بسام شكري
حسن حافي- قصص واقعية من الحرب المنسية
على الرغم من مرور اكثر من خمسة وثلاثين عاما على انتهاء الحرب العراقية الإيرانية ومشاركتي في سنوات عديدة في الخطوط الامامية حيث الحياة تحت الأرض في الملاجئ ودرجات الحرارة المختلفة والقصف والمعارك والدوريات والكمائن في ارض العدو , فان هناك احداث وشخصيات مرت علي خلال تلك السنوات القاسية لم أتمكن من نسيانها وكلما ذكرت تلك الحرب الملعونة تذكرتها , ففي بداية 1982 عندما كنت في القاطع الأوسط من ساحة العمليات انتقل لواءنا من مكان الى اخر وتوزعت أفواج اللواء لمساحة طويلة كان نصيب فوجنا منطقة جبلية وعرة جدا وكانت واجهة جبهتنا تشرف على وادي كبير فيه طرق كثيرة وجداول مياه وبعض القرى الطينية وفي النهاية كانت سلسلة جبال مرتفعة جدا وكان العدو تحت تلك السلسلة لكنه يقوم بدوريات في الأرض الحرام مثلنا والمسافة بيننا تبعد تقريبا أربعة كيلومترات بالعمق ومدافع 106 المحمولة على سيارات السانتانا الاسبانية لا تصل الى حافة الجبل حيث القوات الإيرانية وكذلك
الصورة رقم 1
بنادق القنص ورشاشات البي كي سي , وكانت رشاشة الدوشكا تصل قريبة منهم فقط , لكن المدفعية العراقية كان تدك حصونهم او تضرب عجلاتهم التي تعبر الجسر الصغير الذي تحت الجبل وهم لا يتمكنون من التقدم خلال النهار الى اتجاهنا خوفا من قصفنا وكذلك نحن لا نتمكن من التقدم اليه خلال النهار لكن الطرفين ينزلون دوريات وكمائن خلال الليل الى الأرض الحرام التي بيننا , ان المنطقة التي تموضعنا فيها لم يسكنها انسان من قبل حيث الاراول الملونة والتي يبلغ طول بعضها متر تملء الشقوق والمغاور والكهوف وتتحرك ببطء كأنها تماسيح والثعابين قد ظهرت في بداية وجودنا ثم هربت من المكان وقد قتلنا الكثير منها وكانت المنطقة التي ضمن مسؤوليتنا خمسة كيلومترات عرض وأربعة كيلومتر في العمق الإيراني ,قمنا ببناء المراصد وملاجئ القتال في مواجهة العدو حيث استعملنا الأحجار الموجودة في الجبل واكياس الرمل في بنائها وقمنا بتسقيفها بخشب السكة الحديد الذي وجدناه في طريقنا للمكان الجديد وفوق الخشب والواح الزنكو وضعنا صخورا كبيرا واتربة لكي تؤمن حمايتنا عندما تقع القنابل على الملاجئ فتنفلق باصطدامها بالصخور دون ان تخترق الملجأ , اما ملاجئ النوم فقد عملناها في الجهة الخلفية للجبل أي عكس اتجاه العدو , العمل هناك صعب جدا لان الأرض صخرية ولا يوجد تراب يمكن حفره وكنا نختار تجاويف واشباه كهوف ومغاور في الجبل لنقوم برصف اكيال الرمل والحجارة وعمل غرف لها سقوف وابواب ,
وكان صعود الجبل يستغرق خمسة وأربعين دقيقة وكانت البغال تصعد الجبل وهي محملة بجلكانات الماء وصناديق ارزاق المعركة بساعة كاملة , ونحن في وضع ترتيب أماكن السكن واستطلاع المنطقة والتعرف عليها جاءتنا وجبة من الجنود الاحتياط وكان غالبيتهم اكبر سنا منا وكان بينهم مقاتل مميز اسمه حسن وهو من منطقة شعبية من ضواحي بغداد حنطي اللون شعره اسود سرح وطويل لا يتناسب مع عمره ويرتدي خاتم بحجر كبير في يده اليمنى واحد اسنانه الامامية من اسفل الفك مفقود وعندما يتكلم يظهر كان ثقبا مظلما في تجويف فمه ولديه سن اخر في الأعلى قد عمله من الذهب على عادة بعض الناس في ذلك الزمن وحسن يضحك بمناسبة وبدون مناسبة وعندما يضحك تظهر تضاريس فمه العجيبة بعد ان يفتح شفته الكبيرة التي لا يناسب حجمها حجم وجهه حيث تمتد شفتيه من الفك للفك عندما يضحك , حسن هذا كان شخصية غير مألوفة لنا جميعا فهو يضحك بكل المناسبات سواء كانت حزينة او سعيدة ولا يتمكن من الجلوس في مكان واحد لفترة قصيرة فهو يلف طول النهار من ملجأ الى اخر ويمشي طول اليوم بين المراصد واذا وجد في المكان الذي يدخله ماء او شاي فانه يشرب بدون استئذان واذا دخل مكان وكان الجنود يأكلون بمجرد ان يشاهد الاكل يقول عبارته الشهيرة : لا سلام على طعام ويجلس ويبدأ الاكل بدون ان يعزمه احد على الاكل , حسن كان طول الوقت يبتسم ويقول النكات ويضحك عليها لكنه عند الاكل لا يتفوه بكلمه واحدة فتراه منهمر على الاكل ونادرا ما يستعمل ملعقة الطعام ويستعمل يده الكبيرة التي تشبه كيلة الشفل يغرف من قصعة الطعام ما يتمكن ويرسلها الى فمه الكبير الواسع وغالبا كان يبلع الطعام بلعا دون ان يمضغه , وبعد كل طعام او شراب يبدأ حسن بالتدخين فهو يدخن كل أنواع السجائر التي يحصل عليها ولم يكن يشتري علبة سكائر ولم يشاهد احد منا ان حسن يملك علبة سكائر الا عندما يعود من الاجازة لكن سرعان من يدخنها بسرعة ويعود لطلب السكائر من الاخرين واذا ما قدم له اكثر من شخص سيكاره في نفس الوقت فانه يأخذ الاثنين معا الأولى يضعها في فمه الواسع والثانية يضعها فوق اذنه وغالبا ما كنا نشاهد حسن يسال الاخرين : ما هي سكائرك لرغبته بشحذ سيكاره وفي نفس الوقت قد حشر سيكاره على اذنه كاحتياط , مع مرور الأيام اخذ حسن على الجميع واصبح صديقا للجميع وكان في الغالب يخلع قميصه من شدة الحر ويبقى بالسروال ونحن حوله كشباب كنا نستحي من خلع ملابسنا امام الاخرين لكنه كان يتصرف وكأنه في بيته وعندما خلع قميصه لأول مرة تعجبنا من كمية الوشم الذي يغطي جسمه مما يدل على انه كان خلال حياته من رواد السجون حيث ان عادة الوشم كانت منتشرة في السجون في تلك الأيام ومع خلع قميصه اخذ يخلع حذائه ويمشي حافيا وعندما يكون لدينا زائر يلبس حذائه العسكري بسرعة لكن ما ان يغادر الزائر حتى يخلع حسن حذائه العسكري وفي أي مكان كان وممكن يخلع فرده في مكان وفرده أخرى في مكان اخر وكلما راينا فرده حذاء في مكان ما علمنا ان حسن قد مر من هنا ومع مرور الوقت اطلق عليه المقاتلين اسم حسن حافي ولم يزعل حسن حافي من لقبه الجديد لأنه لم يعارض أي شخص ويقبل باي شيء ويتكلم بكل شيء كانه خبير في ذلك الشيء ولم يتمكن على مطاولته في سلوكه هذا الا زميل له تعرف عليه خلال التحاقه بنا وزميله هذا اسمه شعبان وكان شعبان يقول لنا أشياء غريبة لم تكن مألوفة لدينا وهو كجندي احتياط كبير في السن خبرته في حرب الشمال فقط ولا يعرف أي شيء عن الكمائن الدوريات وأسلوب القتال الذي نمارسه لأنه قضى معظم حياته العسكرية في شمال العراق في الربايا ,
الصورة رقم 2
والربية (الربيئة) هي مرتفع يشبه التل فوقه قد بنيت غرفة محصنة تستعمل للنوم والقتال وتقع الربايا على الطريق الذي تمر بها السيارات بهدف حماية الطريق من المقاتلين الاكراد وكان غالبا ما يتكلم عن طرق القضاء على القمل في تلك الربايا ودور القمل في تعكير جو الربية ونادرا ما كان يتكلم عن أي خبره عسكرية ومع احتكاكه مع حسن حافي تولدت لديه روح المنافسة لكنه لم يتمكن من منافسة حسن حافي في شيء سوى في شيء واحد هو ما يدور في الجهة المقابلة لنا أي تحركات العدو لان حسن حافي لم يكن مهتما بذلك الجانب والمهم عنده قضاء الوقت بالمرح والاكل والتدخين وممازحة الجميع , وحسن لم يصدق بالأساس ان هناك عدو لأنه لم يسبق له الاشتباك مع العدو او رؤيته وكان يعتقد كما يقول بان الإيرانيين ينامون في بيوتهم ولديهم مدفعية تقصفنا فقط , وأول منافسة بينهما ظهرت في احد الأيام عندما تم الغاء الاجازات الشهرية لنا لذلك الأسبوع بسبب انذار بقرب تعرضنا لهجوم حيث أوقفت الاجازات لحين تجلي الموقف وكان شعبان في المرصد مع مجموعة من المقاتلين ودخل عليهم حسن حافي في المرصد
وكان المرصد يحتوي على قناصة ورشاشة متوسطة وناظور بعيد المدى يرصدون به تحركات العدو وكانت الجبال التي خلفة تكللها الثلوج وكنا بالكاد نرى خط ابيض فوق الجبال يمثل الثلوج , كنا نناقش موضوع الاجازات ومتى سيتم فتح الاجازات مرة ثانية لان الجميع قد تم ترتيبه في وجبات اجازات منتظمة وإيقاف الاجازات يعني ان الجميع سيتأخر لان موعد اجازته سوف يزحف أسبوع على الأقل , ونحن مشغولين في النقاش فجأة صاح شعبان ان لا هجوم علينا وان الإيرانيين يستعدون للنزول في اجازاتهم وعندما سألناه كيف علم ذلك قال انه شاهد الجنود الإيرانيين وهم يتهيؤون للإجازة ومع تكاثر الأسئلة عليه كيف شاهد ذلك بالناظور قال انه شاهد ورقة إجازة في جيب احد الجنود الإيرانيين وهنا اخذ الناظور مقاتل اخر كان يقف الى جانب شعبان للنظر فلم يشاهد شيئا وتناوب الجميع على الناظور فلم نشاهد شيء وقلنا لشعبان كيف شاهدت إجازة الجندي في جيبه ونحن لم نرى حتى جندي نفسه ؟ هنا دخل حسن حافي على الخط وسأله ممكن تخبرني ماهي نوع السكائر التي يدخنها ذلك الجندي؟ وفي ذلك الجو المشحون المتوتر ضج المكان بالضحك من نكتة حسن حافي الغير متوقعه.
الصورة رقم3
مواعيد الدوريات والكمائن الخاصة بنا كانت أسبوعية أي ان كل مقاتل يأتيه الدور للمشاركة مرة أسبوعيا فمرة دورية ومرة كمين وكانت الدورية في الأرض الحرام على يسارنا وكان الكمين على يميننا وهو أقرب لمنطقة الوسط وتحتنا , وكانت هناك اسلاك شائكة ومعرقلات والغام على عرض جبهتنا لمنع العدو من الصعود الينا عند الهجوم وقد قمنا بعمل فتحة في الاسلاك الشائكة كممر لنا تبدا من احد مراصدنا في الأعلى وتخترق حقل الألغام وتصل الى الأرض الحرام وهذا الطريق تسلكه الدورية والكمين ويتم اغلاقه من الأعلى عند خروج الدورية والكمين , وكان حسن حافي لا يؤمن بان هناك عدو امامنا لان كل الأمور لديه كانت عبارة عن مزح ونكات حتى بندقيته كانت شبه فارغة من العتاد وعندما كان يأتينا انذار ترقب هجوم او انذار اسلحة حرة او أسلحة مقيدة ( في حال كان هناك طيران معادي يكون الإنذار أسلحة حرة أي يجب ضرب الأهداف الجوية واذا كان هناك طيران عراقي يكون الإنذار أسلحة مقيدة ) فان حسن حافي لا يهتم وبندقيته معلقة على الحائط طول الوقت وفي اول دورية قتالية خرج فيها حسن حافي كان لديه مخزن واحد غير مملوء وعند تفتيش أسلحة وعتاد مجموعة الدورية قبل نزولهم شاهد عريف الفصيل ان حسن بمخزن عتاد واحد نصف فارغ فأعاد حسن الى مكانه واستبدله بمقاتل اخر قريب منه وتخلص حسن حافي من تلك الدورية وفي الأسبوع الذي بعده جاء دور حسن حافي في الكمين وبعد تأكد عريف الفصيل من بندقية حسن وعتاده سمح له بالنزول مع الكمين , حسن كعادته لا يتمكن من الجلوس في مكان واحد فكيف سيتمكن من الجلوس في الكمين دون ان يتحرك او يدخن او يمشي او يتكلم او يضحك طوال الليل ؟ حسن ذكي بخبث ففي بداية الليل ادعى بان بلعومه يحرقه ولا يتمكن من الكلام حتى ولو بصوت منخفض جدا واخذ زاوية في الكمين وجلس القرفصاء ولم ينتبه احد اليه الا بعد ساعتين على صوت تصاعد شخيره وقد زجره امر الكمين وطلب منه عدم النوم وبعد قليل طلب حسن حافي من امر الكمين السماح له بالذهاب للتبول فسمح له امر الكمين على ان يأخذ سلاحه معه وذهب حسن ولم يعد تلك الليلة وعاد الكمين وتم تسجيل حسن حافي مفقود وقد أصاب الجميع الحزن على حسن حافي وكانت مراصدنا جميعا خلال نهار ذلك اليوم تراقب الأرض الحرام عسى ولعل يظهر حسن حافي لكن دون جدوى وافتقد الجميع حسن حافي , شعبان الكذوب من جانبه قال بانه رأى شيئا يتحرك بين التلال ونظرا لكذبته السابقة حول رؤيته لإجازة جندي إيراني يضعها في جيبه والمسافة بيننا وبين العدو عدة كيلومترات لم يصدقه احد , بعضنا قرا الفاتحة على روح حسن وبعضنا قال بان حسن عميل إيراني ذهب الى الإيرانيين ولن يعود وكان ذلك اليوم طويلا مملا كئيبا على الجميع وفي المساء استعدت مجموعة الدورية ومجموعة الكمين للنزول الى الأرض الحرام كعادتها اليومية وقبل ان تبدأ عملية تفتيش النازلين والتأكد من أسلحتهم صعد المرتفع الينا شبح له ثلاثة رؤوس فتفرق المقاتلين مستعدين بأسلحتهم على جانبي فتحة الأسلاك الشائكة وبكل ثقة وهدوء وصل الشبح الى الفتحة التي ينزل منها مقاتلي الدورية والكمين وهنا كانت المفاجأة فقد كان الشبح حسن حافي يحمل معه ثلاث بنادق جي سي إيرانية من النوع الطويل حملها على ظهره وعلى راس كل بندقية قد وضع خوذه وبندقيته الكلاشنكوف في يده جعلها عصا يتكأ بها للصعود وبكل هدوء اجتاز نائب الضابط الواقف لتفتيش النازلين وكأن شيئا لم يكن وقال السلام عليكم ومضى الى الداخل وهنا لم يتمالك الجميع انفسهم من الضحك فامسكوا به وسألوه اين كان طول يوم امس؟ لكنه لم يجيب ولم يتكلم وطلب ماء وسكارة وبعد ان شرب ودخن واكل قال بانه عندما راح للتبول في الظلام اخذته قدماه في طريق العودة في الظلام الدامس باتجاه العدو ومشى مسافة طويلة علم عندها علم انه قد تاه عن طريق العودة فجلس خائفا في منخفض معتقدا بانه وصل الى ارض العدو وانه سينتظر الضياء الأول للفجر حتى يتعرف على طريق العودة لكي يعود الينا , وقبل طلوع الفجر أي قبل الضياء الأول بقليل ما ان استطاع الرؤية شاهد على مقربه امتار قليلة منه ثلاث جنود إيرانيين جالسين في حفره فما كان منه وقد شدته المفاجأة الا ان صرخ صرخة واحدة كأنها صرخة الهنود الحمر هب الجنود الإيرانيين من مكانهم معتقدين انه جني قد ظهر لهم فهربوا بعد ان تركوا أسلحتهم وخوذهم ومع ابلاج الفجر وتمكن حسن حافي من الرؤيا عاد الى مكان الكمين ونام هناك في حفره طول النهار الى ان حل المساء وقبل حلول الظلام الأخير وصل الينا مع البنادق والخوذ الثلاثة , لقد تم استدعاء حسن حافي من قبل امر الفوج ومن بعده امر اللواء للتحقيق معه لان اسمه قد نشر مفقود ولا يجوز الغاء البرقية التي أرسلت الى مقر الفرقة الا بعد التحقيق معه وبعد عدة أيام عاد الينا حسن حافي بنفس الضحكة والمرح وكأن شيئا لم يكن وعندما سألناه عن التحقيق وما حقيقة غيابه تلك الليلة فقال بانه اخبر المسؤولين بتفاصيل تلك الليلة فقد بقي جالسا طول الليل خائفا يترقب وان الجنود الإيرانيين الثلاثة كانوا في دورية في الأرض الحرام وان المسافة التي قطعها مشيا الى الأرض الحرام كانت بحدود ساعة مشي على الاقدام .
لم نكن نعلم خصوصيات حسن حافي في البداية لكن بعد تلك الواقعة اخذ الجميع يراقب حسن حافي ومن خلال المراقبة تبين ان حسن حافي كان يجلب معه كمية من العرق ( الخمرة العراقية) عندما يعود من اجازته للبيت و يستهلكها يوميا قبل النوم وما ان ينتهي العرق في الأسبوع الأول حتى يبدأ بسرقة الكولونيا التي يستعملها المقاتلين بعد الحلاقة ويشربها واخذ الجميع ينتبه الى ان قناني الكولونيا بدأت تفرغ بدون ان يستعملها وعندما واجهنا حسن حافي بانه يسرق الكولونيا قال بان حرارة الجو هي التي تقوم بتبخير الكولونيا من القناني الى ان جاء يوم وقد راقبه ثلاثة من المقاتلين وهو يتسلل الى احد الملاجئ ويفتح اقرب حقيبة ويبدا بشرب الكولونيا فدخل عليه الثلاثة وصارت فضيحة لكنه لم يبالي بتلك الفضيحة وقال بانه لا يتمكن من النوم بدون ان ( يعدل الجمجمة ) ومصطلح يعدل الجمجمة مصطلح شعبي يستعمله مدمني الكحول في العراق في ذلك الزمن ويعني شرب الخمر حتى الوصول الى حالة السكر , لكن توتره ازداد مع الأيام لعدم توفر الكولونيا بعد ان انكشفت لعبته واخذ المقاتلين لا يستعملون الكولونيا بعد الحلاقة.
من نوادر حسن حافي انه في احد الأيام ونحن في نهار بارد جالسين خلف الجبل في بطن الوادي ملتفين حول تنكة قمنا بعمل ثقوب جانبية فيها واشعلنا النار للتدفئة وللمسامرة والحديث ظهرت من احدى جهات الوادي مجموعة من الذئاب وكانت تمشي بهدوء باتجاهنا كقطيع وما ان احسسنا بها حتى وقفنا جميعا فتقدم احدها بسرعة باتجاهنا ولم يكن لدينا أي سلاح قريب منا , وبحركة لا ارادية قام احد المقاتلين بضرب التنكة المليئة بالنار باتجاه الذئاب فتراجعت لكنها استعدت للهجوم علينا مرة ثانية وتوزعت بشبه قوس , نحن لم يكن لدينا سوى الصخور على الأرض وقطعة خشب واحدة كنا نريد اشعالها ولم نشعر الا وطلقات عديدة باتجاه الذئاب جرحت واحدا منها فتراجعوا عنا ثم عادت من حيث جاءت وتطلعنا الى مصدر النيران فاذا حسن حافي يقف امام ملجأ مرتفع عنا وفي يده بندقيه ويبتسم فرحنا كثيرا بما قام به حسن حافي وصعدنا الى حسن لنشكره وسألناه كيف قام بذلك فقال بانه شاهد قططا من بعيد ولم يهتم وما ان اقتربت منا امتار حتى تبين له ان حجمها كبير وانها كلابا وليست قططا كما ظن في البداية وما ان هجمت علينا قام بضربها ولم يعلم حسن حافي بان تلك كانت ذئاب وليست كلاب الى ان اخبرناه بذلك ولكنه لم يصدق واعتقد باننا نمزح معه, ولحسن حافي مواقف واحداث ظريفة لجميع من عايشهم وقد تذكرت ما علق بذاكرتي من احداث وكتبته باختصار شديد.
في يوم ممطر جاءت برقية من مقر اللواء لنقل مجموعة من المقاتلين لأحدى الوحدات الخلفية وكان من بينهم حسن حافي وكانت تلك مفاجأة لم يتوقعها أحد، ودع حسن حافي الجميع وقد غابت الكلمات عن فمه لارتباكه وحزنه على فراقنا بعد ان قضى معنا ستة أشهر، حسن حافي احدى شخصيات ذلك الزمن الذي يطلق عليه البعض الان الزمن الجميل، لقد اختفت تلك الشخصيات البسيطة من المجتمعات العربية وأصبحت جزءا من تاريخنا وتراثنا الثقافي والاجتماعي وأصبحنا نسرد تاريخها قصصا وحكايات.
ملاحظة: الصور رقم 1 و 2 و3 أشخاص حقيقيين في القصة.
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
1788 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع