أحداث وجرائم خلف أسوار سجن رقم (١) العسكري في معسكر الرشيد
1. المقدمة
أ. كان الكُتْابْ سابقاً يكتبون بالقلم الرصاص على الورق لكن اليوم يكتبون على الكيبورد الثابت لحاسوب اللابتوب ، لم أكُنْ يوماً أهوى كتابة المذكرات عن الزمن الماضي لولا الكاتب العراقي رافد العزاوي الذي تعرفت عليه من خلال الشبكة العنكبوتية ولم تراه عَينَيَّ ولا أعرف عنه شَيْئاَ إلى اليوم لأنه إنقطع عن الكتابة لأسباب صحية أَلَّمَتْ به ، كنت أقرأ له مقال في أحد المواقع الألكترونية ينتقد فيه ضباط الجيش العراقي الباسل لعدم دفاعهم عن تأريخ جيشهم الْمُشْرقْ ، هذا المقال إستفزني كثيراً لما فيه من كلمات أدبية جارحة بحق ضباط الجيش العراقي الباسل فكان ذلك المقال البداية في الرد على مقالتهُ والخطوة الأولى في توثيق مآثر الجيش العراقي الباسل خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية خاصةً.
ب. مقالنا هذا اليوم نستذكر فيه خوض معركة ليس في جبهات القتال الأمامية الساخنة دفاعاً عن حدود العراق الشرقية ضد العدو الإيراني ، بل هي معركة من نوع آخر معركة في الخطوط الخلفية من جبهات القتال دفاعاً عن العراق ضد اللصوص الذين أُئتِمِنوا على أموال الجيش العراقي وخانوا الأمانة بإرتكابهم جريمة سرقة لأسلحة من مشاجب أحدى سرايا الفوج الثالث لواء المُشاة التاسع عشر من المنطقة الإدارية في منطقة الدير في البصرة .
ج. سبق أن كتبت مقال بعنوان ( معركة جزيرة أم الرصاص في كانون الأول 1986 ومعركة شرق البصرة الشلامجة في كانون الثاني 1987 ) وَنُشِرَ في موقع الكاردينيا وعلى الرابط أدناه :
http://www.algardenia.com/terathwatareck/6651-2013-10-02-16-30-30.html
د. في المعركة المشار إليها في الفقرة (ج )أعلاه ونتيجةً للمعلومات غير الصحيحة التي قدمها آمري تشكيلات الهجوم المقابل إلى قيادة فرقة المُشاة الحادية عشرمما أدى إلى إخفاق قيادة الفرقة في إدارة المعركة بِصُورَةٍ صحيحة وتكبد لواء المُشاة التاسع عشر خسائر بشرية كبيرة من ضمن هذه الخسائر جرح آمر الفوج الأول وآمر الفوج الثاني وأسر آمر الفوج الثالث.
2. موقف لواء المُشاة التاسع عشر بعد الخروج من أرض المعركة
بعد الخروج من أرض المعركة كانت الوحدات في سباق مع الزمن ، تجمع الأشخاص المنسوبين إلى الوحدات في المنطقة الإدارية لِلِواءْ في منطقة الرميلة بالقرب من القاعدة الجوية في البصرة ، وبعدَ فترة أقل من إسبوع صدر أمر بحركة اللواء إلى قاطع موضعه الدفاعي السابق في منطقة الدويب في قاطع شط العرب ، وخلال فترة زمنية وجيزة تم سد نقص الوحدات من الأشخاص والأسلحة والعجلات ، ثم صدر أمر بحركة اللواء إلى منطقة (النشوة ) شرق البصرة لغرض التدريب وبعد فترة أسْبوعَيْنْ صدر أمر بحركة اللواء إلى منطقة (الحوطة) شمال جسر خالد بمسافة قصيرة شرق البصرة وعسكر بين بساتين النخيل في هذه المنطقة .
3.أحداث أمنية في الخطوط الخلفية من جبهة القتال
أ. في هذه الفترة كانت أفواج اللواء بدون آمرين وأقدم الضباط فيها برتبة نقيب إحتياط وهم من يقومون بقيادة وحدات اللواء وَكالَةً ، كانت هذه الفترة فرصة ذهبية تحققت لأول مرة لتدريب وحدات اللواء على صفحات القتال ، لكن كان جهد التدريب يقع على عاتق آمر اللواء شخصياً حيث كان التدريب يُجْرى بصورة عملية صحيحة وفق سياق ( محاضرة – مظاهرة – ممارسة ) من إدنى مستوى الحضيرة إلى أعلى مستوى الفوج .
ب. كما تم نقل المنطقة الإدارية للواء من منطقة الرميلة في الشعيبة إلى المنطقة الإدارية للفيلق الثالث في منطقة الدير.
ج. في أحد الأيام أخبرني وكيل آمر الفوج الثالث بحدوث سرقة في إحدى مشاجب سرايا الفوج وكان عدد الأسلحة المسروقة ( 24 ) مسدس نوع ماكروف عيار 9 ملم ، أمَرْتُهُ بتشكيل مجلس تحقيقي فوراً.
د. كلفت (ض إ س ) اللواء وكالة بزيارة الفوج الثالث لغرض الإطلاع على سير التحقيق ، وبعد عودته قدم ملاحظاته وإقترح نقل المتهمين إلى مقر اللواء وإجراء التحقيق بإشراف (ض إ س ) مقر اللواء مباشرة .
ه. عصراً نفس اليوم زارني (ض إ س ) اللواء وأخبرني بعدم الحصول على نتيجة في معرفة السارق من بين المتهمين وهم حرس المشجب في الليلة التي حدثت فيه السرقة ، أخبرته بتقديمهم أمامي بعد أن أفرغ من الإطلاع على البريد بعد صلاة المغرب .
و. بعد الإنتهاء من الإطلاع على البريد قدم ( ض إ س ) المتهمين وبعد دخولهم إلى غرفة مكتبي المتواضعه طلبت منهم الوقوف حسب وقت أداء واجباتهم ، وبدأت بتوجيه الأسئلة إلى الحارس الأول هل فحصت قفل المشجب عند إستلام الواجب ؟ وهل سلمت المشجب بدون حادث إلى الحارس الثاني ؟ وتم تكرار السؤال إلى الحارس الثاني والحارس الثالث لكن الحارس الرابع إستلم المشجب بدون حادث وعند تسليمه إلى الحارس الخامس لم يقم الحارس الخامس بفحص قفل المشجب لسببين السبب الأول كون الضياء الأول لاحَ في الأُفُقْ والسبب الثاني لكون الحارس الخامس هو أمين المشجب بالوكالة ، من خلال هذا التحقيق السهل والسريع تمكنتُ من تحديد وقت حدوث جريمة السرقة وأخْلَيْتُ سبيل الحراس الأول والثاني والثالث .
ز. بعد إستراحة قصيرة باشرت بالتحقيق ثانية مع الحارس الرابع وأيْقَنْتُ من خلال إجاباته إنه ليس له علاقة وعلم بموضوع السرقة فَأَخْلَيْتُ سبيله
أيضاً بقى الحارس الخامس محل الشبهة الأكيدة ، طَلَبْتُ مسجل الصوت الخاص بغرفة الحركات وبَدَأتُ بالتحقيق مع تسجيل كامل للحِوار بيني وبين الحارس الخامس ، بِدايَةً أدلى بإفادة غير صحيحة وأخبرته بعدم صحة أقْوالِهِ ، طلبت له وجبة طعام مع قدح شاي من مطعم الضباط وتناول الطعام في خيمة حمايتي الشخصية ، بعد ذلك باشَرْتُ بالتحقيق معه واعْطَيْتُهُ وعد بغلق التحقيق إذا إعترف بالسرقة وإعادة الأسلحة إلى المشجب ، أدلى بأقواله هذه المرة بصورة مفصلة و إعترف بقيامه بالسرقة وإقْتَنَعْتُ بها وطَلَبْتُ من ( ض إ س ) التحفظ على المتهم.
ح. طلبت من مقدم اللواء تنظيم كتاب معنون إلى ثلاثة دوائر شرطة في محافظات مختلفة لغرض القيام بالتحري عن الأسلحة في مناطق سكن شركاء المتهم بجريمة السرقة وإلقاء القبض عليهم وإرسالهم مخفورين إلى دوائر الإنضباط العسكري المتواجدة في مناطق سُكْناهُمْ وإرسال الكتاب بيد ضباط مأمورين وعلى جناح السرعة .
ط. عند إجراء التحقيق مع الحارس الخامس كان عناصر إستخبارات اللواء المسؤولين عن تأمين الحماية للحارس الخامس واقفين خلف جدار الغرفة يسمعون أقوال المتهم بوضوح عندما إعترف بجريمة السرقة وعندما كان يتحدث معي .
4. تظليل من قبل عناصر( إ س ) أدى إلى إرتكابي خطأ قاتل
أ. بعد الساعة الواحدة ليلاً طرق باب غرفتي ضابط الصف الأقدم من عناصر ( إ س ) وأخبرني بإن المتهم إعترف بإخفاء الأسلحة في الساتر الترابي المحيط بالمنطقة الإدارية وطلب مني إستصحاب المتهم والذهاب إلى المنطقة الإدارية للبحث والتحري في المكان الذي أُخْفِيَتْ فيه الأسلحة ، وافَقْتُ على طلبه وأَرْسَلْتُ أحد أفراد حمايتي معهم إلى المنطقة الإدارية لغرض جلب الأسلحة.
ب. كان حُرِيٍ بِيَّ إرسال ضابط ( إ س ) مع المتهم إلى المنطقة الإدارية
لكن هذا الخطأ الذي إرتكبته بدافع الحرص على إعادة الأسلحة إلى المشجب ولم أتوقع عناصر ( إ س ) مخترقين أمنياً دفعت ثمنه لاحقاً .
ج. إستيقظت من النوم مبكراً وعندما إستفسرت من آمر فصيل الحماية عن المتهم قال لي لايزال المتهم مع عناصر ( إ س ) في المنطقة الإدارية ، لذا طلبت منه الإتصال بالمنطقة الإدارية تلفونياً والإيعاز إلى عناصر ( إ س ) بالعودة إلى المقر المتقدم فوراً .
د. كان القادة الميدانيين قادة الفيالق وقادة الفرق يُحَمِلَّون آمري التشكيلات مَسْؤولِيَةً جَسِيمَةً سِواءَ في ميدان المعركة أو في المناطق الخلفية لِذا كان آمري التشكيلات يخشون غضبهم ونتصرف أحياناً خلافاً للسياقات العسكرية الصحيحة ونتحمل لاحقاً تَبِعَةَ الخطأ الذي قد يحصل نتيجة للتصرف الغير صحيح .
ه. بعد قدوم المتهم إلى المقر المتقدم كنت في حالة غضب وإرْتَكَبْتُ خطأً ثانياً ، حيث طلبت تقييد قدميه ومعاقبته بفلقة على أسفل القدم ثلاث أوأربع مرات بواسطة إنبوب ماء بلاستك ( صوندة ) حينها قال سيدي أذهب معك للمنطقة الإدارية وأستخرج الأسلحة من الساتر الترابي ، وفعلاً ذهبنا للمنطقة الإدارية وقام المتهم بعملية تضليل للمرة الثانية ، عُدْنا أدراجنا وفور وصولنا إلى المقر المتقدم أَنْشَأتُ رسالة إلى أمن الفيلق شرحت فيها تفاصيل الحادث وأرسلتها بيد ضابط أمن اللواء إلى مكتب أمن الفيلق ، عصر نفس اليوم حَضَرَ إلى مقر اللواء ضابط أمن الفيلق وشاهد المتهم وطلب إرساله إلى أمن الفيلق صباح اليوم التالي.
و. في المساء كان الجو ينفث زخات مطر خفيفة جاء إلى غرفتي راكضاً عنصر ( إ س ) المسؤول عن حماية المتهم وقال سيدي ( توفى ) المتهم ، أَوْعَزْتُ إلى طبيب مقر اللواء تلفونياً بسرعة إسعاف المتهم ولكن جائني الطبيب بعد برهة من الزمن وقال سيدي المتهم فارق الْحَياة!! .
ز. أَوْعَزْتُ إلى طبيب مقر اللواء بنقل جثة المتهم إلى مستشفى البصرة العسكري ، كما أَوْعَزْتُ بتشكيل مجلس تحقيقي جديد عن كيفية وفاة المتهم ، بعد تشريح الجثة من قبل مستشفى البصرة العسكري وكما جاء في تقرير الطب العدلي كان سبب الوفاة ضرب المجني عليه بآله حديدية فوق رأسه ( بواسطة مجرفة ) أدى إلى حدوث نزف في الدماغ مما أدى إلى وفاته ، وأسْدِلَ السِتارُ على جريمة سرقة الأسلحة بوفاة المتهم .
ح. بعد إستلام جثة المجني عليه (المتهم ) من مستشفى البصرة العسكري أُرْسِلَتْ إلى ذويه ، كما أَوْعَزْتُ إلى وحدته بسرعة إنجاز معاملته التقاعدية
وأودع عنصري ( إ س ) المسؤولين عن حمايته في التوقيف لحين البت في المجلس التحقيقي الخاص بوفاة المتهم من قبل المحكمة العسكرية .
5. منظومة ( إ س ) مُخْتَرَقة وبعض منتسبيها ينتمون للأحزاب الدينية المحضورة
أ. عند إلتحاقي لإشغال منصب آمر لواء المُشاة التاسع عشر مطلع سنة 1984 لم يُشْعِرُني أحد من المسؤولين في ( إ س ) والتنظيم الحزبي للواء بإلقاء القبض سابقاً على خلايا نائمة في الفوج الثالث ينتمون للأحزاب الدينية المحضورة التي تدين بالولاء لإيران .
ب. عناصر( إ س ) الذين كانوا مسؤولين عن حماية المتهم كانوا ينتسبون سابقاً إلى نفس الفوج الذي حدثت فيه جريمة سرقة الأسلحة .
ج. عناصر ( إ س ) سمعوا إعتراف المتهم عند التحقيق معه من قِبَلي ولغرض التستر على شركاء المتهم إدّعوا بإن المتهم قد أخفى الأسلحة المسروقة في الساتر الترابي الذي يحيط بالمنطقة الإدارية وعند إستصحابه ليلاً إلى المنطقة الإدارية قام أحدهم بضربه بالمجرفة على رأسه بشدة متعمداً بهدف القتل لغرض التسترعلى الشركاء الذين ينتمون إلى نفس الخلايا النائمة التي تدين بالولاء لإيران .
د. بوفاة المجني عليه المتهم تم التستر على شركاء المتهم في جريمة السرقة والذين ينتسبون إلى الخلايا النائمة التي تدين بالولاء لإيران .
6. الحضور إلى المحكمة العسكرية بصفة شاهد ثم أحاكم بصفة متهم
أ. بعد مرور سنة على الحادث وفي نهاية سنة 1988 تم إستدعائي إلى المحكمة العسكرية الدائمية العائدة إلى قيادة فرقة المُشاة السابعة في السليمانية لغرض الإدلاء بشهادتي حول وفاة المتهم .
ب. قبل الدخول إلى قاعة المحكمة جائني المدعي العام النقيب الحقوقي وبإيعاز من رئيس المحكمة وقال لي سيدي يجب إن تنفي إفادتك السابقة لإنك سوف تُحَوّلْ إلى متهم وتُحاكَمْ ، قلت له ألا أضع يدي على المصحف وأقسم بأني أقول الحق ، قال نعم ، قلت له وكيف أقسم بكتاب الله وأكذب ، قال إذا تتحمل النتيجة ، قلت له وليكن أتحمل أي عقوبة ولا أكذب .
ج. دَخَلْتُ قاعة المحكمة بصفة شاهد وأَدْلَيْتُ بإفادتي وخَرَجْتُ من القاعة ثم دخلتها مرة ثانية بصفة متهم وصدر حكم بحقي ( بالحبس البسيط لمدة أحد عشر شهراً) حيث إعتبرتني المحكمة شريك بجريمة القتل غير العمد وبدل الحبس إلى الغرامة لأسباب موضوعية إرتأتها هيئة المحكمة حسب قانون أصول المحاكمات العسكرية والحكم قابل للتمييز.
د. في نهاية نيسان 1989 نُقِلْتُ إلى مديرية إدارة المراتب بمنصب مدير الشعبة الثالثة شعبة تنقلات المراتب ، قبل نهاية سنة 1989 نَقَضَتْ محكمة التمييز العسكرية الحكم وطلبت إعادة المحاكمة وتشديد الحكم .
7. مكافأة الخدمة بقيادة لواء مُشاة في الحرب لمدة تجاوزت الخمس سنوات
أ. في آيلول سنة 1989 حَضَرْتُ إلى المحكمة العسكرية الدائمية لفرقة المُشاة السابعة في السليمانية وقبل إجراء المحاكمة إعتذر لي رئيس المحكمة مُسْبَقَاً لكون الأمر صادر من محكمة التمييزالعسكرية وجرت المحاكمة حسب السياقات القانونية وأصدرت المحكمة العسكرية حكمها بالحبس البسيط لمدة ستة أشهر و تعويض عائلة المتهم بمبلغ قدره 2000 دينار والحكم قابل للتمييز .
ب. في اليوم الثاني لصدور الحكم أُرْسِلْتُ من قبل مديرية إدارة المراتب إلى مديرية الإنضباط العسكري في معسكر الرشيد لغرض تنفيذ الحكم و أدِعْتُ سجن رقم ( 1 ) العسكري لغرض تنفيذ مدة الحكم .
8. كيف تجري الحياة خلف أسوار سجن رقم ( 1 ) في معسكر الرشيد
أ. الإجراء الأول الإعتيادي الذي يُتَخَذْ بحق الضابط المحتجز أو الصادر بحقه حكم من محكمة عسكرية ، حال دخول باب السجن الرئيسي في غرفة إستعلامات السجن ، يُجَرّدْ من رتبته العسكرية وغطاء الرأس ( البيرية ) والنطاق ويجري تفتيش حقيبته للتأكد من خلوها من الأسلحة الجارحة والمواد الممنوعة .
ب. وصف جناح حجز الضباط في سجن رقم ( 1 ) العسكري في معسكر الرشيد :
أولاً. يقع جناح الضباط في الجهة اليسرى من الواجهة الأمامية للسجن ويتكون من مدخل رئيسي يؤدي إلى ممر واسع نسبياً وعدد ( 10 ) من الغرف صغيرة المساحة يمين ويسار المدخل الرئيسي وفي أقصى اليسار المرافق الصحية والحمامات وفي أقصى اليمين المطبخ وقاعة البهو وتستخدم لتناول الطعام والراحة ومجهزة بجهاز تلفزيون .
ثانياً. تستخدم الغرف الكائنة على جهة يمين المدخل لإيواء الضباط القادة والغرف الكائنة على جهة يسارالمدخل لايواء الضباط الأعوان، الغرفة التي خصصت لي بجوارالغرفة التي تم فيها إيواء الرئيس الراحل صدام حسين بعد أحداث تشرين 1963 وبعد الثورة سنة 1968 بقت الغرفة غير مشغولة كَمُتْحَفْ أثري ويوجد فيها اليطغ الذي كان ينام فيه الرئيس الراحل المكون من فجة منام وبطانيات صوف عسكرية سوداء .
ثالثاً. في واجهة الجناح الأمامية حديقة واسعة نسبياً فيها عدد من المساطب الخشبية للجلوس مُحاطَةً بسياج (بي أر سي ) مع باب حديدية ، تُغْلَقْ باب الجناح الرئيسية يومياً في منتصف الليل وتفتح بالساعة السادسة صباحاً بينما أبواب الغرف تبقى مفتوحة طيلة 24 ساعة .
رابعاً. يوجد باب حديدي كبير يفصل بين جناح الضباط وأجنحة المراتب وقفص الأسرى الإيرانيين.
ج. قَدَمْتُ طلب تظلم إلى ديوان الرئاسة شَرَحْتُ فيه حيثيات الموضوع جائني الرد بعد فترة موقع من قبل ل ر سعدون علوان مصلح - الحكم موافق للقانون .
د. بعد فترة ورد قرار محكمة التمييز العسكرية الثاني ينص على تشديد العقوبة من ستة أشهر حبس إلى ثمانية أشهر حبس.
هـ. نظام الزيارات للمحجوزين والسجناء كل يوم واحد وكل يوم خمسة عشر من الشهر وتبدأ الزيارة من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الساعة الثانية عشر ظهراً ويسمح بدخول الطعام .
و. في اليوم الأول من دخول السجن المحكومين السابقين والمحجوزين على ذمة قضايا متنوعة يتهيبون الحديث مع الزائر الجديد للسجن عن أسباب حجزه إحتراماً لمشاعره .
ز. من الضباط القادة الذين سبقوني في دخول السجن عقيد ركن طيار( ص س ) ولاحقاً قائد فرقة المُشاة الحادية عشرالعميد الركن ( س ع م ) والمرافق الأقدم للرئيس الراحل صدام حسين المرحوم العميد صباح مرزا محمود وأودع في سجن إنفرادي في غرفة بالقرب من مقر آمر سرية حراسة السجن والموقف وكان ممنوع الإختلاط به.
ح. الوقت داخل السجن يسير ببطأ شديد وأفضل طريقة لقضاء الوقت هي مطالعة الكتب الأدبية وتفسير المصحف الشريف .
ط. كان مخصص جندي طباخ من المسجونين أو الموقوفين على ذمة قَضِيَةٍ ما لغرض الطبخ للضباط الموقوفين في جناح الضباط .
9. وصف حالة الضباط المحالين إلى محكمة الثورة
أ. الضباط الذين تُنْجَزْ قضاياهم من قبل مديرية ( إ س ع ع ) يُحالُونَ إلى محكمة الثورة لغرض إجراء محاكمتهم ، يعيشون الليلة التي تسبق موعد المحاكمة بقلق شديد وجوههم شاحبة مرعوبين خوفاً ،
يخشون الوقوف في قفص الإتهام أمام رئيس المحكمة عواد البندر المعروف بإصدار أحكام شديدة .
ب. أغلب القضايا التي كانت تُحالْ إلى محكمة الثورة وفق المادة القانونية 225 من قانون العقوبات الرقم 111 لسنة 1969 الخاصة بالتهجم على شخص رئيس الجمهورية والتي تكون عقوبتها القصوى بالحبس لمدة سبعة سنوات إلا إن المحكمة تُصْدِر أحكاماً أما بالإعدام أو السجن المؤبد وحسب حيثات القضية وملابساتها.
ج. في حالة تأجيل النطق بالحكم لأسباب تراها المحكمة موضوعية تكتب للأشخاص المحالين للمحكمة حياة جديدة ، لكن كان أغلب الأشخاص يفضلون إصدار الأحكام لغرض التخلص من حالة القلق والخوف والكوابيس المرعبة التي يشاهدونها في منامهم وما أن يقترب موعد المحاكمة الجديد تتكرر عليهم نفس الحالات التي ذكرتها آنفاً.
10. جرائم تُقَشْعِرُ منها الأبدان
أ. من الجرائم التي روى أحداثها بمرارة أحد الضباط وهو برتبة نقيب تقشعر منها الأبدان حيث قامت زوجته بإستفزازه وقيامها بتسجيل صوتي له وهو يتهجم على شخص رئيس الجمهورية وهو يضاجعها في فراش الزوجية وأودت به إلى السجن .
ب. إحدى الجرائم تركيب أجهزة تنصت ومسجل كاسيت على هواتف العسكريين داخل المقر الذي ينتسبون إليه وهم يمزحون خلال التحدث بالهاتف ويودي بحياة ثلاث ضباط إلى المصير المجهول.
ج. الجريمة الأبشع ، وهي جريمة الزنى في المحارم ، فحواها قيام جندي بوضع حبوب مخدرة في الشاي لسيدة مسنة وعند فقدانها الوعي يقوم بممارسة الجماع معها وهو حفيدها .
د. جرائم بيع وتعاطي حبوب الهلوسة المهربة عن طريق الأهوار من الجارة جمهورية إيران الإسلامية والغريب في الأمر كانت هذه الحبوب تدخل إلى السجن عن طريق تخبئتها في الطعام في قدرالدولمة أو داخل دجاجة مشوية .
11. يظهرالله الحق ولو بعد حين
أ. أكملت مدة ستة أشهر في السجن والشهرين الباقية شملت بالإفرج الشرطي وبعد الخروج من السجن منحتني دائرتي إجازة مناسبة ثم رجعت أزاول عملي في نفس الدائرة وفي نفس المنصب ولم تأثر العقوبة على حالتي النفسية والمعنوية .
ب. يظهر الله الحق ولو بعد حين:
أولاً. في أحد الأيام رن جَرَسْ الهاتف في غرفة مكتبي خلال الدوام
الرسمي وكان المتكلم على الطرف الآخر معاون المدير العميد محسن عبد العزيزالعاني وطلب مني الحضور إلى غرفة مكتبه .
ثانياً. صَعدْتُ إلى الطابق الأعلى ودخلت غرفة مكتب المعاون العميد محسن العاني وَوَجَدْتُ جالس في غرفته ضابط برتبة عميد لم أعرفه سابقاً وهو أيْضَاً لم يعرفني سابقاً ولم يُعَرِفَنْي المعاون بالضيف كما جرت العادة بصورة مقصودة تَنِمُ عن ذكاء العميد محسن العاني .
ثالثاً. قال العميد محسن إلى الضيف(عميد وليد تحجينا قضية العميد فوزي) إنتبهت أنا بإمعان لحديث العميد الضيف وقال القضية الوحيدة التي حكمت بها محكمة التمييز العسكرية بدون حق هي قضية العميد فوزي جواد ، قال له عميد محسن لماذا ؟ قال العميد الضيف جائتني مكالمة تلفونية من ديوان الرئاسة ! قال المتحدث يجب أن يُعاقَبُ العميد فوزي بالسجن ! رد عليه العميد محسن من هو هذا الشخص ؟ رد عليه العميد الضيف وقال هو الدكتور سعد الدوري .
رابعاً. كان العميد الضيف هو العميد الحقوقي وليد العنبكي رئيس محكمة التمييز العسكرية التي نقضت حكم المحكمة العسكرية الأول وطلبت إعادة المحاكمة وتشديد العقوبة وشددت حكم المحكمة العسكرية الثاني من ستة أشهر حبس إلى ثمانية أشهر حبس خِلافَاً للقانون وتنفيذاً لأمر شفوي صادر من موظف إداري يعمل في ديوان الرئاسة ولم تُذْكَرْ الأسباب وبأمر من .
12. الله يُمْهِلْ ولا يُهْمِلْ
أ. بعد فترة قصيرة من اللقاء أعلاه إرتكبت محكمة التمييز العسكرية خطأً جسيماً لا أعرف فحواه على أثر هذا الخطأ أمر الرئيس الراحل صدام حسين بمعاقبة رؤساء الهيئات التمييزية في محكمة التمييز العسكرية بتنزيلهم رتبتين أدنى وإحالتهم على التقاعد .
ب. الدكتور سعد الدوري سمعت عنه خبر إنه قُتِلَ في الأيام الأولى بعد إحتلال بغداد سنة 2003 من قِبَلْ القوات الأمريكية بالقرب من مبنى الأذاعة والتلفزيون في شارع حيفا.
الْلِواء
فَوْزِي الْبَرَزَنْجّي
29 آيار 2015
3977 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع