علي المسعود
الفيلم الامريكي ( هالة ) يسرد لنا جانب من حياة مراهقة مسلمة في المجتمع الغربي
يعيش بعض المسلمون فى أوروبا وأمريكا ودول المهجر حالة من عدم الاتزان ، وذلك نتيجة حالة الفصام التى يعيشونها، بين تقاليد شرقية أو تعاليم دينية وواقع غربى، هناك حالات يعتبرها الغرب عادية ولا تشكل أى إساءة أو تجن فى حق الأسرة، كقرار بنت بالانعزال عن الأسرة، أو رفض الزواج من ألاقرباء أو من نفس الديانة وتفضيل آخر أجنبي، أوأن تصادق فتاة رجلاً غربياً، وكذالك لا يقبل الرجل الغربى أوالمرأة الغربية التى لا تقل عنه أهمية من وجهة نظر المجتمع والدستور أن يسمعوا عن جرائم قتل من أجل الشرف ، فى حين هذه الجرائم من الممكن أن تحدث فى أية دولة إسلامية ، هذه الحالات هى ما يتناولها الإعلام الغربى ليعرضها عرضاً درامياً مشوقاً . أما بالنسبة للمراة المسلمة ما أن تطأ أقدامها بلد المهجر حتى تجد نفسها بين مطرقة الاندماج في المجتمع الجديد وسندان الحفاظ على الهوية الدينية التقاليد العربية والمسلمة، و بين إحترام رغبة الاهل في اللبس والعلاقات الاجتماعية وإيجاد وسيلة لفهم تقاليد الواقع الجديد ، ويبدو أن الجيل الثاني من المهاجرات المسلمات أكثر جرأة وقدرة على التكيف من الجيل الأول. في فيلم " هالة "وهو فيلم درامي أمريكي أنتح عام 2019 ، من تأليف وإخراج الأمريكية ذات الاصول الباكستانية ومن خلفية أسلامية " منهال بيغ ، في هذ الفيلم نتابع حكاية هالة الشابة (جيرالدين فيسواناثان) الطالبة في المرحلة الاخيرة من الدراسة في المدرسة الثانوية وترتدي الحجاب وتعيش مع والديها زاهد (آزاد خان) وإرام (بوربي جوشي) ، يعمل زاهد محامي ، في حين أن إرام هي أم وربة بيت ومسؤولة عن الإدارة اليومية لأسرتها - وتقوم بتحضير العشاء ، وضمان أن تقوم هالة بواجباتها الدينية ، هالة تصلي وترتدي ملابس محتشمة ولا تظهر الكثير من جسدها ، وفي مشهد مع أمها في أحد المتاجر لشراء ملابس للفتاة ، وحين تختار الشابة "هالة" بلوزة بلا أكمام، ترفض الأم بشدة وتختار لها قميص دون رغبتها ، وفي هذا المشهد أرادت المخرجة أن تبين حالة الاستلاب والقهر التي تعانيها الشابة"هالة" حتى يصل ذالك الى ابسط الاشياء الا وهو أختيارها للباسها والفتاة هالة أقرب إلى والدها من والدتها حيث تشاركه حل الكلام المتقاطعة، هالة تحب الأدب، وتكتب ألاشعار من حين لآخر ، في بداية الفيلم ألقت نص يعبّرعن ذاتها وشعورها، ذلك النص الذي جسد روح هذه المراهقة الوديعة الهادئة التي تغطي على الروح والرغبة في التمرد وتمزيق القيود التي كبلها بها الاهل بذريعة الحفاظ على التقاليد و قيم الدين الاسلامي . هالة الشابة التي سيصبح عمرها 18عاما، لها شخصيتان، واحدة لترضي بها أهلها ، وألاخرى لترضي روحها ورغباتها وهي شخصيتها الحقيقية خارج المنزل . ويكشف الفيلم عن طبيعة شخصية هالة ، الطالبة المحبة للحرية وأيضا الكاتبة الموهوبة، والتي لديها صداقات وثيقة مع فتيات أمريكيات غير مسلمات ، لكن لا يتسم تصرف والدها ووالدتها بلطف شديد تجاه أنشطة هالة بعد المدرسة. فيلم "هالة " هي رحلة فتاة أمريكية أصول باكستانية ومسلمة ، طالبة في المدرسة الثانوية والتي تعيش في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة ، تغرق بين عالمين، فهي متأثرة بالتقاليد التي غرستها فيها عائلتها وهي ترتدي الحجاب وملتزمة بالضوابط الدينية التي تضعها لها والدتها، ولكنها تعيش في بلد منفتح هي أرض الأحلام كما يطلقون على أمريكا .
في بداية الفيلم ايضا، ومن ضمن نشاط صفي ،اعطاهم الاستاذ " لورنس" واجب بيتي لمصطلح يجب عليهم تأويله والكتابة عنه وهو "وجهة النظر"، ماهي وجهة النظر؟ وما وجهة نظركم عن الأمور في الحياة؟، وهنا يرمزهذا المصطلح للفيلم نفسه ، وهو أنه سيكون من وجهة نظر " هالة" تلك المراهقة الأمريكية الباكستانية في سنتها الأخيرة من المدرسة الثانوية التي تتوخى الحذر من كلماتها وحركتها ، لكنها فضولية للغاية ولكن بعينيها وآذانها فهي تحب أن ترى وتسمع أكثر مما تتكلم ، هالة تطفو في سحابة بين ثقافتين، في البداية ومن أول مشهد نرى الفتاة تمارس العادة السرية ، حيث يخفي البانيو جسدها ، وبينما هي غارقة في رغبتها ، يأتي صوت والدتها لتفيق ويكون نصيبها التأنيب على ضياع وقت صلاة الفجر، في حين نرى الأب في البداية أقل حدة وبلباس غربي ، بينما الأم تظل في اللباس التقليدي، وتتكلم باللغة الاوردية وتطبخ أكلات شعبية وتستمع لأغاني شعبية ، وتزين بيتها ببعض الأشياء الباكستانية . "هالة" متحمسة لدراستها وللأدب الإنجليزي، وقد شجع عملها المميز السيد لورانس (غابرييل لونا ) مدرس ألانكليزية والذي يريد أن يفعل كل ما في وسعه لرعاية موهبتها حتى تتمكن من الدخول أفضل جامعة . لكن مشاعر جارفة تقودها إلى زميلها الأمريكي الاشقر جيسي ويقوم بدوره الممثل (جاك كيلمر) ، شاب لطيف ، لكنه يرى أيضًا زميلته "هالة" بطريقة مختلفة ويشاركها في التزلج على اللوح. "هالة" تتأرجح تارة بين كلمات والدتها عن العفة والتقاليد والقيود وتارة أخرى بين الحرية وهي تتسابق عبر شوارع شيكاغو على لوح التزلج الخاص بها . تكتفي في البداية باختلاس النظرات إليه ثم تجمعهما صداقة تتحول لعشق ، ثم للممارسة جنسية وهي من رغبت فيها. بعد قضاء ليلة مع حبيبها الامريكي الاشقر وهو زميلها في الدراسة، عادت هالة إلى المنزل ، ولتجد الاب وعند تحيتة ، يرد عليها : "مع من كنت؟" المراهقة إبنته هالة تلعثم " مع زميل"، يقول والدها "قولي لي الحقيقة هل لمسك؟ ، أوسأجلب القرآن وأجعلك تقسمين عليه"، وحين تصر هالة على ألأنكار وعدم حدوث ملامسة ، يصفعها الأب ، عندها تحتج الام على ضربه البنت وهي الفتاة الناضجة . علاقة هالة بزميلها "جيسي" يمكن أن تكون للتجربة فقط ، أو فعلا كان هناك شيء حقيقي بينهما، وعندما تركته خوفا عليه من والدها، لأنها غير مسموح لها أن تكون مع شخص ليس باكستاني مسلم، سألها “قولي لي لماذا؟”، ولم تجد الرد على سؤاله ، لأن كل المسببات هي أمور غبية ناتجة من تفكير متخلف ، وظلت هالة تسأل هذا السؤال لكل الأمور في حياتها من تلك اللحظة . هالة فتاة مراهقة، وكأي شخص في هذه السن، تريد أن تجرب امور جديدة، وبالطبع الأمور الجديدة هذه في منزلهم خاطئة، من اعجاب لزميل، نزع الحجاب، التفكير خارج إطار المفاهيم الاسلامية، لكن في المقابل واجهوها الأهل بالحماية المفرطة واغصابها على العيش الاسلامي الصحيح وعدم الاندماج والغوص في المجتمع المحيط لكي لا تتأثر تربيتها الدينية بها . الأم تكرر نصائحها للبنت بأن لا تفوت صلاة الفجر ، وألا تقترب من الصبيان في المدرسة ، تتوافق هالة ووالدها (آزاد خان) بشكل جيد ، ويتشاركان حب الألغاز المتقاطعة. في البداية كان الوالد في صف هالة، لكن عندما بدأت هالة تخرج مع زميل لها، انقلب الوالد لشخص متخلف وذكوري متدين، وامها هنا كانت تدافع عنها. و عندما شوهدت بمفردها مع جيسي وهويوصلها الى البيت بسيارته ، انفجر ألاب وقام بصفعها وهذا الفعل أحدث شرخا كبيرا في الاسرة وكأنه أيقظ روح التمرد عند هالة ووالدتها من تلك القيود التي فرضتها عقلية الأب المتخلفة والمتناقضة . الأب فهو كمحام يعتبر المحاماة مهنة للكسب وليس لتحقيق العدالة، وهو أيضا له علاقة مع زميلة له ، لكنه عندما يرى ابنته عائدة بسيارة زميلها ينفجر ، فهو الشرقي صاحب الشرف ، ويكون سؤاله الأول هل حدث شيئ بينهما؟ يعني ملامسة جنسية ، ولا يتورع عن صفع ابنته ثم التخطيط لتزويجها بطريقة تقليدية والعريس هو ابن صديق باكستاني ومسلم ، لم تتحمل الفتاة هذه الطريقة فتهرب من البيت وتذهب الى بيت مدرس اللغة الانكليزية (لورنس) ، تستكشف الزوجة أيضا خداع زوجها ومدى تضحيتها وتطلب الطلاق للخروج من سجن دام طويلا ، ولم تحقق ذاتها في المهجر، وتصمم على أن تنال ابنتها تعليما جيدا حتى لو كانت الجامعة بعيدة . في المشهد الأخير بعد أن تؤدي الفتاة صلاتها، تخرج من غرفتها بالسكن الجامعي بدون غطاء الرأس لعله نتيجة طبيعية غير مبالغ فيها، وله دلالات التحرر، أي كأنها فهمت المعادلة بين عالمين بينهما، ولكنه لا يكون صادما بالعكس نشعر بأنه يلبي رغبة الشخصية التي أصبحت أكثر نضوجا وفهما لهويتها كمسلمة وشرقية ، وحياتها وكينونتها هنا كمواطنة في هذا المجتمع الذي عليها أن تكون جزءا منه وليست ضيفة أو مهاجرة غريبة. تقول مخرجة الفيلم "ربما فيه ملامح حزينة إلى حد ما، وهو لا يستعرض أحداثا درامية خطيرة ومعقدة، لأنه يصف جزءا كبيرا من طفولتي ، حيث إنني من عائلة باكستانية محافظة . هذا الفيلم ليس الهدف منه إثارة للمشاعر والعطف ، ولعل الأهم إظهار قطعة من حياة هؤلاء النسوة والفتيات ، حيث الخضوع لسلطة العائلة والتقاليد، لسلطة الوالدين، بدون الذهاب بعيدا! بكل بساطة هو وصية لجميع الأشخاص الذين لا يعتقدون أنهم أحرار". في هذا الفيلم تبدو أن المخرجة وهي تنطلق من تجربة حياتية خاصة تريدنا أن نظل مع شخصية هالة ، وأيضا الأم حيث تكشف الفتاة زيف والدها، بالإضافة إلى الكتابة و الاخراج المتميز ، هناك رجل يقف خلف الكاميرا وهو مبدع الا وهي المصورة السينمائية البارزة" كارولينا كوستا " التي تستخدم إلى حد كبير التصوير الفوتوغرافي الثابت من زوايا تسمح لها بالتقاط عمق وتفاصيل منزل عائلة المحامي "زاهد"الذي تم ترتيبه بعناية. و في واحدة من أكثر إطارات الفيلم إثارة للدهشة ، نرى هالة في غرفة أخرى تتنصت على والديها يتجادلان في المطبخ. يتم استخدام قاعدة الثلثين بخبرة لتقسيم الصورة إلى ثلاثة أجزاء، مع وجود باب خروج في منتصف الشخصيات على كلا الجانبين . تقوم بدور "هالة" الممثلة الاسترالية "جيرالدين فيسواناثان" والتي برعت بشدة في إيصال الصراع الذي تعيشه الفتاة بين التقاليد والتحرر برغم انها من بيئة وخلفية مختلفة تماما ، حيث تنقلك الممثلة الشابة بكل بساطة الى كل تفاصيل حياتها وصراعها. تتيح لها الكاتبة والمخرجة، مينهال بيغ (التي تضم جوانب من تجاربها الشخصية في سن المراهقة من خلال تأليفها وإخراجها للفيلم) في إظهار تفاصيل أكبر. من المشاهد الرائعة في الفيلم ليس فقط لقطات الحب مع صديقها جيسي، ولكن مع معلم اللغة الإنجليزية مستر لورانس والذي يؤدي شخصيته الممثل "غابرييل لونا"، وأيضا مشهد التعريف باسمها "هالة" باللغة العربية والمشاهد الأخيرة من التقارب بين هالة ووالدتها. والحدث المهم هو زيارة أصدقاء والدها ( هينا ، ومحمود) في عطلة نهاية الاسبوع، التي كان الغرض منها تزويج البنت هالة الى الابن ( أراش ) وهو الذي انهى عامه الاول في دراسة الهندسة الميكانيكية ، هذه الزيارة شكلت منعطفا مهما في الفيلم ، فعند حديث زوجة صديق والدها الباكستانية الاصول والحاصلة على شهادة دكتوراة في علم النفس، (لم نعد في الزمان الذي تؤدي فيه النساء كل الاعمال المنزلية، لم نعد نعيش في باكستان التي غادرناها منذ زمان) ، هذه الزيارة التي سببت ردة فعل قوية وصادمة الى الأم "إرام " والدة هالة ، بالنسبة الى ردات فعل والداها كانت صادمة، وهما مستغربان من تفكير زوجة صديقهم الباكستانية ، التي من المفترض أن تكون مثل تفكيرهم . والتي كانت نتيجتها غيرت نظرة ألأم ( إرام) وأعطتها دفعة قوية في أن تتخذ قرارا مهما في حياتها ولهذا طلبت الطلاق، وعاشت هي وهالة بمفردهما إلى ان ذهبت هالة للجامعة . الفيلم من بطولة جيرالدين فيسواناثان ، جاك كيلمر، جابرييل لونا ، بوربي جوشي، آزاد خان، تايلور ماري بلايم، الفيلم كتابة واخراج المخرجة الشابة الأمريكية مينهال بيغ ، يذكر أن مينهال كتبت أول حلقة من مسلسل “رامي” من انتاج “هولو”) الذي أثار ضجة، حيث كان عن شاب مسلم وتحدياته في المجتمع الامريكي. "مينهال بيغ "مخرجة ومنتجة وكاتبة أمريكية من شيكاغو ، إلينوي. كتبت وأخرجت فيلمين ،. ليلة واحدة وهالة ، ولدت مينهال بيغ وترعرعت في روجرز بارك ، شيكاغو لوالدين باكستانيين مع شقيقها وشقيقتها . انتقلت إلى لوس أنجلوس في 2017 لمتابعة مسيرتها المهنية في كتابة الأفلام وصناعة الأفلام وعرض فيلمها الأول ليلة واحدة ، بطولة آنا كامب لأول مرة في مهرجان أوستن السينمائي في 14 أكتوبر 2016 ، بعد انتقالها إلى لوس أنجلوس ، كافحت لمدة عام ونصف للعثور على وظائف توجيه كامرأة مهاجرة و ملونة .طوال هذا الوقت ، كانت تقوم بتحرير أول فيلم روائي طويل لها ، هالة إستنادًا إلى فيلم قصير من نفس الفيلم الذي أصدرته في عام 2016 . هالة ليست سيرة ذاتية ، لكن بيغ استمدت من تجارب حياتها مادة الفيلم ، الفيلم تم عرضه في قسم المنافسة الدرامية بالولايات المتحدة في مهرجان صندانس السينمائي لعام 2019 ، تم تصويره في حي روجرز بارك في شيكاغو بالقرب من المكان الذي نشأت فيه بيغ . تم تصوير بعض المشاهد في مدرسة ثانوية كلية نورثسايد الإعدادية. الفيلم رشّح لجائزتين محليتين في امريكا عن الاخراج . للفيلم أهمية في نظري كبيرة، من ناحية ربط أفعالنا بالمنطق واللامنطق، وخلق مفهومنا الخاص لقيم الصواب والخطأ ، هالة فيلم درامي مميز ويسرد لنا جانب من حياة مراهقة أميركية باكستانية تكافح من أجل تحقيق التوازن بين رغبتها والتزاماتها العائلية والثقافية والدينية.
4194 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع