زينب حفني
كلما سمعتُ عن انتحار أحد المشاهير تساءلتُ في حيرة.. ما الذي يدفع الإنسان، امرأة كان أم رجلاً، إلى الزهد في الحياة وتركها وراءه غير آسف عليها؟ هل اتخاذ هذا القرار الصعب يعود إلى فقدان الحب وعدم الشعور بالأمان الذي يسعى إليه كل امرئ ؟ ما معنى الأمان؟ هل ينحصر في تحقيق الثروة، أم في إنجاب الأبناء، أم في الوصول للشهرة، أم أنه يشمل كل هذه التطلعات؟
منذ أسابيع قليلة، عُثر على مصممة الأزياء الشهيرة «لورين سكوت» مشنوقة بوشاح داخل شقتها بمدينة نيويورك. ولورين التي كانت تبلغ من العمر عند موتها 49 عاماً، عملت عارضة أزياء في مستهل حياتها قبل أن تتجه لعالم الأزياء وتُصبح من أنجح المصممات حيث ارتدى تصاميمها عدد من شهيرات الفن مثل الممثلة «نيكول كيدمان» و«أنجلينا جولي» وغيرهما.
لورين كانت صديقة «ميك جاغر» مغني فرقة الروك «رولنج ستونز»، ويُقال بأنها كانت محبطة لعدم زواجها منه بعد علاقة استمرّت 12 عاماً. وهناك من يرى بأنها كانت حزينة كونها لم تُنجب طوال حياتها وخاصة أنها مرّت بتجربتي زواج فاشلتين. لكن الأغلبية تعتقد بأن لورين وقعت في دائرة الاكتئاب الذي دفعها للانتحار نتيجة الأزمة المالية التي مرّت بها شركتها.
لورين التي تعرّضت في شبابها لظروف قاسية، استطاعت أن تصب قدراتها في إنجاح مؤسستها في العالم الذي عشقته، وكانت قد كتبت آخر عبارة لها على الاستجرام: «الموضة هي الدرع الذي نتسلّح به لمواجهة عالم الواقع»، لكن يظهر بأن عالم الموضة لم ينجح في انتزاع لورين من دوامة الصراعات النفسية التي جعلتها ترفع راية الاستسلام!
جميعنا على مدار عمرنا نتعثر في طريقنا، قد نُصاب بوعكة صحية تجعلنا نشعر بأنها نهاية العالم بالنسبة لنا، ثم نتعافى وتُصبح حكاية سخيفة نُرددها بفخر! قد نفقد إنساناً غالياً كان يعني لنا العالم بأسره، فنشعر وقتها بأننا أضعنا للأبد الإحساس ببهجة الدنيا، لكن مع مرور الوقت تلتئم الجراح وننسى! قد تخذلنا الحياة وترمي بأمانينا في محيط واسع لا نستطيع الوصول لأعماقه مهما امتلكنا من قدرات، ونتقوقع على أنفسنا لنكتشف مع الأيام أننا كنا ساذجين وأن الدنيا مهما قست لابد أن تُفاجئنا بحلم رائع كان مركوناً على رفٍ مهجور في زوايا عمرنا لتقدمه لنا على طبق من ذهب.
وعودة إلى لورين، أرى أن كافة المشاهير يشعرون بالإحباط عندما تنحسر الشهرة عنهم، أو عندما يكتشفون بأن موهبتهم في طريقها للزوال، مما يُوقعهم في دائرة اليأس. الكاتب قد يفقد قدرته على التجديد مما يدفعه إلى التوقف عنوة! الفنان عندما ترتسم تجاعيد العمر على صفحة وجهه وينصرف المنتجون والمخرجون عنه، يختار الانزواء قهراً! كل المبدعين عندما تُصيبهم أمراض الشيخوخة المزمنة يرفضون التصديق بأن العمر قد مضى، وأن السنين قد فتكت بهم وهم غافلون يبتهجون بمسيرات إبداعاتهم!
يُقال بأن الأديبة «مي زيادة» التي شغلت العالم العربي بثقافتها ونتاجها الفكري المتميّز، تعرّضت في أواخر سنوات عمرها للاكتئاب وكان ما كان من أمر إقامتها في مصحة للأمراض العقلية ببيروت، لتخرج منها امرأة منكسرة وتموت في أرض مصر التي أحبتها طوال عمرها وشهدت نجاحاتها. كما لا ننسى الفنانة العالمية «داليدا»، صاحبة الأغنية المعروفة «كلمة حلوة وكلمتين.. حلوة يا بلدي»، التي تعرّضت لأزمات شخصيّة، وأصيبت باكتئاب شديد لتنهي حياتها بقطع شرايين يدها، تاركة بجوارها رسالة تقول فيها «الحياة أصبحت لا تُحتمل، سامحوني».
النفس البشرية مهما بررنا لها، ستظل تنطوي على الكثير من الأسرار!
626 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع