جامع النجاة مكتبة الباحسين في أول مكتبه في موقعها أكثرمن 50 عاما قبالة تانكي الماء - 1985
الزبير مدينة عراقية تقع جنوب العراق بالقرب من البصرة، تمثل مدينة الزبير إحدى مناطق الإرتباط بين العراق والجزبيرة العربية، تسكنها عشائر وقبائل واسر من أصول نجدية، لكن الكثير من الأسر النجدية رحلت إلى المملكة العربية السعودية والكويت في مطلع الثمانينات خلال الحرب الايرانية العراقية.
وسميت الزبير بهذا الأسم نسبة الى الصحابي الجليل الزبير ابن العوام رضي الله عنه المدفون فيها...
مدخل مدينة الزبير من جهة طريق البصره - صورت 1963
الزبير، والأثل، وسفرات المدارس، والشبيبه ، والكشافه، وجمع الفطرالبري "الچمه"، والرمال الناعمه، وغزلان البراري ، وبيوت الشعر، والصقور. الصبار، والعاگول، وسحالي البر. مضارب خيام البدو، خرافهم، وماعزهم النحيفة الرشيقة ، ومواقدهم، ودلالهم، وعبق قهوتهم، وحسن ضيافتهم، وكرمهم، وسيوف "العرضة" تلمع في وهج المواقد المشتعلة. زيارات اهل البادية، وعزف الربابه طمعآ بعيديه العيد.
دكان ابراهيم الحسن ..وسوق الحزم يطهر عبدالله العقرب(العيسى) وعبد الرزاق العمار في جلة دردشه
جمال، وناقات اهل الباديه، وهم يتسوّقون من اسواق البصره القديمه، بصرة عتبه بن غزوان، والزبير بن العوام. بيوت الگشته، وخيام البر، وهوادج الاعراب، وبرد الليالي، الذي لاينفع معه، الا النارالمشتعله، والتدثر، بالكسوة الصوفيه "الفروه" او "البشت". ليالي السمر، وفرق الطرب، وجلسات الكيف، والغناء الشعبي الأصيل، والصفقات المنتظمه "شدة الخشابة"، وتناوب، وتقافز، وتمايل الراقصين بملابسهم، وحركاتهم، وايماءاتهم الخاصة .
سكه سد في محلة المجصه ، جسر فندق الأمين الذي يربط الفندق بسطوح الدكاكين لكي ينام فيها النازلون في فصل الصيف-1973
الدرابين المظله، والسراديب البارده. هواء الصحراء الجاف، وطلعات العصر، والنسيم العذب عند المساء. المقاهي البسيطة، وتخوتها الخشبية المفروشة بالحصران، والبلال. تحلق الاجيال، وتداولهم لعبة "الدامة" شطرنج الزبيرالمبتكر، يقتلون به وقت فراغهم، ويتنافسون ببراعة اللاعبين البارعين.
ما تبقى من سور الزبير والذي شيد عام 1753 وجدد بنائه عدة مرات آخرها 1822 في عهد مشيخة الزهير
قضاء الزبير شهد مواقع عديدة عبر التاريخ، منها موقعة الجمل، وسوق المربد، والفراهيدي، وقبور الصحابة، والاعلام، والعلماء طلحه، والزبير بن العوام ، والحسن البصري، وابو الاسود الدوؤلي، مالك بن دينار، وحليمة السعدية، والقاضي احمد الانصاري، و حتى المعاصرين منهم مثل طالب النقيب، وبدر شاكر السياب. وبقايا جامع البصره القديم . مدينة الزبير التاريخيه، وبيوتها الطينيه، واسوار دورها العاليه لخلق الظلال، ومقاومة الحر الشديد.
خصوصية البناء، والهندسة، والمعمار، وعدم اطلال الشبابيك على الشوارع. نوافذ، وابواب في غاية الفن، والزخرفة . شوارعها المرمله، وسراديب البيوت التي ينزل اليها اهالي الزبير ايام الصيف اللاهب، للتمتع بالقيلوله، وبرودة يحسدهم عليها من يسير في شوارعها التي تحرقها الشمس. فناء البيت الواسع "الحوش" تتوسطه نخلة، او سدرة يرقد قربها اناء الماء الكبير"الحب" تحيطه الانية الاصغر "الشراب"، يتبرد مائها بطريقة الترشيح. تتجمع حولها العائلة مستعينة بالمهافيف لتلطيف حرارة الجو.
"هاتو"، تومان الزبير، ومقالبه، التي يعرفها، ويخشاها، ويحذرها الجميع. ونكاته التي يحفظها، ويرددها اهل المدينة، فهو جحا الزبير، وشعيب البصره، وثعلب البر. غادر الى الكويت، ومعه اختفت المقالب وضحكات، واحاديث "دگاته" ومفارقاتها من طرقات الزبير ودرابينها، ومجالسها.
مدرسو مدرسة الزبير في رحلة الى أثل البرجسيه - صورت 1963
غابات الأثل التي يدعي ألأنجليز انهم زرعوها من اجل شجرة عيد الميلاد، لكنهم، ولوا، وظلت، واتسعت غابات الأثل لتستقبل سفرات المدارس، وحفلات الأعراس، والسفرات العائليه، والحزبيه، والطلابيه، والنسائيه، والگشتة "النوم في البراري" وليالي السهر، والسمر، والخشابه، والصيد "القنص" ، وعيون النسور اللامعة، وألأبار العميقه المدروسه، والجديده التي تشكل حول بعضها مزارع للطماطه، والبصل، والبطيخ الشهي، والخيار، وانواع الخضروات. الدريهمية، والبرجسية اشهر المتنزهات، والمنتجعات الشعبية في عمق الصحراء، وقبلة السفرات الاجتماعية للعوائل، والمنظمات، والمدارس البصرية، قبل ان تلوثها دماء القتلى، وتشوهها حراب الحروب، والفاشية.
اما شيوخ الزبير فيؤكدون ان النازحين الاوائل من نجد، والسدير، هم من زرعوا اشجارالاثل البرية لحماية مدينتهم، ومزارعهم من عواصف الصحراء الرملية. وحطبا للبيع اذا شحت مواسم زراعتهم، وهذا مايشير له التاريخ، وتؤكده الروايات المتوارثة. وبذا تكون اشجار الاثل اول حزام اخضر في التاريخ. انه سور الزبير العظيم. ولكن متى انصفنا الاخرين، او انصفنا انفسنا؟
اهل الزبير بملابسهم التقليديه، وقاماتهم الرشيقه، وعاداتهم، ولهجتهم المحببة، واخلاقهم العربيه ألأصيله، وتميزهم بالتسامح، وعدم الغلو الديني او الطائفي، وعلاقات مسالمه متجانسه مع بعضهم، او محيطهم. عرفوا بالزهد، والتواضع، والتقوى. ازدحمت مدينتهم بالجوامع الشهيرة كالرشيدية، والذكير،والصوالح.
ومثلما اشتهروا بالورع عرفوا بحسهم الموسيقي الرفيع ومن اقدم المطربين خالد الربيب من اواخر القرن التاسع عشر،وحميد ياسر، وعشرات غيرهم. وقد غنوا انواع الابوذيات، والمقامات البصريه، والبستات. ظهر بينهم ادباء، وشعراء يشار لهم بالبنان، ولا يستقيم تاريخ للأدب العراقي دون ألأشاره الى الزبير، ومساهمات اهلها، ومكتبات رجالاتها الخاصة التي صارت منابر ثقافية لكل المنطقة. فيها اسست اولى المدارس في الخليح، ودرس فيها رجالات صار لهم وزنهم في كل مجالات الحياة، من الاحساء حتى عمان. لاتوجد مدينة في المنطقة زارها الملوك، والامراء، والشيوخ، والاعيان، والعلماء، والسفراء، وكبار المسؤولين مثل الزبير.
شعرائها المحدثين محمود البريكان الذي شابه المتنبي في ابداعه، وموته. الاثنان قتلا على يدي قاطع طريق. وكأن اسطورة الخير، والشر تجسدت في حياته، وموته. خالد الخشان الشاعر الانيق المرهف المهاجر. ومئات من رجال العلم، والثقافة، والصحافة، والادب. زيارات المستشرقين، والرحاله، واول مقر لشركة الهند الشرقية في المنطقة كلها . وهو للاسف بداية التغريب، والاغتراب للمدينة الصحرواية المحافظة الهادئة المطلة على الخليج بلا سفن، ولا سفانة. من منا لا يتذكر ألأغنيه الشعبيه عن البصره:
"البصره بيها العشّار.. وبيها الزبير، بيها النخل بيها الخير".
اسواقها تحمل نكهة الحكايات الشعبيه، وألأساطير القديمه، والصنعه البدويه، النعل، وألأحذيه، البشوت، والصناعات الجلديه، حولوا النخلة الى سوق صناعات كاملة. حياكة العبي، وحياكة، وتطريز انواع الملابس البدويه التقليديه. نسج العقال، والطاقيات المحليه "العرقچين". اسواقها التقليدة باسمائها االشخصية مثل سوق الابراهيم، وسوق سويلم، واسواق باسماء السلع: سوق المسامير، والحزم، والحمام، والحصران، والخبازين، والندافين، والسمك، والحبال. وكل ما ينتجه البشر تقريبا له سوق خاص. تعدد هائل في بقعة صغيرة جدا. سوق البنات، والعيون العربيه الساحره، والشعر البدوي الكاحل السواد المغسول بعصيراوراق اشجارالسدر"النبق".
العطور، والديرم، والاساور، والبراقع، والعباءات السوداء. من بين هذه ألأسواق ظهر، وتميز تجار كبار في اسواق البصره، ويغداد، وكل الخليج مستفيدين، ومستوعبين، ومستوحين كل التاريخ التجاري لعرب نجد، التي جاء منها بالأساس اهل الزبيرقبل حوالي 300 سنه. الشعيبه، وثورة العشرين، وابار النفط،، واضرابات العمال، ومقالع الرمل، والحصو، ومنتجات الجص، والجبس، والجير، وصناعة متقنه للصنادل، و السروج بالتناغم مع تربيتهم للخيول ألأصيله. معسكرات ألأنجليز، وقواعدهم، ومطاراتهم العسكريه التي طردتهم منها ثورة 14 تموز. وتحت ارض الزبير الرملية، الناعمة يتدفق الذهب الأسود ثروة العراق ألأولى، وسبب كل مصائبه، ومشاكله، ومؤامرات ألطامعين، وغزوات الجيران، وحملات المحتلين، والمستعمرين. شركة النفط الوطنيه، وآبارها الغنيه، والرميلة اغنى حقل نفط في العالم، التي لم يستفد منها الزبيريون شيئاً حالهم حال أهالي البصرة جميعاً...
في منتصف السبعينات كنت انا وزميلي المنحدر من عائلة نجديه من الزبير في زيارة عمل الى المدينه الصحراويه المستقره بهدوء بين البر،والبحر، وكأنها دُرّه في تاج الخليج. وصلنا وقت الظهيره. فحثني صديقي الى السوق القديم . رجوته، ان نرتاح، ان ناكل شيئا، ولكنه اصر على الاسراع الى السوق القديم ساحبا اياي ورائه كمن يقود ضريرا. كان السوق شبه مقفر، المحلات مفتوحه، والبضائع معروضه، ولا احد هناك غير بعض الصغار، ونحن. فهمت ما يريد ان يقوله لي.
تذكرت فيلم الرساله عندما ياتي احد الغرباء الى المدينه ، ويجد الاسواق فارغه فالجميع ذهبوا للصلاة مع النبي. تخيلت انني اقف في المدينه المنوره اشهد ذلك الذي شاهده الغريب. فهل بقيت ياترى اسواق الزبيركما كانت مليئه بالامان، والاطمئنان الذي جعلني اتصور،يومها، انني اعبر حاجز الزمن....
كتبها رزاق عبود
1334 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع