علي السوداني
ثمة فنٌّ جميل، يصنعه ويخلقهُ فنانون مبدعون ذوو مخيال واسع شاسع مدهش بديع، لكنهم مجهولون غائبون مغيّبون حتى لو مرّ النقدُ والنقَدَة على أشباههم الكادّين الكادحين خلف الستار وظلمتهِ الفاترة الباهتة.
أعني بهؤلاء المظلومين والمظلومات، صنّاع الإعلان التلفزيونيّ المشهر على شاشات الناس بكرة وأصيلا وما بين البينين. الكلام كلهُ والضوء جلّهُ ذاهبان بامتنان عظيم صوب الأدباء والممثلين والمسرحيين والرسامين وكتّاب النصوص ومخرجيها والمخرجات، إلّا من كتبَ نصّ إشهار ومن أخرجهُ ومن صوّرهُ، ولعمري أنّ هذا الفنّ الرفيع وبسبب من قلة استهلاكهِ للوقت وللكلام، إنما يحتاج مخيلة مكثفة واقتصادا موجعا في اللغة، كما لو أنَّ صانعه قد همَّ بكتابة قُصيصة قصيرة جدا وهمًّت بهِ، وفق تفقيه الأخرس البغداديّ. اذهبوا الآن صوب إعلان تبريد حريق المعدة المشتعلة، بعد واقعة صحن فول عملاق، أو قدر كوارع عرمرم.
فرقة من إطفائيين حميمين يلجون باب معدة المتخوم، ويملجونها برغوة الرحمة حتى تبرد وتبرأ من دائها بسبب من هذا الدواء المسحور، فيعود الرجل المتخوم تاليها، صوب زوجته المبروكة، ويزرع سبعة آلاف بوسة وبوسة على رأسها المبجل وأكلها الطيب. شوفوا إعلان مقتلة كتيبة من عتاة البعوض اللواسع، بعد نفخة من فم قاتل حشرات عظيم، وإن كنتُ نفرتُ ولعيتُ وحزنتُ غير مرة من هذا الإشهار القاسي الذي يُظهرُ ثلاث بقّات أو ذبابات، كنَّ يلعبنَ ويمرحنَ ويرقصنَ ويغنّينَ على سور مزبلة فائضة، فتتعرّض أجسادهنّ المنكوبة، إلى بخّة كيمياوية مباغتة، فلا تصيب منهنّ مقتلا، ثم تتبدل اسطوانة الرشّاش فتتلقى الذبابات المحصنات الهائجات الفائرات بالبهجة، رشقة جديدة من صنف جديد فعّال ابن فعّالة، فيصيبهن والكبود والرقص بعطب أكيد، فلا قيام ولا صريخ لهنَّ ولا لغيرهنَّ قيامة ثانية بباب مطبخ أُم عباس المحروس. فكرة ضخمة تستهلك منك دقيقة أو بعضها، صحبة رقصة مدهشة لثلاث بقّات جميلات، وهذا تماما أو بعض تمام ما يحدث في طقوس كتبَة قصار القصص.
تذكّروا الليلة إن كنتم من أهل بلاد ما بين القهرين التي أكلها الوحوش الأميركان، إعلانا محبوبا على صورة طقطوقة مغناة بصوت أبي فارس خليل الرفاعيّ وفق ذاكرتي السهرانة، عن ماركة صابون يُراد زرعهُ بأمخاخ الرعية، اسمه صابون غار العيسى، وفيه يهبُ أبو فارس الناسَ طمأنينة ويقينا حال استعمال هذه الصابونة، بشعر عاطر فاحم كلبدون، ثم يخلّف الرائين إليه سكارى من قوة لذة فكرة أنّ الشوق لا قياس لهُ ولا مقاس، إلا بمرغلة البدن والرأس برغوة ذلك الصابون العظيم3.
الآن أحسُّ بحرقة تلطعُ جدار معدتي. سأتوقف عن كتابة المزيد في هذا الدفتر اللطيف.
627 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع