ليلى الجزائرية راقصة من زمن الأبيض والأسود /ح3

   

ليلى الجزائرية راقصة من زمن الأبيض والأسود  ليلى بين ملهى "الجزاير" و ملهى"تور دارجون"الحلقة الثالثة

 

         
 نوافذ:

** فريد الأطرش: ليلى خلقت من أجل الرقص، لذلك أتركوها كما هي ولا داعي للخلط والمزج بين الرقص والغناء والتمثيل].

** أول فنانة شاهدتني أرقص بملهى "الجزاير" هي الفنانة الإيطالية "جينا ليلو بريجيدا"

**دائما أستجيب لطلبات ورغبات زبناء"الجزاير"، رغم كل ما يشكله لي ذلك من تأخير وتعب»

**هذه هي بداية ليلى بنت الجزائر بالعاصمة الفرنسية باريس.. سنوات من العمل بملهى جزائري.. تحت أضواء الليل، ورفقة فرقة موسيقية رائعة.. إنها البداية التي ستفتح لي أفاقا رحبة في عالم الرقص الشرقي والسنيما العربية والعالمية.

                                

بعد كل هذا الذي رويته لك، أيها القارئ العزيز، أقرأ في عينيك سؤالا لا تجرؤ على طرحه علي. إنك تريد معرفة  السبب الذي جعلني أعشق الرقص وأطلق التمثيل وأكره الغناء…؟!ليست هناك أسباب غريبة وعصية على الفهم.. ستعرف مع قادم الأيام والحلقات أنه كان لي نصيب من الغناء إلى درجة أن بعض الذين جاوروني عبروا لي عن إعجابهم بصوتي، ولم يعد يكفيني سوى أن أخضع أوتاري الصوتية لعمليات تمرين حتى أصبح مغنية من الدرجة الأولى.

ولعلمك، أيها القارئ العزيز، أني سجلت أول أسطوانة لي وأنا بباريس.. كانت الأغنية من كلمات كاتب يهودي تقول في بعض كلماتها:« شوف عمري.. شوفو سري.. شوفو للي خفيف وظريف…».

كل من سمع هذه الأسطوانة، عبر لي عن إعجابه بالأغنية صوتا ولحنا و كلمة.. إنه واحد من الأدلة على أنه كان لصوتي حظ في تسجيل اسمي ضمن لائحة المغنيات خلال هذه الفترة من القرن العشرين[ حاول زوج أخت الراحل عبد الحليم حافظ أن يحتضنني ويجعل مني اسما بارزا في الساحة الغنائية المصرية إلى جانب أم كلثوم].

أما أنا فلم تنل الأسطوانة مني أي رد فعل إيجابي، لأني رفضت صوتي واعتبرته دون المستوى ويحتاج إلى سنين طويلة لصقله والرفع من مستواه حتى يصل المرتبة التي تسمح له بمنافسة أعتى الأصوات الغنائية العربية آنذاك، ويثير انتباه الملحين وكتاب الكلمات.

 

عندما سافرت إلى القاهرة، لاحظت أن بعض أغاني  كاتب الكلمات اليهودي قد بيعت هناك وبشكل كبير جدا. ومع ذلك حافظت على قراري القاضي بمواصلة فن الرقص وعدم الانتباه إلى عبارات الإعجاب التي غالبا ما تكون سلبية النتائج على المعني بالأمر.. أنا راقصة ولست مغنية أو ممثلة[ ذات يوم سيقول لي فريد الأطرش: ليلى خلقت من أجل الرقص، لذلك أتركوها كما هي ولا داعي للخلط والمزج بين الرقص والغناء والتمثيل]. أنا الآن بملهى "الجزاير" ، أو إن شئت قل مدرسة "الجزاير" الموسيقية. أشتغل على مدار أيام الأسبوع. كل ليلة ابتداء من الساعة التاسعة حتى منتصف الليل. زبناء الملهى/ المدرسة نخبة من السياسين ورجال الأعمال والاقتصاد والثقافة والفن… خاصة أولئك الذين كانت تقودهم أقدامهم إلى عاصمة الأنوار من أجل العمل أو السياحة.. عرب وأجانب على حد سواء..

 

أول فنانة شاهدتني أرقص بملهى "الجزاير" هي الفنانة الإيطالية "جينا ليلو بريجيدا"[ممثلة ومخرجة ومؤلفة ومنتجة إيطالية من مواليد 4 يوليو1927 بروما الإيطالية.

 

عدد أفلامها وصل إلى 83 فيلما. أول أفلامها أنتجته سنة1946].

             

وكان ذلك في ملهى ثان يحمل اسم " تور دارجون"(   la tour d'argent )  الذي يوجد بالدائرة الخامسة بباريس؛ وهو من أقدم الملاهي الفرنسية حيث يعود تأسيسه إلى سنة 1582 من طرف " ترترو". وفي الأربعينيات، خضع الملهى لتغيير جذري، حيث أصبح معلمة فنية تقام فيه سهرات من مستوى عال جدا، على يد "كلود تيراي" أحد أبناء ترترو. ميزة الملهى، الذي حظيت بتقديم عروض للرقص الشرقي على خشبته،أنه كان مفتوحا في وجه كبارالشخصيات السياسية ونجوم الفن السابع أمثال:

  

إمبراطور اليابان هيروهيتو، الملكة البريطانية إليزابيث الثانية ، الرئيس الأمريكي جون كينيدي، أورسن ويلز، جون واين، إيرول فلاين، مارلين مونرو…إلخ.
قصة خروجي من "الجزاير" ودخولي "تور دارجون"جاءت برغبة من صاحب الملهى. هو الذي طلب من عزيز الشاذلي أن  يسمح له باستضافتي بـ"تور دارجون" لإحياء بعض السهرات أمام  زبناء من مستوى اجتماعي وفني راق جدا. ومما قاله صاحب "تور دارجون" للشاذلي:« من فضلك أريد من ليلى الجزائرية أن تقدم لنا بعض الرقصات بالملهى، لأن ضيوف هذه الليلة يتقدمهم اسم  كبير هو "أنتوني بيركينس"، إضافة إلى أسماء أخرى من الممثلين الأمريكيين.. أطلب إذنك بالسماح لها بذلك». أجبت الشاذلي عندما طلب رأيي:« ليس لي أي مشكل في ذلك».

  

عندما ذهبت إلى ملهى "تور دارجون"، تم استقبالي بحفاوة كبيرة. توجهت نحو الغرفة الخاصة بي لتغيير ملابسي. كان يرافقني في هذه الخرجة الفنية أعضاء الفرقة الموسيقية. نبهت الجميع إلى أننا أمام امتحان عسير جدا؛ المكان الذي نحن به يفرض علينا احترام الثقة التي وضعها فينا المضيف وفي اختيارنا لإحياء هذه السهرة الراقصة. لا يجب أن نقترب من أي شيء ليس في ملكنا.  خلال ساعات من ليلة ذلك الامتحان، قدمت أجمل ما يمكن للجسدي أن يبوح به أمام نخبة واسعة من زبناء الملهى. كنت أنا والمجموعة الموسيقية، فعلا، في قمة اللحظة. كان حجم التصفيق والتشجيع اللذين نلناهما دليلا على أننا حققنا الرهان، وأكدنا أننا في مستوى الثقة التي وضعها فينا  صاحب ملهى "تور دارجون". هذه أول حفلة من المستوى العالي التي أسجلها بمداد من الفخر والاعتزاز على صفحات ذكرياتي. حفلة تابعتها أسماء مشهورة في عالم التمثيل والموسيقى، وحتى وجوه السياسة كانوا حاضرين تلك الليلة، لا سيما أولئك الذين كانوا يشتغلون إلى جانب الرئيس الفرنسي شارل دوغول. بعد أن قدمنا التحية إلى الحاضرين معلنين انسحابنا من على خشبة الملهى، حيث توجهنا إلى غرف الملابس. تابع صاحب المحل خطواتي مسرعا ليقول لي:«إن الحاضرين يرغبون في رقصة ثانية.. أرجوك أن تلبي لي هذا الطلب ولكافة الحاضرين بالقاعة…». أخبرته بأن طلبه مقبول، وسأعود إلى القاعة بعد استراحة قصيرة.   عندما ولجنا القاعة، استقبلنا مرة أخرى بكم مضاعف من التصفيقات، مما زاد من عزيمتنا في تقديم الأحسن والأفضل. كانت رقصات شرقية على إيقاعات موسيقية نجحت الفرقة في ضبطها دون السقوط في "الفوس نوت".. الذين كانوا أمامنا هم نجوم في الموسيقى والغناء والتمثيل وحتى الرقص... توجهت مرة ثالثة إلى غرفتي لتغيير ملابسي والعودة إلى المنزل في ساعة متأخرة من الليل. أما الأجر الذي تقاضيته تلك الليلة فكان عبارة عن هدية مهمة جدا(…).

وفي الغد، استأنفت عملي بملهى "الجزاير" الذي كان يربطني به عقد عمل. وكما قلت من قبل، فأنا فنانة "ليلية". كل عملي يتم بالليل وليس بالنهار.. وربما جاز لك، عزيزي القارئ، أن تجد بعض الصدفة والدلالة بين اسم"ليلى" و"الليل"…!!! في "الجزاير" كان الزبناء يأتوننا متأخرين بعض الوقت ليجدوا أن برنامج الليلة أشرف على نهايته. وفي كثير من المناسبات، يطلبون من صاحب الملهى تمديد السهرة وخاصة رقصات "ليلى الجزائرية". كنت أسمع من بعضهم:«أوه..آنسة ليلى..لقد جئنا إلى هنا من أجلك ومن أجل رقصاتك…». دائما أستجيب لطلبات ورغبات زبناء"الجزاير"، رغم كل ما يشكله لي ذلك من تأخير وتعب».. هذه هي بداية ليلى بنت الجزائر بالعاصمة الفرنسية باريس.. سنوات من العمل بملهى جزائري.. تحت أضواء الليل، ورفقة فرقة موسيقية رائعة.. إنها البداية التي ستفتح لي أفاقا رحبة في عالم الرقص الشرقي والسنيما العربية والعالمية.

للراغبين الأطلاع على الحلقة الثانية:

http://www.algardenia.com/ayamwathekreat/7700-2013-12-08-11-35-29.html

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

748 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع