ليلة زكريا من الموروث الشعبي العراقي
هذا الموروث لا يشمل فئة أو ديانة أو قومية دون أخرى، بل الجميع يشتركون بهذا الطقس المتوارث. أن إحياء زكريا وبرغم عدم وجود أي دليل في الإسلام لإحيائه فإنه يعد من بين الموروثات الشعبية التي تعارفت عليها الأجيال في العراق منذ سنين طويلة، تقام في هذا المناسبة طقوس خاصة، ويعتقد كثيرون أن الأماني تتحقق في هذا اليوم، لا سيما إن قام الشخص بأداء طقوسه المعروفة.
اعتاد العراقيين في أول يوم أحد من شهر شعبان من كل عام على إحياء (ليلة صيام زكريا) وإعداد (صينية زكريا). سبب الاحتفال بهذه الليلة وصوم يوم زكريا، هو الإيفاء بنذور النساء اللواتي يرزقن بطفل ذكر بعد طول انتظار، حيث حمل العيد اسم (زكريا) لاقترانه بالنبي زكريا (ع).
عاش زكريا عليه السلام مع زوجته (إيشاع) عيشة راضية، ومع طول الحياة وغياب الولد، اشتاق نبي الله وزوجته لولد. فلجأ زكريا عليه السلام الى ربه مناديا إياه بصوت خفي، فجاءه الجواب من الله سبحانه وتعالى: (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا).
وكان زكريا في سن الثانية والتسعين من العمر وزوجته السيدة أيشاع عاقرا في سن الثامنة والتسعين، وقد لبى الله تعالى نداء زكريا ورزقه بابنه (يحيى)، فمنحت هذه المعجزة النساء العواقر على مر العصور أملا في الإنجاب فتشبثن بإحياء طقوس يوم زكريا لوجه الله تعالى. وفيه تعقد النذور وتنصب موائد الزينة والطعام، ويتم إشعال البخور والشموع، وتنثر أغصان أشجار الآس على مائدة طعام.
وتعد النساء البغداديات (صواني) تملأ بالشموع المزينة والشرائط الملونة وأغصان الياس الأخضر وما لذ وطاب من الحلويات والمكسرات، فيما يقوم الأطفال بالضرب على الطبول أو ما يعرف باللهجة البغدادية (الدنابك) ابتهاجا بهذه الليلة المباركة.
في عيد زكريا تشيع البهجة وتعزز الروابط الاجتماعية، وتزدهر الزيارات بين الأقارب، فيما يحصل تنافس محموم حول الصينية الأكثر جمالا، وهو بلا شك يوم الأطفال المميز الذي ينتظرونه بشوق بالغ، من أجل الغناء وتناول أطعمتهم المفضلة على ضوء الشموع.
وفي المناطق الشعبية يجتمع الأقارب في أحد البيوت لإحياء طقس زكريا، أو يلتقي الجيران في أحد البيوت لإقامة هذا الطقس. وأكثر الناس فرحاً بهذا اليوم هم الأطفال، حيث يشمل الطقس شراء آلات الرق الصغيرة، ليلهو بها الأطفال إذ يعمدون إلى التجول داخل الأحياء وهم يرددون أغنية هذه المناسبة التقليدية، والأغنية كذلك تعتبر من التراث، وتردد بيوم زكريا.
وتقول كلمات أغنية زكريا (يا زكريا عودي عليا.. كل سنة وكل عام.. نشعل صينية) التي توارثت الأجيال غنائها بنغمها الذي عرفه العراقيين.
في هذه المناسبة يقوم بعض النساء بالصيام يوماً أو يومين بدءاً من أول يوم الأحد من شهر شعبان، وتصوم بعضهن عن الكلام كما فعل النبي زكريا (عليه السلام)، وهذا الالتزام بالصوم ما زال قائماً.
وعلى الرغم من عدم وجود ذكر لتلك الطقوس في المذاهب الإسلامية، فإن هذه العادة ما زال يداوم عليها بعض العراقيين ويصرون على إقامتها، ولا يقتصر فقط على المسلمين إذ إن العراقيين بجميع دياناتهم يلتزمون بإقامتها، فيما تعتبر في المفهوم الثقافي من الفلكلور العراقي، وقبل حلول ليلة زكريا تشهد الأسواق في المناطق الشعبية إقبالاً واسعاً من قبل النساء لشراء مستلزمات الاحتفال بهذا اليوم وما يلزمهن من مواد وحاجات خاصة لإحياء هذا اليوم، منها شراء المكسرات والحلوى والشموع، ومواد الزينة. وعيدان الآس والحناء والبخور. هذه الطقوس موجودة وتتوارثها الأجيال، لها كبير الأثر في توطيد العلاقات الاجتماعية بين الأسر العراقية، حيث توفر هذه المناسبة تقارب العوائل وتشاركها في المسرات.
1413 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع