حظ أمحيسـن ! مـسلـسل تلفزيوني بين الحقيقة والخيال من الحياة الأجتماعية في العراق في الحقبة الواقعة في منتصف الأربعينيات ولغاية أحتلال بغداد 2013
الحلقة/ الثانية عشر
عاد"أمحيسن" الى فندقه في ساعة متأخرة بعد سـهرته مع الصبية ممثلة أتحاد الطلاب التي أستقبلته في مطار أمستردام وأعانته بأتمام معاملة الدخول (ترانزيت),..وبات الآن مُطمأناً, فقد زال عنه الشك من كون هذه الصبية هي البدل الضايع لحبيبته المختفية جميلة!, ولذا, وبسبب زوال النحـس عنه, وشـعوره بالسعادة ,.. ردد بيتاً من شعر الأمام أبو حنيفة النعمان (رض):
ضاقت ولما أستحكمت حَلقاتها = فُرجت وكنت أظنها لن تفرج !
*********
أستناداً الى ناموس أمحيسن,..لذا, فبقاء الحال من المحال!,..فما أن تبادل "أمحيسن" التحية مع عامل الأستعلامات,حتى طلب منه الأقتراب, واعلمه بتغيير موعد أقلاع الطائرة الروسية الى موسكو, الذي كان مقرراً بعد منتصف النهار، وتحويله الى الساعة الخامسة صباحاً! أحتار" أمحيسن", حيث كانت لديه رزمة لأحد أصدقائه لكي يرسلها من هولندا إلى رومانيا عن طريق البريد، ولما حدث تغيير في المواعيد، حار "أمحيسـن" بتلك الرزمة, ولما سأل موظف الاستعلامات, قال له : بإمكانك أن ترسلها بالبريد ,فأستغرب أمحيسـن , وقال :كيف ذلك والبريد لا يفتح إلا في الثامنة, ونحن نكون قد حلقنا في ذلك الوقت؟، فابتسم عامل الاستعلامات له وقال: اعطني الرزمة،...ولما سلمها " أمحيسن " له وزنها ووضع عليها الطوابع بالقيمة المقررة وسلمها إلى " أمحيسن " وأمره بوضعها في صندوق البريد في الشارع!, وهكذا نفذ "أمحيسن " تعاليم الموظف وذهب ولم يستطع إدخال الرزمة في فتحة صندوق البريد, وعاد ثانية الى الأستعلامات,..فأبتسم الموظف, وفهم و قال له : ضعها فوق الصندوق!,فنفذ أمحيسن الأمر وبعد شهرين استلم رسالة من زميله يعلمه بوصول الرزمة الى زميلته في رومانيا!
وفي يوم السفر, ما أن وصل "أمحيسن" الى مطار أمستردام,..حتى بدأ بالأجراءات الرسمية لمغادرة أمستردام الى موسكو, وتلفت في كل اتجاهات البهو كفراشة حائرة, وأذا به في مواجهة الصبية التي سهر معها ليلة أمس,.فذهل باللقاء غير المتوقع معها,..فتعجب لذلك لأنها لا تعلم بالتغيير بموعد أقلاع الطائرة!,فكيف عرفت؟,.. وهل يمكن تصديق حضورها بالصدفة؟! , فما الذي يجري,..وكيف بالأمكان تفسير تصرفات هذه الصبية؟,.. وعلى أية حال,تجمدت أوصال "أمحيسن",..ولا يدري ماذا يخبأ له القدر؟
لنترك الخلق للخالق ونرى ما الذي سيحدث على أرض الواقع ,..فقد دوخنا" أمحيسن" , كما في المثل :( ضاع الخيط والعصفور), ولننتظر,..فالصبر جميل!,..فها هو المنادي يعلن للركاب بضرورة التوجه نحو البوابة رقم 7 للصعود الى الطائرة المتوجة الى موسكو,..فبدأ "أمحيسن" يعانق الصبية, ..وجرى بينهما كلاماً بالهمس,..ثم أعطته " رسالة ", وطلبت منه دسها في جيبه وعدم فتحها الا عندما يكون معانقاً السماء,..كما طلبت منه عدم الألتفات نحوها عندما تودعه!,..فوعدها بكل ذلك ولم يخلد بذهنه معرفة هدفها من ذلك!,.. وآمن بما سيحدث له طالما أن الأمور تسير بأرادة مجهولة وفق (الريمونت كونترول),..وراح بصمت يستذكر كل ما قالته الصبية له من الوهلة الأولى والى هذه اللحظة التي تطلب منه تنفيذ أموراً غير متعارف عليها,..فهو لم يخطط لشيئ ولم يتمكن من معرفة حتى عنوانها ؟, فكيف َصدقَ كونها من اتحاد الطلبة !؟
تم التوديع, وحمل أمحيسن حقيبته اليدوية وما أن خطا أول خطوة , حتى أستدار ليلوح لها بيده, مثله مثل المودعين,..لم يعثر لها على أي أثر!,.. فتبسمر بمكانه وتوقفت مقلتا عينيه,..ووضع شنطته أرضاً,..وراح يلف بنظره كل أرجاء بهو المطار,..ولم يعثر على أي دليل لأنسانة كانت بجنبه منذ ثوان! ,..وعلى الفور تقدمت نحوه مضيفة من الخطوط الهولندية وأستفسرت منه عما يشكو؟,..فألتزم الصمت ,..ونفى اي شيئ يعرقله,فقادته المضيفة وأكملت له معاملة الرحلة,..ثم دخل الطائرة,..وأستقبلته المضيفة الروسية,..وتناولت منه حقيبته الدبلوماسية ووضعتها في الرف المخصص,..وأشارت له بالجلوس في مقعده مع عبارات المجاملة !
لم يرغب " أمحيسن ", بقراءة الرسالة,..ولم يتذكرها الا في اليوم التالي عندما وصل الى سكنه في القسم الداخلي, وقبل خلوده للنوم فتح الرسالة, وراح يقرأها,..فبكى ونام حتى الصباح!
لا أريد أن أسرد عليكم محتوى الرسالة ومن المرسل,..وأترك ذلك لفراسة القارئ, حتى لا يكون المسلسل رواية من أجل الأثارة,.. ولذا سنسرد الجديد في حياة أمحيسن!
(أَم كَووMSU) / جامعة موسكو, المشيدة في أوائل الخمسينيات في عهد ستالين
ففي 1/11/1960 وصل " أمحيسن " ومجموعة من طلبة البعثة لمطار موسكو واستقبلهم أحد الطلبة القدامى وكان يجيد اللغة الروسية واصطحب " أمحيسن " وجماعته إلى القسم الداخلي المخصص للطلبة الأجانب في منطقة (السوكول) التي لا تبعد كثيراً عن مركز الجامعة (أَم كَووMSU) والتي تعتبر أهم وأرقى جامعة في الأتحاد السوفيتي ذلك الحين، فهي تحفة معمارية، بنيت فوق مرتفعات واقعة على ضفاف نهر( موسكو )الذي يخترق العاصمة .
في اليوم التالي لوصول " أمحيسن "، أتم الوثائق اللازمة في معهد اللغة الواقع بنفس بناية القسم الداخلي، مما سهل عملية الوصول وتجنب الطقس البارد والذي لم يتعود عليه" أمحيسن " فقد كانت درجة الحرارة تصل تحت الصفر و أكوام الثلوج مكدسة على جانبي الطريق وقد وصل ارتفاعها إلى أكثر من متر، إلا أن السيارات الخاصة بالنظافة لا تترك تلك الثلوج تتراكم، فالتنظيف مستمر ليل نهار ، إضافة إلى عمل المتطوعين الذين يساهمون في تنظيف ممرات المشاة. ومرت الأيام وبدأ " أمحيسن " يشعر بنوع من الراحة النفسية وبعد أيام معدودة،
الساحة الحمراء وسط مدينة موسكو في أوائل الستينيات,وفيها قبر لينين المحنط
وبالتحديد في اليوم الثالث من وصوله، ذهب للنزهة في الساحة الحمراء الشهيرة، وهي من أوسع الميادين في موسكو وفيها (الكرملين) مركز القيادة السوفيتية وقبر يحتوي على جثماني لينين مؤسس الدولة والرجل الثاني ستالين وهما محنطان، والناظر لهما يعتقد أنهما نأئمان، وقد اعتاد الناس زيارتهما أيام الأحد والعطل الرسمية وينتظمون بطوابير قد يصل طولها لأكثر من كيلومترين!...
وقد عمت شهرة ستالين بعد الحرب العالمية الثانية وأمتاز بقساوته ضد المعارضين للحزب، إلا أن وزير الداخلية (بيرَّهْ)، كان يخدعه ويزج معهم أشخاصاً مرموقين في عملهم وإخلاصهم للوطن والثورة البلشفية، ولم يكتشف الأمر إلا بعد وفاة ستالين، ولذا سمي ذلك العهد بالستار الحديدي، حيث لا يمكن لأي فرد مهما كانت منزلته أن يعترض عن أمر يُصدره ستالين!.
تجول " أمحيسن " وزملاؤه في تلك الساحة وشعروا ببهجة ومتعة لا مثيل لها، فالساحة واسعة ومكتظة بالبشر من كافة الأعمار ومن الجنسين، والغالبية من الفتيات الروسيات المتميزات ببشرتهن البيضاء وشعرهن الأشقر المغطى بمنديل يزيد من بساطة ثيابهن، فهن زاهيات بأرواحهن المرحة والبهجة الطافحة وخاصة عند رؤيتهن للأجانب لأول مرة، فقد كان قبل سنة 1960، نادراً ما تشاهد أجنبياً يتجول في الشوارع.
وإن الاِنفتاح في زمن "خروتشوف" هو الذي اتاح للمجتمع الروسي أن يرى ويختلط بالأجانب!.. وبعد فترة وجيزة تم تعارف " أمحيسن " ورفاقه على ثلاث فتيات في مقتبل العمر وملفتات للنظر، وتم التفاهم معهن بالإشارة، وبعد التجول معهن لفترة وجيزة تم الاِتفاق على لقاء آخر في ساعة تم تحديدها عن طريق الساعة اليدوية، وحدّد نفس المكان، أي ضريح "لينين " في الساحة الحمراء.
في اليوم التالي وصل " أمحيسن " ورفاقه إلى المكان المحدد قبل الموعد بدقائق، وبعد برهة وجيزة حضرت الفتيات وهن بأجمل زينة، وتم تبادل التحية معهم بكلمات مقتضبة، وتوجه الجميع سَّيراً على الأقدام نحو شارع "غُوركي" الذي يعتبر من أرقى شوارع العاصمة "موسكو"، وبعد التجول في أزقته المتعددة التخصص، عرجوا إلى أرقى مطعم مشهور في تحضير الأكلات الشرقية أسمه (أَراكفي)،..
جانب من مطعم أراكفي في اوائل الستينيات وفيه تقدم أشهر المؤكولات الشرقية مثل التهجين
وبعد استراحة وتبادل المجاملات، طلبوا أنواعاً عديدة من الأكلات، وبدأ كل من رفاق"أمحيسن " يغازل زميلته بطريقته الخاصة، وقال احدهم أن صديقته دعته الليلة لسهرة صاخبة معها!... فتعجب الجميع من مقدرة زميلهم للوصول إلى النقطة الصعبة،... وخاصة أن جميع الفتيات غير ممتهنات لأقدم مهنة في التاريخ (مهنة الدعارة) فجميعهن لم يبلغن الثامنة عشرة من عمرهن ومازلن طالبات في الثانوية ولذا سأل " أمحيسن " زميله الذي ادعى هيام صديقته به وتقديمها وبكل سهولة ما يتمناه الرجل ليلة زفافه ، فقال ذلك الزميل "هي قالت لي" فأستغرب " أمحيسن " وقال له (كيف أفتهمت) فقال الزميل " هي قالت آي وَّونتْ تِفِلي"، (يعني أنها تريد طفل)، وراح كل زميل ينظر لزميله الآخر نظرة حَسَدْ لذلك (الدونجوان)،... وبعد أشهر من دراستهم اللغة تبين أن كلمة "تَفَلي" بالروسي تعني حذاء نسائي!!!!!!
يتبع في الحلقة / 13
للراغبين الأطلاع على الحلقة الحادية عشرة:
http://www.algardenia.com/maqalat/8971-2014-02-19-08-28-54.html
779 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع