صباح نوري السعيد يمر بطائرته من تحت جسر الاحرار
أما حقيقة حكاية صباح مع جسر الملك علي ( الأحرار)، التي رواها صباح الى زميله العقيد الطيار محمود شاكر رضوان، الذي كان يشغل آمر السرب الضيف على معامل الطائرات ...
ولما كان كلاهما يحلقان سوية في تشكيل جوي يسمى (رف) ،قال صباح جملة أعتراضية لزميله الطيار محمود باللهجة البغدادية:(راح أخليّ بغداد تنرج)أي بمعنى تهتز.
وتلك الحادثة أخبر بها الطيار محمود شاكر، صديقه الحميم المؤرخ فيصل فهي سعيد، أحد الطيارين الأمريكان المتواجد في معمل الطائرات، كان غالبا ما يسخر ويستخف بكفاءة وقابليات الطيارين العراقيين وقدرتهم على الأنقضاض والمرور في المسالك الصعب في جلساته الحوارية مع زملاءه،
سبق لطيايرين أمريكان قاموا بنفس المغامرة
فتحداه صباح نوري سعيد واتفق على أثرها بعقد (رهان) معه لكي يثبت له كفاءة الطيار العراقي، قبل أن يصل الى الوسيلة لكسب الرهان، ولما صادف عبوره بسيارته فوق جسر الملك علي (الأحرار) خطر بباله أن يحلق بطائرته ويمر بها من تحت الجسر، غير أنه تردد وتصور في باديء الأمر أنها مغامرة جنونية!!.
وظل يفكر حتى عزم على القدوم للجسر بزورق بخاري وراح يسجل قياسات أرتفاع الركائز ( الدنك) وطولها ومسافة العرض بين ركيزة وأخرى، حتى عثر على المكان المناسب الذي يمكنه من النفاذ بطائرته في وسط المسافة بين الركيزتين،بعد عملية الهبوط والأنقضاض وتعيين نقطة الأنطلاق والأرتفاع.
يواصل المؤرخ فيصل فهمي حديثه الذي أخبره به الطيار محمود شاكر، قال: على أثرها أتفق صباح نوري سعيد مع المصور المشهور (أرشاك) وطلب منه أن يحضر في موعد هبوط طائرته، وينزل على سطح زورق بخاري في دجلة ويلتقط له عدة صور لتوثيق مناورته ومغامرته الخطيرة في الوقت ذاته ، وحذره بشدة من عدم المجيء في موعد طيرانه الذي حدده بدقة في موعد يومه وساعة الصفر من وصوله ومروره من تحت جسر الصالحية وأخبر به المصور أرشاك، وأوصاه أن لا يبوح به لأي أحد ومهما كلف الامر، وقد علق صباح خلال حواره مع صديقه الطيار محمود شاكر، متحديا الطيار الأمريكي، قالها باللهجة البغدادية: ( لازم اعبر من تحت الجسر حتى أفكس عين هذا الأمريكي) وبالفعل بدأ بالتحليق فوق سماء الأعظمية وأنطلق مع أنحدار دجلة وأنخفض بطائرته بشدة ولما وصل فوق جسر المأمون(الشهداء).
وفي لحضتها شعر المارة البغداديون العابرون على الجسر، بالذهول وأصابهم الدهشة والذعر لما رأوا ولأول مرة منظر الطائرة القريبة من رؤسهم ودوي صوت محركها، ولما بلغ نقطة الهبوط المستقيمة التي حدد مسافتها قبل وصوله جسر الأحرار، عبر بين أحدى الركزتين التي عينها، وقد بلغ وقت العملية ماقبل وبعد العبور، اقل من دقيقة، وكان المصور أرشاك وكامرته، في حالة أستعداد تام ، والتقط عدة صور للطائرة ، ورغم شعوره بالذهول هو الأخر ، كونه لم يخطر بباله أو يتخيل، أن صباح سيمر من تحت الجسر بطائرته الأمريكية، لكنه ظل يلتقط الصور بدقة وسرعة متناهية حتى عبر صباح بطائرته سالما من تحت جسر الأحرار...
أنتهى أرشاك من مهمته، وفور وصوله الى الأستوديو قام بتحميض (10) صور وقد نسي تحميض صورة اضافية بقيت في الاستوديو ليصبح الاجمالي (11) صورة وسحبها عل عجالة وذهب بها الى مجلس الوزراء وطلب مقابلة عاجلة أمام رئيس الوزراء نوري سعيد ، ظنا منه حصوله على مكافأة مالية كبيرة تتناسب مع قيمة الصور النادرة لما قام به ابنه، فقابله الباشا ولما علم بالأمر، شعر بالغضب، واعتبر ماقام به ابنه فعل مشين واشبه (بأستهتار) باموال الدولة واستغلال لمكانة ابيه فأنهال على أرشاك بصفعات على خديه، ونسميها بلهجتنا البغدادية ( شبع راشديات ) وكان حاضرا المرحوم عبد الرزاق الحسني، حيث قال بالنص الى المؤرخ فيصل فهمي سعيد:
(أنا ووصفي طاهر خلصنا المصور أرشاك من أيد الباشا بالگوة)
وأصدر الباشا في يومها قرارا، أبرق به الى مدرسة الطيران بمنع صباح من الطيران، وبقي مدة حتى عين على أثرها أول مدير عراقي للسكك الحديد بقيت صورة يتيمة من مجموع ال(11) صورة وهي ( المنشورة) توثق عبور الطيار صباح نوري سعيد من تحت جسر الاحرار وتحدى بالفعل ذلك الرجل الامريكي وتلك الصورة لم يقم أرشاك بتحميضها وبعد الحادثة، قام بتحميضها وسلمها الى صباح وأحتفظ بها ، حتى نشرتها زوجته الدكتورة عصمت سعيد في كتابها النسخة الاصلية بطبعة لندن بعنوان(نوري سعيد رجل الدولة والانسان).
670 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع