حظ امحيسن / الحلقة الرابعة
مـسلـسل تلفزيوني بين الحقيقة والخيال من الحياة الأجتماعية في العراق في الحقبة الواقعة في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي..
تأليف
الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
استاذ جامعة بغداد والفاتح وصفاقس/ سابقاً
الحلقة/ الرابعة
يصل ابو جميله الفندق برفقة ابنته,..ويطلب منها البقاء بغرفتها وعدم فتح الباب لحين عودته من السوق لشراء العشاء,..وتطيع جميله امر والدها, وما ان تدخل الغرفة حتى تقفل الباب عليها,.. وتبدأ بخلع ملابسها, وترتدي (دشداشه نوم), وتنظرالى صورتها في المرآة, فقد أبرزت (الدشداشه) اللاصقة تضاريـس جسمها المتناسق, كما أضاف الشعرالأسود المسترسل والمحيط بوجهها رونقاً وجمالاً, فتطيل النظر في المرآة وتبتسم بسمة الرضا, لما وهبها الله من جسم متناسق تتمناه كل انثى, وتسرح بأفكارها لليوم الموعود الذي تقف فيه بكامل حريتها امام الحبيب,.. وتصمت قليلاً ثم تقول : بـس بالحلال !
تسمع جميله طرقاً على الباب بلا هواده, ..وتسأل من الطارق, اقيـساً انت ام أبي ؟
يغص ابو جميله بالضحك, ويشعر بسعادة ابنته ويدرك مشاعرها, ويقول لها انا والدك.
ترتدي جميله (الروب), بسرعة وتفتح باب الغرفة, ويدخل الأب محملاً بما لذ وطاب من المأكولات,وتعترض جميله على الأسراف!,
ثم تَعدُ جميله المائدة,ويحدثها والدها عن شبابه يوم كان في الخدمة العسكرية , والنظام الواجب اتباعة في كافة مرافق الحياة,.. ويغدق عليها المديح لثقافتها المعمقة,....ويعترف الآن بما كان يسمعه في المعسكر,..بأن المرأة نصف المجتمع,.... وما من معين للرجل سوى المرأة اذا ما وجهت التوجيه الصحيح, ومنحت نفس حقوق الرجل!
يستمر الحديث بينهما, وجميله ترفع ما تبقى من الطعام, ثم يخرج ابوجميله علبة السكاير,.. وتنبهه جميله وتذكره بوعده بترك التدخين!
يبرر ابو جميله رغبته بالتدخين لحل مشكلتها التي صارت تؤرقه بأستمرار!,... فضحكت جميله, وقالت له السيكارة لا تحل المشكلة, وطلبت منه التفكير بهدوء والسير بالطريق الصحيح حتى الوصول الى شاطئ الأمان انشاء الله.
*****
تنهي جميله عملها, وتتناول كتابها لتكمل المذاكره,..وتترك والدها مستلقياً على فراشه, وبعد دقائق شعرت بنومه, .. فتطفأ المصباح الرئيس, وتكتفي بمصباح المنضده, وما ان انتهت من المذاكرة,حتى استلقت على فراشها,..وغطت في نومها.
تسمع جميله بعد منتصف الليل شخيروالدها بقوة, فترتبك وتحاول ايقاضه, ولم تفلح, فيصيبها الهلع, وتسرع الى مكتب الفندق, وتطلب منه استدعاء الأسعاف,..وبعد فترة وجيزة, تصل سيارة الأسعاف, وينقل ابو جميله بصحبتها, الى المستشفى,... وتشرح جميله للطبيب الخفرعن نوعية الأكل الذي لم يتعود على تناوله.
وبعد التأكد من حالة الضغط ودرجة الحرارة, يَطمأن الطبيب من صحة المريض ,..ويأمر بعمل حقنه في (الشرج), للتخلص من الأكل المتكدس في الأمعاء,.. ويأبى ابو جميله عمل ذلك,..ويعتبره عاراً, الا ان الطبيب يأمرالموظف الصحي والممرضة بتنفيذ الأمر, وهدده في استدعاء الشرطه ان لم يتم ذلك فوراً,فأذعن ابوجميله للأمرواستسلم بعدما خرجت جميله من الغرفة, واغدقت بالشكر للطبيب الخفرعلى تفهم نفسية والدها لمثل تلك الأمور!
يعود ابوجميله الى حالته الطبيعية, ويشكر الطبيب ويهم بمعانقته ويبدي مشاعرالأمتنان الى الممرضة والمعين,ويبتسم الجميع للموقف الكوميدي اثناء ادخال فوهة الحقنه في (شرج),ابوجميله وهو يصرخ (اتخسه...أتخسه...."أي هذا عيب "!), وهكذا يتم الوداع,.. ويطلب الطبيب الخفراعادة ابو جميل وابنته الى الفندق بسيارة الأسعاف.
*****
في صباح اليوم التالي تخرج جميله مسرعة الى مركز الأمتحان, وتلتقي مع جميل في مكان ما قرب قاعة الأمتحان, ويسألها عن احوالها وتحدثه بأيجازعن ما اصابهم ليلة امس,..فيهون عليها الأمر ويطلب منها التركيزعلى الأجابة لأجتيازالأمتحان,.. وبعد أنتهاء الوقت عليها الأنتظارخارج قاعه الأمتحان لكي يرافقها الى الفندق والأطمئنان على العم ,..والدها!
يتم اللقاء, وتشرح جميله بصورة مفصلة ما حل بهم ليلة أمس امس,..وحمد جميل , الله على سلامةوالدها, .. ثم راح يشرح لها مضارالأكل الدسم , وفي الطريق عرج على مطعم كباب شوي وطلب (نفرين سفري),..ثم تابعا سيرهما الى ان وصلا الفندق.
تدخل جميله غرفتها ومن خلفها جميل وهو حاملاً للكباب الشهي, فينهض ابو جميله مرحباً بهما, ويشكر جميل على رعايته لأبنته,.. وبعد المجاملات, يستأذن جميل للخروج قائلا ان الأكل لهما فقط,... لآن اكله في مطعم خاص على حساب وزارة المعارف.
تنهض جميله لتوديع الأستاذ وتخبر والدها عن اللقاء مع جميل عصر اليوم ليستذكرلها مواضيع يوم الغد, في نفس مكان الأمس,.. فيبتسم الأب, ويفهم ما وراء هذا المخطط !
وصل الأستاذ جميل في الموعد المتفق عليه,وابدى قلقه على تأخر جميله, ودب القلق عنده,..وتخوف من عدم حضورها, بسبب الوعكه التي المت باْبيها, ولكن وبعد عدة دقائق, بزغ القمر, واسترد انفاسه, وهرع نحوها, وقابلته ببسمة,.. وكاد ان يحتضنها لولا رجاحة عقله, ويكتفي بتبادل كلمات الترحاب المفعمة بعبارات الشوق والغرام,... وخطرت بباله أغنية عراقية راح يرددها بصمت :
اليوم ,..يوم الهنا,..منواسعد مني انا؟!
انهمك الأستاذ وتلميذته بالمذاكرة,..والتي كان يتخللها بعض الأحيان تعليقات موشحة بالغرام,..الى ان اطمأن الأستاذ على استيعاب تلميذته للمقرر.,...ثم طلبت جميله العودة الى الفندق,.. وفي طريق العودة, اشترى جميل العشاء لها ولوالدها واوصلها الى باب الفندق وودعها.
يتكرر اللقاء ويفاتح جميل والد جميله لخطبتها, وعقد القران في المحكمة الشرعية في الناصرية, ...حتى لا يتسرب الخبر الى اسماع امحيسن او بن عم جميله,..وفي اليوم الأخير للأمتحان, يتم كل شيئ ويشتري جميل تذاكر السفر بالقطارالى بغداد لأتمام مراسيم الزواج في بيت العائلة, ويعود الأب الى القرية, غير مبالي بكل التقولات ولا التهديدات,...فجميله اختارت الشخص المناسب, ..وسوف تعيش معه بعيداًعن القرية.
يصل العروسان الى بغداد وتتم مراسم الفرح ويزفان الى عش الزوجية في دار والد جميل, وتعم الفرحة كل الأسرة , ويودعون العروسين لقضاء تلك الليلة السعيدة وحدهما حتى صباح الغد!
لم تتم فرحة العائلة,..ففي الصباح الباكر جلب والد جميل الكيمر والكباب المشوي لفطور العروسين,... وكانت المفاجأة القاسية او قل الطامة الكبرى, فما ان وصل والد جميل الدار حتى دق جرس الباب عشرات المرات ولا من مجيب,..ولذا أقترحت والدة جميل فتح الباب بالمفتاح, وان لا يزعج العرسان, بدق الجرس, وليتركهما ينعمان بنومهما!
بعد فترة من دخول الوالدان بهو الدار, راح ابو جميل يطرق باب غرفة العروسين مرات عديدة,. وبدأ القلق على الأم وراحت تصرخ وتطرق باب الغرفة بعنف,. ..ولكن من دون جواب!
هرع الجيران على صوت الأستغاثة, وتجمهروا في بهو الدار, واقترح احدهم كسر الباب,.... وما ان فتحت الباب عنوة حتى تبين ان العروسين قد فارقا حياتهما !
حضرالأسعاف والشرطة واكدوا الوفاة وباشروا بالتحقيقات وفتح محضر بهذه الحادثه واوضح والد جميل عدم وجود اي سرقة, كما ان التحقيقات الأولية لم تظهر اية علامة او اثر يبين اسباب الجريمه, وان الوفاة طبيعية !
الا ان سوء حظ امحيسن ,جعل البعض يشيرله, بأصبع الأتهام, بسبب قدراته على تنفيذ اعمال خارقة للطبيعة,....كما اشار البعض الآخر الى ابن عم جميله, بسبب تهديده بالقتل لمنع هذا الزواج,...الا ان التحقيق اثبت وجوده في القرية اثناء وقوع الجريمة!
اتصل والد سرحان بأخيه في بغداد ,.وقص عليه موت جميله ابنة فراش المدرسه وزوجها المعلم جميل ليلة زواجهما في دار والد جميل في الكاظمية , وطلب منه اخفاء امحيسن عن الأنظار وتسفيره الى مدينة بعيدة عن بغداد, حيث ان والد جميله وابن عمها اتهموا امحيسن بقتل العروسين ,.. وأهدروا دمه !
علم امحيسن بالحادث, وحزن حزناً عميقاً,..واراد تسليم نفسه, الا ان عمه منعه من ذلك, يسبب معرفته لقضايا الثأر وطلب من امحيسن مغادرة بغداد الى اي قرية في كردستان شمال العراق,.. والبقاء هناك حتى يُظهر التحقيق النتيجة, فأذعن امحيسن لأمر عمه ووالده وغادر ليلاً مرتدياً زي الأكراد الى قرية نائية في شمال العراق !
استقر امحيسن في تلك القرية ,..وحاول العمل في بعض المهن ولم يوفق,... بسبب عدم معرفته للغة الكردية,..ولذا اشترى عربة حمل, وصار حمالاً عصرياً, وكسب من مهنته الجديدة مالاً كثيراً واتقن اللغة الكردية, وبرزت سمعته بين اهالي القرية , الا ان ذلك لم يدم طويلاً, ....فالنحس رفيق امحيسن المخلص !
وفي احد الأيام دفع القدر له زبوناً من ذوي الجاه في المدينة, وطلب منه نقل (كنتور مستورد), يحتوي على مرآة كبيرة, ..من محطة السيارات الى داره العامرة بأطراف القرية.
نفذ امحيسن العمل, وفي لحظة حرجة اراد فيها ان يتجنب اصطدام طفل صغيرخرج من بيته ليعبرالشارع مسرعاً,..فأنحرفت العربة وسقط الكنتور, وتهشمت المرآة وزاغت روح "كاكه حمه",.. وفقد صوابه, وانهال ضرباً على امحيسن,..ودارت معركة انتهت بسجن امحيسن لعدة اشهر, ولم يرغب بأعلام اياً من معارفه, حتى لاينكشف أمره امره,..ويعلم اهل جميله بمكانه.
قضى امحيسن مدة محكوميته, وتحرى عن قضية جميله وزوجها, وقيل له ان التحريات اثبتت ان الوفاة كانت طبيعية,..ولم توجه التهمة لأي احد, كما ان بن عم جميله قتل عمه ابو جميله, مدعياً مسؤليته لما حصل لجميله, وانه لم يسمع ( نهيه),.. وزوجها لرجل غريب عن العائلة ,..وعلى اية حال, حكم عليه منذ شهرين مضت بالحكم المؤبد واخذ الضوء الأخضر بالعودة متى يشاء, فحمد ربه وقرر العودة الى بغداد.
يتبع في الحلقة / الخامسة
للراغبين الأطلاع على الحلقة الثالثة..:
http://www.algardenia.com/maqalat/8277-2014-01-10-20-41-40.html
781 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع