ الجراحة يصف الزهراوي كيفية غسيل المثانة ، ويخترع لذلك آلة هي المحقنة العادية التي نستخدمها اليوم فإذا أضيف إليها الإبرة يمكن إدخال الأدوية بواسطتها إلى داخل الجسم ، يقول الزهراوي (( الفصل التاسع والخمسون : كيف تحقن المثانة بالزراقة …. وهذه صورتها ( صورة 5 )…تصنع من فضه أو من عاج مجوفة لها أنبوبة طويلة على رقة الميل مجوفة كلها إلا الطرف فإنه مصمت فيه ثلاث ثقب … والموضع الأجوف الذي فيه المدفع يكون على قدر ما يسده بلا مزيد حتى إذا جذبت به شيئاَ من الرطوبات انجذبت وإذا دفعت به اندفعت إلى بعد … فإذا أردت طرح الرطوبات في المثانة أدخلت طرف الزراقة في الرطوبة وجذبت بالمدفع إلى فوق فإن الرطوبة تنجذب في جوف الزراقة ثم تدخل طرفها في الإحليل … ثم تدفع الرطوبة بالمدفع فإن تلك الرطوبة تصل إلى المثانة …)) .
2 . المحقنة الشرجية ( Bulb syringe ) يعود فضل اكتشافها للزهراوي أيضاَ فهو أول من وصف محقنة شرجية مربوطة عليها جلدة واستعملها لحقن الأطفال ( صورة 6 ) .
رابعاَ : الأدوات المساعدة في التنفس والتغذية :
1. قصبة التنفس والتغذية : ومن الطرق الأخرى التي عالجوا انسداد المجاري التنفسية
( الاختناق الحنجري ) بها هو إدخال قصبة معمولة من الذهب أو الفضة ولا زالت هذه الطريقة مستخدمة لإنقاذ مرضى الاختناق وكذلك في التحديد لتوصيل الغازات المخدرة والأوكسجين إلى صدر المريض ولو أنها تصنع الآن من المطاط أو البلاستك .
كما وأدخل ابن زهر طرقاً جديدة في تغذية المرضى عن طريق أنبوبة من الفضة تدخل في البلعوم ، ويعتبر هذا أول وصف لأنبوبة المعدة كما كان أول من أوصى بتغذية المرضى عن طريق الشرج في حالة ضيق المريء .
2 - هناك قرائن تثبت أن العرب قد عرفوا مبدأ الإنعاش التنفسي عن طريق دفع كميات من الهواء عبر الرئتين بالضغط المتناوب وأنهم في طليعة من استعمل المنفاخ لهذا الغرض كما تشير قصة صالح بن بهلة في استعمال المنفاخ لإنعاش إبراهيم ابن عم الرشيد .
المحور الثاني : مبتكراتهم في طب العيون
1 . اختراع القراءة بالكتابة البارزة للمكفوفين : يذكر المؤرخون المعاصرون بأن ( برايل ) سنة 1829 م واستنبط هذا الأسلوب لتعليم المكفوفين القراءة والكتابة . بينما الحقيقة غير ذلك حيث أن أول من استنبط هذه الطريقة هو زين الدين علي بن أحمد الآمدي الذي كان فاقداً للبصر ( عاش في حدود 700 هـ = 1300 م ) وذلك لأنه كان إذا اشترى كتاباً أخذ قطعة ورق خفيفة وفتل بها فتيلة وصنعها حرفاً أو أكثر من حروف الهجاء لعدد ثمن الكتاب بحساب الحروف ثم يلصق ذلك على طرف جلد الكتاب من الداخل . فإذا شذ عن ذهنه ثمن الكتاب أمرّ عليه يده فيعرف ثمنه من الأحرف الملصقة . وهذا الأسلوب بعينه هو الكتابة البارزة الخاصة بالمكفوفين .
2 – النـظـارة ( العينيـة ) : لقد ثبت أن الشرق أسبق من الغرب إلى معرفة النظارة أو ما يسمى بـ (العينية) . فإن أول من عرف العدسة ، العالم ابن الهيثم (ت 430 هـ = 1038 م) . الشائع أن رجلاً إيطالياً اخترع ( النظارة ) بعد المائة الثالثة عشر للميلاد ، ولكن الواقع أنه حسّنها فأول معرفة الناس بها كانت من ديار الشرق ( العربي الإسلامي ) ومنه انتقلت إلى الغرب .
أنشد شهاب الدين بن محمد الشهير بابن العطار المصري ( ت 794 هـ = 1392 م ) :
أتـى بـعد الصبـا شيبي ودهـري رمـى بعد اعتدالي بــاعـوجـاج
كفـى أن كـان لـي بـصر حديد وقـد صـارت عيونـي من زجاج
ولاشك أن الشاعر أراد بالعيون الزجاج ( النظارة ) وكان ذلك قبل 600 سنة .
3 – الأدوات المستعملة في جراحة العين :لا يخلو كتاب من كتب الأطباء العرب في الكحالة ( أمراض العين ) من صور لمجاميع الآلات التي كانوا يستعملونها ، على سبيل المثال هذه صور الآلات التي وردت في كتاب الكافي في العين ( صورة 7 )
المحور الثالث : التعويـض الصناعي للأعضاء والأطراف
إن تركيب الأعضاء المصنعة للإنسان حينما يفقد الفرد عضواً من أعضائه ، كالرجل والأصابع والأنف والأسنان والشعر واللحية ليس جديداً وإنما نجد له إشارات في كتب التراث العربي الإسلامي .
على سبيل المثال عن الرجل المصنعة ذكر الزمخشري الفقيه اللغوي الشهير ( ت 538 هـ / 1244 م ) أنه أصيب في رجله فقطعت واتخذ رجلاً من خشب .
وعن اليد والأصابع المصنعة ذكر ابن قتيبة الدينوري ( ت 272 هـ / 889 م ) في ترجمة خلف بن خليفة ، أنه كان (( أقطع اليد ، وله أصابع من جلود وكان شاعراً ظريفاً )) .
وكان تعويض الأنف إذا انقطعت في الحرب بأنف من فضة أو من ذهب أمراً معروفاً وقديماً(( ويقال أن أول من صنع له أنفاً من معدن هو عرفجة بن سعد ، فقد أصيب أنفه في وقعة يوم كلاب وقد صنع له أنف من ورق ( أي من فضة ) فصدوء وتعفن أنفه ، فأمره الرسول أن يتخذ أنفاً من ذهب لأن الذهب لا يصدأ )) .
وعن تعويض الأسنان المفقودة في حالة سقوطها ينصح الزهراوي بإعادة تثبيتها وتشبيكها بأسلاك الذهب ( صورة 8 ) أو تعويضها بأسنان مصنعة من عظام البقر يقول (( وقد ترد الضرس الواحد أو الاثنين بعد سقوطها في موضعها وتشبك كما وصفنا وتبقى ، وإنما يفعل ذلك صانع دَرِب دقيق ، وقد ينحت من عظام البقر فيصنع كهيئة الضرس ويجعل في الموضع الذي ذهب الضرس ويشد كما قلنا فيبقى ويستمتع بذلك )) .
إن ما جاء في هذا القول أول وصف في التاريخ لمحاولة نقل الأعضاء وتصنيع الأسنان .
كما قام الزهراوي برسم العديد من المجارد ( صورة 9 ) والمناشير ( صورة 10 ) التي كان يستعملها لجرد الأسنان وتعديلها .
المحور الخامس : الأدوات والآلات الـمخـتـبـريـة
إستخدم علماء الكيمياء والأطباء والصيادلة العرب مجموعة كبيرة من الأجهزة المختبرية لتحضير العقاقير والمستحضرات ، وقد ساعدهم في ذلك تطور صناعة الزجاج وتشكيل الأدوات المختلفة منه على هيئة أنابيب ودوارق وانبيقات وأقماع زجاجية وغير ذلك ، واختلفت الآلات أو الأدوات المستعملة بإختلاف الأغراض ، فمنها المصنوع من المواد المعدنية أو الفخار ، ومنها المصنوع من الخزف .
إن كتب العلماء العرب والمسلمين في علم الكيمياء حافلة بشروح مسهبة للأجهزة التي كانوا يستعملونها. ومما يدعو للعجب أن الغربيين قد أخذوا عنهم هذه الأجهزة التي هي من ابتكارات العرب ونسبوها إلى أنفسهم مع العلم بأن قسماً من هذه الأجهزة لازالت تعرف عندهم باصطلاحها العربي .
على سبيل المثال كان الرازي أول من وضع قائمة كاملة للأجهزة الضرورية في المختبرات الكيميائية وأن الأجهزة التي ذكرها في كتابه (( سر الأسرار )) تربو على 35 جهازاً . وقد ذكر طريقة صنعها واستعمالها موضحاً تلك الأجهزة عن طريق رسمها بعناية فائقة . واختلفت مفردات الأجهزة العلمية بناءً على اختلاف المواد الكيماوية وآثارها ، فما كان يمكن حفظه أو استخدامه في أدوات مصنوعة من الزجاج لا يمكن حفظه واستخدامه في أدوات مصنوعة من المعادن والخزفيات .
وأخيراً أقول لم يكن قصدي في هذا البحث تقديم شاهد على فخري وإعتزازي بالمساهمة في إحياء جانب من التراث العربي الإسلامي فحسب ، بل لدفع أصحاب الهمم الصادقة من الجيل الصاعد من شبابنا ، لينسجوا على منواله ويبادروا بأعمال مماثلة تواكب مسيرة البحث العلمي الحديث وترفع عقدة النقص التي تكبل عزائم الكثير منا، وتزيل مقولة أن العبقرية والإكتشافات والإبداع قد حازها الغير من دوننا .
- ذياب ، الدكتور أحمد : أدوات الحضارة ، منشورات جيم / تونس 1991 ص 3 .
- الزهراوي ، أبو القاسم خلف: التصريف لمن عجز عن التأليف – المقالة الثلاثون – معهد ويلكم 1973
ص 489 - 492 .
- الزهراوي : التصريف ، ص 707 .
- الحاوي : ج 7 ص 201 – 202 .
- الحاوي : ج 10 ص 114 .
-الزهراوي : التصريف ، ص 420 .
-المصدر نفسه ص 505 .
- المصدر نفسه، ص 389 .
- عبد العزيز بن عبد الله : الطب والأطباء بالمغرب ، ص 4 .
- الزهراوي : التصريف ، ص 407 .
- المصدر نفسه ، ص 329 .
- المصدر نفسه ، ص 411- 413.
- مقال الدكتور سامي حمارنة بالإنكليزية : Drwings and pharmacy in Al – Zahrawis 10 Th century. surgical treatise - by SAMI HAMARNEH
Paper 22, pages 81-84 Fram contribution from museum of History and Technology
UNITED STATES NATIONAL MUSEUM BULLETIN 228
SMITHSONIAN INISTITUTION WASHINGTON , D.C.,1961
- الحنجرة وأمراضها في الطب الإسلامي : د. مصطفى أحمد شحاتة – من أبحاث مؤتمر الطب الإسلامي الأول – الكويت 1401 هـ – 1981م .
- حسين ، الدكتور محمد كامل : الموجز في الطب والصيدلة عند العرب ، ص 105 .
ابن أبي أصيبعة : عيون الأنباء ج3 ص 52- 55 .
ابن أبي أصيبعة : عيون الأنباء ج3 ص 52- 55 .
- الصفدي ، صلاح الدين : نكت الهميان في نكت العميان .
- عواد ، ميخائيل : لمحات من أثر الشرق في الغرب – مجلة المجمع العلمي العراقي ، مجلد 35 ج 2 نيسان 1984 ، ص 239 – 240 .
- الدينوري ، ابن قتيبة : الشعر والشعراء – تحقيق مصطفى السقا ، ص 273 .
- مسند بن حنبل ، سنن البخاري .
- الزهراوي ، أبو القاسم خلف بن العباس : التصريف لمن عجز عن التأليف مع الترجمة الإنكليزية - طبعة معهد ويلكم ، لندن 1937 ، ص 61 .
- منصور ، أحمد مختار : مقال دراسة وتعليق على كتاب التصريف – الجزء الثلاثون – للزهراوي ، مجلة معهد المخطوطات العربية ، الكويت ، المجلد 26 ، ج 2 ، ص 522 .
- محمد ، الدكتور محمود الحاج قاسم : الموجز لما أضافه العرب في الطب والعلوم المتعلقة به - مطبعة الإرشاد ، بغداد 1974 ، ص 76 .
- للتوسع في البحث يراجع قنواتي ، الدكتور شحاتة : كتاب تاريخ الصيدلة والعقاقير – ص 145 .
4741 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع