صبري الربيعي
حصريا للگاردينيا...
أثارت المناقشات الحارة الجارية على صفحات (الگاردينيا) المزدهرة , حول مقالات الأستاذ عبد الرضا في (تفكيك) منهج د . سيار الجميل في كتابة التأريخ ,لديّ الرغبة في الكتابة حول الموضوع .
لقد اختلفت مقاييس الكتابة في موضوعة التأريخ , منذ قرأنا في ذلك عن الكتابة لمعاصرة في هذا الموضوع ..فقد كنا نقرأ للمؤرخين الرواد تثبيتا لحقائق منسوبة لمصادرها التي تذيل عجز المكتوب أو تشير اليه ب(نجمة), سواء كان كتابا او مقالة اوحتى محاضرة ..فيما تخلص المؤرخون المتكاملون أو أنصافهم أو أرباعهم , من قيد التوثيق, الذي ربما اعتبروه محددا لسرحانهم في الكتابة , باجواء عاطفية قد لاتنتمي الى منهج كتابة التأريخ دون ثلم للمصداقية في ذلك .ومنهم من يؤشر بعض استذكارات عن احداث او مشاهدات اومواقف , وهنا تدخل الكثير من الشكوك والظن , في مدى انتماء مايكتبون عنه الى التأريخ !
لاشك ان التصدي الى كتابة التأريخ , لايمكن ان يتقبل تلك الكتابات المنتمية الى العاطفة والتحزب والتنزيه , ما لم تكن هناك وثائق ومصادر , لاتقبل الشك في إصالة وصدقية هذه المصادر. كوثيقة او صورة او شهادة , وما الى ذلك من مصادر التوثيق والثقة , ولذلك فاني شخصيا لاأثق ولا أقرأ كتابات تنحى نحو قال فلان عن علّان ..فعملية النقل في التأريخ رغم أنها تلقي الأضواء على أمر ما , الا أنه كرماد يزال عن جمر ..فما نفع الرماد فيما يبقى الجمر راكدا ؟
ومسئولية تنزيه الكتابة في التأريخ , أمر طالما أقلقني طوال عامين ماضييين , كتبت خلالهما كتابي (اوراقي في الصحافة والحياة) , حيث أن معضلتي الجسيمة كانت ( كيف لي الكتابة في هذا الموضوع ,بوجود كثير من الأشخاص الذين جاء ذكرهم في الكتاب أحياء ـ اتمنى لهم طول العمرـ ), وكم لهؤلاء الأشخاص من أبناء بأمكانهم الدفاع عن آبائهم ؟ ,أو معارضة ماكتبته , او ترك آثار سلبية في نفوسهم , ربما يأخذون عليّ ما كتبت شخصيا عن أولئك الأباء .ولكن عزائي كان في فتحي الباب واسعا , لأية ملاحظات يتفضل بها من يهمهم امر التوضيح او حتى التنزيه , من خلال ذكر عنواني الخاص في نهاية الكتاب ! كما أني قد وجدت لنفسي مبررا لإحتمالية السقوط في شرك العاطفة , من خلال التمسح بالمشاهدة , والقرب من الأحداث من دون الإعتماد على المرويات !
وبسبب من ان الموضوع الذي تصدى له الأستاذ عبد الرضا هو موضوع يحظى بالإهتمام الواسع من قبل الجمهور, على شتى انتماءات افراده , وعقائدهم ورؤاهم سواء كات مؤصلة او هامشية أو ساذجة ,فان محاولة التصدي لتوضيح ما إلتبس في ذاكرة القاريء من معلومات تتناول مراحل خطيرة من تأريخ العراق , غابت فيها الحقيقة وتشابكت خلالها رؤى الناس وقناعاتهم ,وتقاطعت أبانها الأفكار والعقائد السياسية والدينية والمذهبية , مما أنتج معضلات حقيقية تنال من العلاقات المفترضة بين ابناء الشعب العراقي ..والخطير في الأمر ان انعكاساتها لمّا تزل مؤثرة في العلاقات السياسية والإجتماعية التي نعيشها , ومن تمنياتي ان تبقى وجهات النظر في الشخصيات والأنظمة التي سادت ثم بادت في إطار الحوارات الهادئة المفيدة والبناءة , التي لاتخدش كرامة ولا تهين قناعة ولا تنال من موقف !
كتب سيّار وناقش عبد الرضا
لقد أخذ الأستاذ عبد الرضا على الأستاذ سيّار الجميل في تصديه للكتابة ,حول ليلة مقتل الملك فيصل الثاني والأمير عبد الإله والعائلة المالكة , وجزئيات اخرى تخص كل من العهد الملكي والجمهوري , انحياز السيّار لعاطفته الإنسانية ومباعدته لمسئولية الكاتب .. كما أن عبد الرضا قد أخذ على السيار الوقوع في تناقضات تخص مضامين وردت حول كثير من الجزئيات , وهذا أمر يقع في منهج التحليل , وكان لابد من تصحيحه لنرى العرض وافيا لمتطلبات الوضوحي ايراد القصة او الفكرة ..كما ان عبد الرضا كان بارعا في ذكر جزئيات الجمل وتناقضاتها التي جاءت في كتابة الأستاذ سَيار ..وفي المحصلة النهائية وجدنا ان الأستاذ عبد الرضا قد استهدف تفكيكا لا تشكيكا لماكتبه د. سيارالجميل, وهذا نهج جديد راق , لنقد الصياغة الفكرية او الأدبية , نحن في أمس الحاجة اليه , لتصحيح أساليب غير وفية لمنهج الكتابة في التأريخ ..كما أنه جوهر مانحتاج اليه في مرحلة هامة من مراحل فعل الكلمة في أذهان المتلقين, من أجل أن نرى كتابة التأريخ في أنصع وأصدق وأأمن صورها .. والمثير في الأمر ان مسئلة الحوارات الفكرية والأدبية في زمننا الحاضر, قد تراجعت الى حد كبير , فلم نعد نقرأ تلك الحوارات التي تثري المنتج الفكري, او ألأدبي , ليتحصل القاريء المستنير على الحقيقة في أي موضوع من المواضيع المثارة , وهذا من وجهة نظري أحد الأسباب الجوهرية في رؤية منتجنا الفكري او الأدبي , على ضمور لايتناسب مع تاريخ الثقافة في العراق, التي رادت وسابقت الثقافة المصرية واللبنانية .
المثير في تصدي الأستاذ عبد الرضا الى تفكيك كتابة د. سيار الجميل , مااثاره ذلك التفكيك لجهة الأراء المتناقضة ,التي أدلى بها السادة المعلقون في (الگاردينيا) , التي جاء بعضها على رصانة معبرا عن قناعات محترمة , فيما ذهب آخرون الى اانيل من فئات اجتماعية أصيلة , بنت العراق بعرق وكدح لم يبذله آخرون عاشوا في ابراج عاجية , حتى وصل الأمر الى ترقية سكان مناطق معينة في العراق, على مناطق أخرى, وكأني بهؤلاء السادة يكشفون عن رغيتهم في أن نعود الى التفكه بنكات ومرويات مصنّعة ,عن (هبل) بعض الناس من مناطق معينة, كحكاية (الكردي الذي سألوه : أين أذنك ؟ فمد يده اليمنى الى أذنه اليسرى) , او كثير حكايات تؤشر سذاجة الريفي الجنوبي أو (سفاهة مطيرجية ) بغداد..أن مثل هذه المسالك في التناول تنطوي على خطورة كبيرة تنال من كرامات العراقين , وتحط من قدرهم ..نعم يمكن تداول كل ذلك بشكل محدود في الرواية او ايراد شهادة ما ..ولكن في العموم كل ذلك عبارة عن مرويات مصنعة ,ربما بوسائل قاصرة عن استحضار الإحترام لشرائح اجتماعية ..إذ قادت العصبية بعض الكتاب الى الدفاع عن اصولهم عبر ايراد صفحات طويلة ومعمّقة تؤصل لكلمة (الشروگي) , حيث نعرف ان (الشروگية ) هم أحفاد السومريين , وان كلمة الشروكي و(چا) هي كلمات بابلية وكلدانية وردت في النصوص السومرية !
المهم عندي ..ولادة اسلوب متمنى الحصول عليه في موضوعة النقد, برؤية علمية أفادنا بها الأستاذ عبد الرضا الذي اتمنى عليه مواصله نهجه البناء هذا, لنتعلم ويتعلم منه من يتصدى الى كتابة التأريخ,حيث سنحذر وسيحذرون كثيرا من الكتابة وفق الأهواء , لكونهم يعرفون أن وراءهم من يرصد ويقوّم..
اسجل هنا كثير احترامي لجهود الأستاذ د. سيّار الجميل في كتابة التأريخ,وتمنياتي برؤية منتج يتوفرعلى العلمية والموضوعية والوفاء للحقيقة .
مع تقديري للجميع
4105 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع