ولاء سعيد السامرائي
المهجرين: جرائم داخل جرائم
لأول مرة منذ بدء مسالخ الشعب العراقي على يد الحكومات الفاشية للمنطقة الخضراء، يصدر مقررون امميون تقريرا يكبل هذه الحكومات بما تقوم به من جرائم تعذيب للسجناء ويسمي قانون ارهابها بالغامض ويقر باستهداف رجال السنة حصرا، ويرى كتٌاب التقرير ان ما حدث من جرائم منذ 2016 ترقى الى جرائم ضد الإنسانية، كما يشير التقرير الى المسؤولية الجنائية لاي مسؤول متورط في هذه الأفعال سواء بشكل مباشر او عن طريق الموافقة، ويقول ان الاستخدام السياسي المزعوم لإحكام الإعدام وخاصة للذكور العراقيين من السنة هو أمر مثير للقلق. ولأول مرة أيضا يتحدث تقرير اممي عن جرائم تطال مكون معين ويخص سجن الناصرية بالاسم حيث تجري حفلات شنق الأبرياء بشكل منتظم على طول العام آخرها قبل عيد الأضحى، اذ نشرت مواقع وحسابات شخصية قوائم بأسماء الأشخاص الذين تم اعدامهم، أحدثت ضجة بين المواطنين اضطرت فيها وزارة العدل لتكذيب الخبر يوم 20 حزيران الماضي. لكن السجانين يسربون بين الحين والآخر فيديوهات قاسية وعنصرية وطائفية نكاية بالآخر الى مواقع التواصل الاجتماعي ترقى ان تكون وثائق تدان بها حكومات الاحتلال الأمريكي الإيراني بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية كما يصفها بحق هذا التقرير.
ما يثير الاستغراب في هذا التقرير المهم هو رقم الضحايا المذكور فيه اذ يتحدث عن 400 حالة وفاة تحت التعذيب منذ عام 2016 فقط في حين ان هذا الرقم يبدو غير واقعي لما يجري في سجن الناصرية سيئ الصيت منذ هذا التاريخ الذي شهد اعتقالات وعمليات تعذيب واغتيالات واسعة ومجازر طالت في ساعات اعدادا تصل الى بضعة الآلاف ما يزال العراقيين يشهدون عليها، اذ يكفي ذكر مثل واحد فقط هو اعتقال 700 رجل في معبر بزبيز بعد هروب المواطنين أثر دخول داعش الى مناطق الانبار وغيرها من المناطق الغربية لم يعرف مصيرهم لحد الان بل ان أحزاب الاحتلال الولائية قالت انسوا من تم تغييبهم وسجنهم ولا تطالبوا بهم! كما سبق لمنظمة هيومن ووتش رايس ان نشرت تقريرا حول جزء من الجرائم التي تحصل في العراق منذ بضعة سنوات حتى تاريخ 2020، تشير فيها الى جرائم التطهير الطائفي والى المقابر الجماعية وتواطؤ القوات الحكومية في القتل والاخفاء القسري وتهجير الناس في المناطق الغربية كالفلوجة والانبار والموصل وكركوك. وفي هذا التقرير تحدثت المنظمة الأممية عن فقدان ما بين 250 ألف الى مليون شخص فيما تتجاوز الاعداد الحقيقية الآلاف من المختطفين والمغتالين والمهجرين الذين تشهد على اعدادهم معسكرات اللجوء ودول الجوار منها تركيا. فيما أكد خالد شواني وزير العدل في احدى تصريحاته وجود ثمانية الاف محكوم بالإعدام من مجموع عشرين ألف سجين ما يوكد ان الاعدامات تتم بالتقسيط من قبل حكومات المنطقة الخضراء. بدليل انه في أيلول عام 2021 أعلنت وزارة العدل ان عدد الإرهابيين لديها هو أكثر من خمسين ألف ونصففهم محكومين بالإعدام، والتي أكدت عليها أكثر من ستة عشر منظمة حقوقية اجنبية وعراقية قالت انها ستتوجه بشكاوى الى المؤسسات الدولية المعنية والمقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء وسلوك كل الإجراءات القانونية والحقوقية لإيقاف عمليات الإعدام التعسفية.
هذه الأرقام المرعبة لجرائم حكومات المنطقة الخضراء ولدٌت جرائم هي اضعاف أرقام المعتقلين والمعذبين حتى الموت، لعوائلهم التي هجرٌت في داخل العراق والذي يصل عددهم الى اكثر من مليوني مهٌجر تضمهم معسكرات في الصحراء تشبه معسكرات الاعتقال يتنوع فيها الظلم والمآسي التي يعانيها المهجرون وعوائلهم وأطفالهم سواء من تصرفات الحكومة ووزارة هجرتها المتواطئة مع الميليشيات وتجار الحرب او من القوات الأمنية ومليشيات القتل التي تمسك بزمام ما يجري في هذه المعسكرات ، ومنهم من هاجر مضطرا الى خارج العراق في دول الجوار وبالأخص في تركيا للنجاة من الموت او انقاذ أبنائه وإيجاد أماكن أكثر أمانا واستقرارا لحياة عائلية، فهؤلاء المهجرون هم في الغالبية من النساء والأطفال والمسنين الذين هربوا من ديارهم في المدن والقرى التي اجتاحتها القوات الحكومية وعصابات القتل الشعبي وبعدها داعش التي اعتقلت الأزواج والابناء المسؤولين عن اعالة عوائلهم لتبقى النساء مع اولادهن دون معيل ولا انصاف من الحكومة العنصرية الطائفية التي تتفنن عصاباتها في استثمار هذه الجرائم لتكون موردا يدر الملايين والمليارات لأصحابها الذين يديرون معسكرات اللجوء والأموال المخصصة لها. وبدل ان يلقى هؤلاء الاستقرار وبعض الراحة من كٌم المشاكل التي سببها فقدان المعيل الا ان التهجير أدخل الناس في دوامة جديدة من المشاكل ومن الظلم الذي يعاني منه عراقيون وسوريون بالأخص. في شوارع احدى المدن التركية المعروفة بتواجد كبير للعراقيين والسوريين، حاولت ان اجد طفلا من العوائل المهجرة يلعب في الحدائق او أماكن لعب ولهو الأطفال فلم اعثر على احد بل صادفت في طريقي عددا من الأطفال العراقيين أعمارهم بين 9_12 سنة وهم يجرون عربات لجمع المواد التي يعاد تصنيعها من البلاستيك او الكارتون يبيعونه بمبلغ بائس هو ليرة ونصف، حيث يعمل الأطفال من العاشرة صباحا حتى السادسة مساءا، هربوا من محافظة الانبار بعد سجن والدهم بتهمة الإرهاب، طفل آخر بعمر عشر سنوات يعمل من العاشرة حتى السادسة مساءا في توصيل البضائع براتب اسبوعي لا يزيد على عشرين دولارا وهو راتب كبير بالنسبة لكثير ممن يعمل اذ وجدت طفلة تعمل براتب عشرة ليرات في اليوم أي أربعين سنتيم او اقل ، وعند السؤال عن الوالد ، يأتي الجواب مسجون بتهمة الإرهاب او هارب من الاعتقال لكونه من المناطق الغربية، لكن ليس هذا نهاية دوامة التهجير في وضع الأطفال وعوائلهم اذ ان بعض القوانين تمنع مثلا التسجيل في بعض الاحياء مما يمنع دراسة الأطفال بعد الابتدائية، مشاهد الابتزاز والسرقة ورفع أسعار الإيجارات والبضائع حال معرفة كونك عراقي لا تنتهي كذلك محاربة النساء اللواتي يكسبن عيشهن من بسطيات في الأسواق الشعبية، حرمان المهجرين ومنهم مقعدين من الحقوق القانونية التي تنص عليها المواثيق الدولية لحماية المهجرين ومما يخصص لهم من الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي والدول المانحة حالات لا تعد ولا تحصى اصعبها هي تصرفات الأجهزة البوليسية في حالة رفض تمديد الإقامة وذلك بسوق المرفوضة اقامته هو وعائلته كأنه مجرم ودون سابق انذار وغالبا ما يوضع في معسكر بانتظار التسفير وترك كل ما يملك، وهو ما حدث لمتقاعد عسكري عراقي ارسل مباشرة الى مطار بغداد لتتسلمه السلطات العراقية وتعتقله، وما حدث أيضا لرجل آخر تم تسفيره مباشرة الى مطار بغداد واعتقلته السلطات العراقية وتم إعدامه، مثل هذا المصير والتسفير ينتظره ويخافه كثير من المهجرين اليوم ولديهم يقين انهم سيرحلون ويسلمون للسلطات العراقية ، بعد زيارة الرئيس أردوغان واتفاقه مع حكومة السوداني لإعادة تشغيل خط جيهان النفطي في مخالفة للمواثيق الدولية الخاصة باللاجئين والمهجرين. الا ترقى مثل هذه الممارسات بحق المهجرين قسرا الى جرائم؟ انهم فئة إنسانية تشٌكل مجتمعا يجب حمايته حسب المواثيق الدولية ومنظمات الأمم المتحدة، تستهدفها عصابات إجرامية بالقتل والتخريب والحرق.
تبدو هذه الهجمات منظٌمة واستراتيجية حكومية للانتهاء من ملف المهجرين وتصفير مشاكلهم وإعادة العلاقات الطيبة مع النظام العراقي والسوري، بهدف اعادتهم الى بلدانهم والتفرغ لعمليات مهمة في الشمال العراقي والسوري من ضمنها ضد ارهابي PKK. اذ بحسب الاعلام فأن من بين 474 شخص اعتقلوا عقب الاحداث العنصرية المؤلمة التي حدثت مؤخرا في مدينة قيصرية هناك 300 شخص له سوابق إجرامية؟
لقد وصل الحال لدى المهجرين الى ان تغلق العوائل أبوابها مبكرا وان لا تفتحها الا للبوليس الذي ينتظره كثيرون هذه الأيام لكي يخرجهم من ديار الهجرة الى بلدانهم التي فقدوا كل شيء فيها وربما يعتقلوا ويلقى بعضهم الموت او السجن، يقول مهجٌر عراقي: الحق يقال لقد آوونا حينما لم يقبل بنا أي بلد عربي واسلامي لكنهم آذونا ايضا.
8/7/2024
888 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع