علي المسعود
من أين نأتي ب"دي بييترو " في العراق ؟؟
عند الحديث عن مصيبة العراق الحقيقية، فهي بالتأكيد أفة الفساد والتي يمكن أن يشخصها الطبيب والفلاح والشحاذ والأستاذ ،الفساد والذي انتشر في كل مفاصل الدولة، وأصبح دولة داخل دولة يتحكم في مصير البلد، وفشلت كل الحكومات في الحد منه، بل أن بعضهم كان جزء منه، والى اليوم ملفات الفساد مفتوحة بحق قيادات كبيرة تم إهمالها، ولم تقم الحكومات بأي جهد حقيقي لحرب الفساد ، فقط إطلاق الشعارات لتخدير الأمة وللمزايدة فقط . كما أن الفساد في العراق لا يشبهه فساد في العالم ولا حتى في التاريخ ، فمقدار ما نهب يكفي لإعادة بناء دولة خرجت من حرب كارثية، وبين حيتان الفاسدين معممون ورجال دين. ومع أن الفاسدين قلّة تعد بالآلاف عزلوا انفسهم في 10 كيلومتر مربع في بغداد ، فإن اكثر من ثلاثين مليون عراقي بينهم عشرة ملايين تحت خط الفقر وقفوا عاجزين عن تغيير الحال وعلى الرغم من أن العراقيين يوصفون بانهم لا يصبرون على ظلم، وإن ما أصابهم من حيف اقتصادي وبؤس وفواجع ما حصل لهم مثله في تاريخ صراعهم مع السلطة ، الفساد يتكاثر ويعتادعليه . السبب الرئيسي للفساد في العراق هو فساد الساسة، والفساد السياسي في العراق هو اختصاص حصري للطبقة السياسية المتنفذة فهي المحتكر الوحيد لهذا النوع من النشاط في العراق وليس أولائك المغمورون في حافات الجهاز الحكومي . الفساد في العراق يُقاس بالمليارات وليس بالمفرد وهو من فعل كبار المسؤولين والساسة ونواب الشعب. المناخ الملائم لنمو الفساد في العراق يبدأ من الأعلى الى الأسفل، ابتداءً من البنى الحكومية المتناحرة فيما بينها كسلطة تنفيذية وسلطة قضائية وسلطة تشريعية، مع وجود قضاء فاسد، ، فهو يوفر لمرتكبيه الحماية من القانون ويمنع ملاحقتهم، ويغلف أفعالهم بتشريعات قانونية في إطار عملية "شرعنة الفساد"، كما يقوم بإفراغ الإجراءات والنصوص القانونية من مضامينها ، ويغلّ أيدي الجهات المسؤولة عن مواجهة الفساد، ويقوّض استقلاليتها، ويجعلها خاضعة لسطوة الفاسدين، فتكون هي أيضا إحدى ضحايا الفساد. . هناك فساد سياسي من نوع اخر ويطلق عليه "الفساد التشريعي"، ويتمثل في تصميم القوانين لتلبية رغبات الاحزاب الاستئثار بالسلطة، وما يتصل بها من نفوذ وثروة . وربما يجتاد العراق الى رجل مثل القاضي ألانتحاري" أنطونيو دي بييترو " في محاربة هذه الوباء ، ولهذه القاضي حكاية اسردها اليكم ، عسى ولعل الله يرزقنا بواحد مثله .
في بداية التسعينيات وفي إيطاليا ، أعلن قاض أربعيني إسمه أنطونيو دي بييترو الحرب على الفساد ، وهو سياسي، ومدع، وقاضي، ومحامي إيطالي، برز في مرحلة من تاريخ ايطاليا أصبح فيها قاضي التحقيق في ايطاليا رمزاً للاستقامة ونظافة الكف ورفض النظام الفاسد بكل سياسييه المرتشين والغارقين في الفضائح حتى الاذنين، ففي شهر شباط فبراير 1992 اطلق قاضي التحقيق في مدينة ميلانو انطونيو دي بيترو عملية "الأيدي النظيفة" ، بدأ الأمر حين اكتشف دي بييترو أثناء إحدى التحقيقات تورط بعض السياسيين في قضايا رشوة.. و بعد توسيع التحقيق وجد أنها شبكة ضخمة على المستوى الوطني متورط فيها شخصيات من كل الوظائف والمستويات، وزراء و مدراء شرطة، مدنيون و عسكريون، ديبلوماسيون، رجال أعمال و زوجاتهم . إتخذ دي بييترو قرارا أعتبر حينها "إنتحاريا" بتوقيف كل المتورطين مهما كان منصبهم، شملت الإعتقالات 5000 شخص بينهم أكثر من 1000 من رجال الدولة و السياسة، بينهم وزراء في الحكومة ثم رئيس الوزراء نفسه الذي هرب بعدها لتونس حيث قضى بقية حياته. كان دي بييترو يعي أنه يحارب دولة بأكملها بكل ما يحمله المعنى، أضاف لقائمة أعدائه عصابات المافيا و الجماعات الماسونية، أطلق على العملية "الأيادي النظيفة" وصدم الإيطاليون لحجم الفساد و خرجوا في مظاهرات تدعم دي بييترو و تعتبره بطلا قوميا و أصبح إسمه يغنى في ملاعب الكرة مع شعار "دي بييترو جعلتنا نحلم". أصبح القاضي إسطورة حية ولم يفهم المحللون كيف تجرأ وفعلها، حين سئل بعدها كيف قام بتلك "المعجزة" و ذلك "الجنون" أجاب أنه اتخذ القرار و هو يعلم أنه قد يدفع حياته ثمنا لذلك وأنه إجتمع بمجموعة شباب من نخبة الشرطة وأفهمهم أن مصير البلد بأيديهم وأنه لا مجال للخوف و بدؤوا عمليات إختراق واسعة لشبكات الفساد، فكرته أن الفساد يدمر الدولة من الداخل لذلك يجب تدميره من داخله .
قال مرة مازحا :
"الفساد كزواج المصلحة، إذا أفسدنا المصلحة يبطل الزواج و يصبح الأحبة أعداء يدمر بعضهم بعضا".
دي بييترو دخل تأريخ إيطاليا بتسببه بإلغاء منظومة عمرها أربعون سنة و تسبب أيضا في فناء أحزاب تاريخية، على يديه إنتهت الجمهورية الإيطالية الأولى التي قامت بعد الحرب العالمية وأعلنت بداية الجمهورية الثانية .
خلاصة الأمر أن الفساد تتسبب فيه اللوبيات و يحميه الساسة و يصلحه العدل إن وجد...
( فهل يوجد لدينا قضاة مثل دي بيترو؟؟ )
الإصلاح الحقيقي يبدأ من القضاء ، مع أجهزة أمنية أمينة ومحترفة..تخدم الشعب لاالساسة وتطبق القانون عالجميع ؛ وهم اول من يلتزم به لاالعكس .
فهل سيولد في العراق دي بيترو يوماً ما؟ .
891 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع