ديانا مقلد
سعاد نوفل..احفظوا اسم هذه المرأة السورية جيدا. تنبهوا لحراكها، فهي امرأة استثنائية في شجاعتها، لكن جرأتها جرأة يتيمة ولن تنقلها لكم وسائل الإعلام سوى البعض منها.. إنها المرأة التي تواظب منذ أكثر من شهرين على كتابة لافتات والتظاهر وحيدة أمام مقر «الدولة الإسلامية في العراق والشام» أو «داعش» في مدينة الرقة لتندد بما ترتكبه هذه الجماعة من قتل واعتقال وتعذيب بحق السوريين وما تمارسه من قوانين تعسفية على السكان، خصوصا النساء.
وسعاد معلمة ضئيلة الجسم سبق أن تظاهرت ضد النظام السوري واليوم تحرص على النزول يوميا وكل مرة بلافتة جديدة ترفعها أمام مقر «داعش»، متهمة إياهم بأنهم جماعة ظلامية يخدمون النظام وينكلون بالسوريين تماما كما ينكل بهم بشار الأسد.
ردت الجماعة المتطرفة بأن منعت الإعلام أو الفضوليين من التحدث مع سعاد أو تصويرها وهددتها بالقتل إن استمرت في المجيء، فلم يجرؤ أحد على دعم هذه السيدة أو الوقوف معها.
تقول المعلمة السورية في مقابلة لها: «مزعوجين من بنطلوني.. طيب أنا ما سألتهم ليش لابسين أفغاني!». وتستمر لقطات الفيديو المنقولة عنها في رواية الصعوبات التي تواجهها، وأهمها الخوف الذي حدا بكثيرين للانزواء والاستسلام لتشدد «الداعشيين».
تحكي سعاد بمرارة كيف أن أحد تلامذتها استنكر بتهذيب إقدامها على «خطأ» هو التظاهر أمام «داعش». أما ذوو سعاد فيدب فيهم القلق في كل مرة تحمل فيها سعاد واحدة من لافتاتها وتنزل للتظاهر، مخافة أن تجلب ثورتها اليتيمة الويلات على أفراد العائلة، خصوصا الذكور منهم.
بعد قرابة السنوات الثلاث وبعد أن قتل من قتل وتشرد من تشرد ودمر ما دمر وأحبط من أحبط، يحار واحدنا من أين تستمد سعاد تلك القوة الدافعة على الاستمرار. إنها وحدها وهي امرأة ولن تعني حياتها شيئا لجماعة تمتهن القتل وتدرجه بصفته عملا محمودا ضمن أناشيدها التي يقول أحد مقاطعها المغناة: «كم قطعنا من رقاب»!
في سوريا يشعر الأهالي الباقون بأن الجميع تخلى عنهم، فالنظام لا رادع لبطشه، و«داعش»، حيث تسيطر، لا قوة مواجهة لها، والحراك المدني في سوريا بات شبه معدوم بعد موجات من الهروب والهجرة من قبل الناشطين الذين يتعرض من بقي منهم لخطر قتل وموت حقيقي سواء من النظام أو من سلسلة من الفصائل المتطرفة، والذين تتصدرهم «داعش». وسط كل هذا المشهد القاتم تخرج امرأة ناحلة لتعلن أن ثورتها المدنية مستمرة ضد النظام وضد «داعش». وثورة سعاد ليست ثورة ضد القتل والتعسف السياسي فقط.. إنها ثورة أنثوية أيضا.. فالاستبداد في سوريا متعدد الوجوه، وفي صلبه ذاك الموقف المتجذر من حقوق النساء.
«داعش» مزعوجة من تمرد سعاد على سلطتها وسلاحها وذكورتها. «داعش» مزعوجة من بنطال هذه المرأة، لكن سعاد تصر على ارتدائه والنزول للتظاهر. رغم كل شيء، تردنا سعاد نوفل إلى جوهر الروح التي أشعلت حراك شبان درعا قبل ثلاث سنوات، وكم نفتقد اليوم تلك الروح، وكم نخشى عليك يا سعاد ونتضامن معك!
1165 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع