السليمانية موطن حلوى المن والسلوى
من الصعب أن يزور المرء مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق، دون أن يسأل عن حلوى المن، حلوى الـ(گهزۆ) التي وتسمى باللهجة العراقية (من السما) فهي الأشهر، هذه الحلويات ورد اسمها في كثير من الكتب السماوية، وهي تفيد في تنشيط الجهاز العصبي وإعطاء الحيوية للعقل وتنشيط الذاكرة كما يقول كبار السن، يعتقد أغلب الناس أن حلوى المن والسلوى المنتشرة في العالم، هي كأي نوع من الحلويات التي يتم تصنيعها من الطحين والسكر، إلاّ أنها في الحقيقة من إنتاج الطبيعة وليست من صنع البشر.
ولكل بلد في العالم ما يشتهر به من أطباق الطعام، أو نوع من أنواع الحلوى، وطبق المن والسلوى هو أحد أنواع الحلويات الذي ينفرد العراقيون بصناعته، وخاصة السليمانية بسبب اقتصار وجود المادة الطبيعية، المكونة لهذه الحلوى فوق أوراق شجر البلوط التي تزرع في الجبال الشمالية.
(المن والسلوى) ذكرت في الكتب السماوية، والتي تبين التفسيرات أنها تشير الى تلك المادة، هي من صنع الطبيعة الربانية.
المَنّ: اسم عبري معناه (ما هو هذا؟) أو (هبة) وهي مادة انزلها الله على بني إسرائيل، على سبيل أعجوبة مدة إقامتهم في البرية، قامت عندهم مقام الخبز وقد سميت (خبزا من السماء) (خر 16: 4). ومن الأمور التي تستحق الذكر في المن، أن المقدار الذي كان ينزل منه في اليوم قبل السبت، كان ضعف ما ينزل في بقية الأيام، وأنه لم ينزل يوم السبت، وأن ما كان يحفظ منه من اليوم السادس إلى اليوم السابع، كان يبقى جيدا صالحا للأكل، بخلاف ما كان يحفظ من يوم إلى آخر من أيام الأسبوع، فإنه كان يفسد ويتولد فيه الدود وكان كل ذلك دليلا على قداسة يوم السبت.
وكان المن كبذرة الكزبرة ابيض وطعمه (كطعم قطائف بزيت) و(منظره كمنظر المقل) (عد 11: 7 و8)، وكان ينزل يومًا فيومًا مدة أربعين سنة ما عدا أيام السبت، وتذكارًا لهذه العجيبة أمر موسى بأن يعمل قسط من ذهب يسع عمرا ومقداره لتران وثلاثة أعشار اللتر، ويحفظ فيه شيء من المن (خر 16: وعب 9: 4)، وكان هذا العمر محفوظًا في التابوت أو بقربه لكي يرى أولادهم، القوت الذي انزله الله عليهم مدة رحلاتهم الطويلة في البرية، ويشبه المن بعض الشبه المن الطبي الذي هو عصير منعقد من شجرة الدردار، وكذلك يشبه المن الذي يتكون من شجرة الطرفاء بعض الشبه أيضًا.
وحسب المسيح المن رمزًا إلى ذاته لأنه هو الخبز الحي النازل من السماء وبذلك أثبت كونه طعامًا عجيبًا (يو 6: 29 - 51). وسمي المن (برُ السماء) (وخبز الملائكة) (مز 78: 24 و25). إشارة إلى أنه أعطي على سبيل أعجوبة. أما (المن المخفي) (رؤ 2: 17)، فيشير إلى القوت السري الذي يعطيه المسيح للمؤمن، ولا يعطي إلا له. وقد تم ذكرها القرآن الكريم بقوله تعالى (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى، كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) سورة البقرة، 57.
وقد اختلفت عبارات المفسرين في المراد بالمن والسلوى، وذُكر في التفاسير أقوال للسلف فيهما، فروي عن ابن عباس رضي الله عنه، أن المنَّ كان ينزل عليهم على الأشجار، فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاءوا، فهو شيءٌ ينزل على الأشجار، وجاء وصفه في روايات أخرى بأنه كالصمغ وطعمه كالعسل، وقال قتادة: كان المنُّ ينزل عليهم في محلتهم سقوط الثلج، أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وقال الربيع بن أنس: المن شرابٌ كان ينزل عليهم مثل العسل، فيمزجونه بالماء ثم يشربونه. وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: (والظاهر والله أعلم أنه كل ما امتنَّ الله به عليهم من طعام وشراب، وغير ذلك، مما ليس لهم فيه عمل ولا كد).
السَلْوَى: وهو طِائر صَغير من رتبة الدَّجاجيات، جسمُه منضغطٌ ممتلئ، وهو من القواطع التي تهاجر شتاءٌ إلى الحبشة والسودان، ويستوطن أُوربا وحَوض البحر المتوسط، طيور ترحل من إفريقية في الجنوب إلى الشمال في أسراب كثيرة العدد جدًا، وقد صيد منها في إيطاليا مئة ألف طائر في يوم واحد، وهي تطير في أسراب فتشبه السحاب الكثيف ويُسمى السلوى، وقد أرسل الله كمية كبيرة من هذه الطيور إلى محلة العبرانيين، ليأكلوا لحمها بعد أن تذمروا على موسى (خروج 16: 13 وعدد 11: 31). ويقال أنها طارت أسرابها من الجنوب عن طريق البحر الأحمر، فقطعت خليجي العقبة والسويس، ووصلت إلى البرية في شبه جزيرة سيناء متعبة مرهقة، وإذ بدخان محلة العبرانيين يعاكسها فتسقط بالآلاف على الأرض، فيسهل إمساكها باليد. وهي تبيض من 12 إلى عشرين بيضة وتحتضنها في عش على الأرض، وتطير على ارتفاع صغير نحو ذراعين فوق وجه الأرض (عدد 11: 31) وقد نشر العبرانيون السلوى ليجففوها، باسطين إياها حول المحلة. وقد كان إرسال السلوى بهذه الكمية الوافرة مدة شهر كامل علامة من علامات عناية الله الكاملة (مزمور 78: 26-30).
ذكر طائر السمان (السلوى) في ثلاث آيات في القرآن الكريم هي: سورة البقرة الآية: (57)، وسورة الأعراف الآية: (160)، وسورة طه آية: (80). وأرسل الله طائر السمان أو السلوى على بني إسرائيل ولم ينزل عليهم طائراً غيره لما فيه من القيمة الغذائية، ووصفه سبحانه وتعالى أنه من الطيبات في الآيات الثلاث السابقة، وطائر السمان أكبر من العصفور وأصغر من الحمام قليلا، وهو طائر خريفي. وهو طائر معروف جميل وسمين يؤكل لحمه لأنه، من أشهى وألذ أنواع اللحوم.
ويذكر عالم النبات العربي ابن البيطار فيذكر: «المن حار، جلاء، غسال، إلا أن قوته تزيد وتنقص على قدر الشجر الذي يقع عليه. جيد للصدر والرئة، والواقع منه على شجر الطرفاء جيد للسعال والخشونة التي في الصدر، والمن الواقع على نبات الخطمي مثل العسل» وعن المن يقول الطبيب ابن جزلة: «إنه طل يقع على حجر أو شجر، فيحلو وينعقد عسلاً، ويجف جفاف الصموغ. وقوته مركبة من قوة حلاوته وقوة ما يسقط عليه. والمن الذي يقع على شجر البلوط يابس ينفع في السعال الرطب، وهو جيد للصدر والرئة، ويجلو رطوبتهما، ويلين خشونتهما. والذي يقع على شجر الدفلى وما قاربه من الشجر رديء، فينبغي تجنبه» وفي المن قال ابن سينا: «أجود المن الطري الأبيض، وهو ملين، صالح للجلاء، وينفع في السعال، ويلين الصدر، ويسكّن العطش، والشربة عشرة مثاقيل إلى عشرين مثقالاً» ينفع المن في إدرار البول، وفي الالتهابات البطنية، وفي النزلات المعوية، والسعال التشنجي، وداء الزحار، وفي الحميات، والجدري والآلام العصبية ولكن ماذا يقول الطب الحديث عن المن؟ بينت الأبحاث أن المن هو عصارة سكرية تسيل من شقوق أو من فوهات في بعض الأشجار نتيجة لجرحها أو تشققها طبيعيا أو يكون سببها الحشرات. ويجنى المن مرة كل يومين، ويسيل من الشجر بدءاً من وسط النهار إلى المساء يتألف المن من السكر والماء ومادة خاصة اسمها المانيت غير قابلة للذوبان، إضافة إلى الراتينج، ومواد لعابية، وأحماض، ورماد، ومواد أزوتي. ويذوب المن في الكحول الحارة، غير انه يترسب في شكل بلورات بالتبريد والمن نوعان الأول طبيعي والثاني اصطناعي. والطبيعي أنواع وكل أنواع المن تثير الإسهال نتيجة حدوث تفاعلات كيماوية ناتجة من طول بقائه في الأنبوب الهضمي، ولكن المن الدمعي هو الأقل إثارة للإسهال، يأتي بعده المن العام، ومن ثم المن الدسم الذي يعتبر الأكثر تلييناً للأمعاء. أما المن الاصطناعي فيحضّر كيماوياً، ويستخدم في بعض المركبات الدوائية المسهلة.
وعسل المن (أي الذي يصنعه النحل من تناول صمغ المن المنساب من الأشجار) يحتوي على كميات عالية من مركبات مضادات الأكسدة مقارنة بغيره من أنواع العسل. وكما هو معروف، فإن لمضادات الأكسدة هذه أهمية كبرى في الحفاظ على الصحة، سواء على مستوى الخلية أو على مستوى أعضاء الجسم، من خلال منع التلف الذي تلحقه الجذور الكيماوية الحرة في الجسم. كما أن عسل المن يحتوي على الفيتامينات مثل فيتامينات المجموعة ب، والمعادن مثل الكلس والحديد والمغنيزيوم والنحاس وغيرها وهذا لا يعني الإسراف في تناول عسل المن لأنه غني بمضادات الأكسدة، فالعسل أياً كان أصله وفصله فهو غني بالسكريات البسيطة السريعة الامتصاص، خصوصاً الفركتوز والغلوكوز اللذين يرغمان البانكرياس على طرح كميات هائلة من هورمون الأنسولين، وهذا قطعاً ليس لمصلحة الشخص الذي يأكل العسل باستمرار.
والمن هو مادة صمغية مادة داكنة الخضار الـ (گهزۆ) ، من إنتاج حشرة تسمى (المن)، أثناء مواسم تكاثرها في فصل الخريف، حيث تفرز هذه الدويبة المادة الخام، فتتجمع على أوراق أشجار البلوط أو أشجار لسان العصفور، أو الجوز الشاهقة في محافظة السليمانية، على الشريط الحدودي مع إيران عند منطقة بنجوين، يجمعها المزارعين في الصباح الباكر حتى لا تتعرض للشمس وتفقد لزوجتها، على شكل قطع متفاوتة الحجم يقوم الأهالي برحلة البحث عنها وتجميعها بأكوام تتراوح أحجامها بين 4 إلى 10 كيلوغرامات، غالبا ما تكتنف رحلة جني محصول (من السما) الكثير من المخاطر، بسبب تواجده في المناطق البعيدة المنعزلة في الجبال، حيث الحيوانات المفترسة، لكن المردود المادي يستحق المغامرة.
المن والسلوى أو كما يطلق عليها (من السما) أو (ندى السماء) أو (العسل السماوي) هي مادة دبقة شبيهة
بالدبس، أما طريقة تصنيعه توضع المادة الخام، في إناء على النار ويضاف لها الماء وتحرك حتى الوصول لدرجة الغليان ثم تصفى من الشوائب ويوضع عليها بياض البيض وتترك ساعة أو أكثر على النار ثم يضاف إليها الهيل المطحون والمكسرات وتقلب حتى تختلط مع بعضها البعض ثم تترك لتبرد لمدة يوم وتقطع على شكل مربعات أو تكور ويتم تغليفها بالطحين حتى لا تلتصق مع بعضها البعض وتحفظ في صناديق خشبية لتحميها من الحرارة والرطوبة.
وهذه الحلوى هي من صنع الطبيعة فلا بذور أو شتلات، وليس للبشر فيها أي دخل سوى التصفية، لذلك فإن الطلب عليها شديد، ودائما ما يشكو أصحاب المصانع قلة ما يسوقوه لنا، لكنهم يعتذرون بأن الكمية التي يجمعها المزارعون أو الفلاحون في الموسم هي أطنان قليلة لا تكفي حاجة المحافظات العراقية، وهناك من يضارب في سعرها للتسويق الخارجي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الراتنج Resin عبارة مركب طبيعي أو صناعي والذي يبدأ بدرجة عالية من اللزوجة، ويتحول إلى شكل صلب عند معالجته. يعتبر الراتنج مركب ذائب في الكحولات وغير ذائب في الماء. يصنف المركب بالعديد من طرق التصنيف، اعتماداً على تركيبه الكيميائي الدقيق أو الاستخدامات المحتملة. كذلك يملك العديد من التطبيقات، تمتد من الفن إلى إنتاج البوليمرات. ويتعامل العديد من المستهلكين مع المنتجات التي تحتوي الراتنجات بشكل يومي.
2932 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع