علي المسعود
لا شيء أصعب من مواجهة عدو يتسلل إلى منزلك عبر الإنترنت!!
في الايام المنصرمة تابعت قضية الطفل أرتشي باترسبي (12 عاما) بعد أن فصل مستشفى في لندن ، أجهزة الإنعاش عنه وبعدما خسر والداه معركة قانونية طويلة ومؤثرة من أجل إبقائه موصولا بها وعلى قيد الحياة ، وعثر على أرتشي فاقدا للوعي في منزله يوم 7 أبريل ولم يستعد وعيه منذ ذلك الحين ، وبحسب والدته فقد شارك يومها في تحد على مواقع التواصل الاجتماعي( تيك توك- منصة الفيديوهات القصيرة الرائدة في العالم ) ويقضي بحسب الأنفاس حتى فقدان الوعي .
الحادث بمثابة جرس إنذار لجميع ألاباء والتنبيه الى خطورة ألألعاب الالكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي والتحديات بين الاطفال والمراهقين .ويدور هذا النوع من الألعاب على مواقع التواصل الاجتماعي بأشكاله المختلفة حول استدراج الأطفال والمراهقين إلى خوض التحدي عبر سلسلة من المهمات التي قد تبدأ، في بعض الأحيان، بأفكار أقل ضررا ثم يتم تصعيد مخاطر المهمات حتى يُطلب من الأطفال إيذاء أو قتل أنفسهم . ولتحقيق غايتها، قد تلجأ تلك الألعاب إلى نشر صور مرعبة أو تهديد من يلعبها . وسبق وأن حذرت الشرطة البريطانية من انتشار لعبة تُعرف باسم "تحدي مومو" تؤدي لأن تلحق بالأطفال الأذى بأنفسهم حتى أنها تسببت في وفاة مراهق أرجنتيني في الصيف الماضي. وتنتشر اللعبة على تطبيق اتصالات "واتساب" حيث يقوم مجهول بإضافة أرقام اللاعبين المحتملين مستخدماً صورة امرأة مخيفة تدعى "مومو" وتطلب من الصغار الانخراط في أفعال مروّعة بحسب وصف تقرير لمجلة نيوزويك الأمريكية. ويشترط التحدي على اللاعبين إرسال صورهم بعد إلحاق الأذى بأنفسهم من أجل إثبات تلك الأفعال المضرة حتى يتمكنوا من إكمال "التحدي" ويتجنبوا "إصابتهم باللعنة" كما تقول مومو في رسائلها للمشاركين . وتنتهي اللعبة بطلب مومو من المشاركين أن ينتحروا ويسجّلوا عملية قتلهم لأنفسهم حتى يراها العالم بأسره . وفي تحقيق للشرطة في أيرلندا الشماليةأ كشف عدد من الرسائل التي وصلت للمشاركين في اللعبة، منها رسالة من الولايات المتحدة تطلب من طفل أن يغرز سكيناً في حلقه وآخر يهدد أسرة بعواقب وخيمة إذا لم تنهي التحدي .
وهناك ألعاب تهدف إلى التسلية والمتعة، ولكن في مضمونها تؤدي إلى الانتحار والقتل ، على سبيل المثال، انتحر الكثير من الأطفال والمراهقين في دول عربية عدة بسبب لعبة "الحوت الأزرق" ، إذ تتضمن اللعبة مجموعة من التحديات تجبر المستخدم بعد التسجيل فيها على رسم شكل حوت على ذراعه بأداة حادة، ثم تتوالى التحديات حتى تصل إلى التحدي الرئيس، وهو الانتحار بطرق مختلفة . وكذالك لعبة «مريم» التي سببت الرعب للعائلات والإيذاء للأطفال الذين لم يستجيبوا، إضافة إلى لعبة «بوكيمون» التي استحوذت على عقول ملايين الأطفال والمراهقين، وخلّفت حوادث قاتلة وحالات هوس وجنون، وكذلك لعبة «جنية النار» التي توهم الأطفال بتحويلهم إلى مخلوقات نارية خارقة، وتطالبهم بالبقاء منفردين داخل غرفهم حتى لا يزول مفعول الكلمات السحرية التي يرددونها ومن ثم يحرقون أنفسهم، وكلما انتبه الآباء إلى خطورة لعبة ما يتم اختراع أخرى باسم جديد . الملاحظ الكثير من الأسر وأولياء الأمور يجهلون الخطر المحدق من انتشار الألعاب الإلكترونية خاصة التي تدعو للعنف أو تحرّض على الأذى جراء تفاعل أبنائهم معها وتواصلهم مع غيرهم ممن لا تربطهم بهم أي علاقة سوى وقت اللعب، وذلك دون رقابة من الأسرة وهو ما قد يهدد بنسف الروح المعنوية وكذالك القيم والأخلاق، ويُعد فرصة سانحة لهؤلاء الدخلاء لبث السموم الثقافية والاجتماعية التي تستهدف شريحة الأطفال والمراهقين . كما يُحذر العديد من المختصين في هذا الجانب من التأثير السلبي لاستخدام الألعاب الإلكترونية بصورة ملفتة بين الشباب والأطفال لفترات طويلة يومياً دون شعور أو إدراك منهم أو من أسرهم، وتأثيرها وانعكاساتها على صحتهم وخطورة ذلك على المدى البعيد ، وبعد تزايد الإقبال على الألعاب الإلكترونية وتضاعفها بشكل كبير ولافت خلال السنوات الأخيرة ، أصبح من الواجب مراقبة منصات الألعاب الإلكترونية التي انتشرت بشكل لافت والحسابات التي تُروج للعديد من الألعاب، وإصدار أدوات وتشريعات الحماية والرقابة على هذه الألعاب، وأهمية الدور الإعلامي في مواجهة مخاطرها وتقنين استخدامها. وألأهم متابعة الأبناء خلال لعبهم خاصة وأن الألعاب الإلكترونية . ومن تجربتي الخاصة أرى مشاركة الأسرة في اختيار الألعاب المناسبة لأبنائهم خصوصا التي تعتمد على الذكاء والألغاز وتُحسّن من أفكارهم وتنمي قدراتهم العقلية والمعرفية والذهنية هو جانب مهم من ضمن الحلول التي ستنعكس إيجابياً على الأبناء والتركيز على مثل هذه الألعاب التي تبعد عنهم التوترات، إلى جانب تحديد أوقات الجلوس التي يقضيها الأطفال والمراهقين أمام الشاشات، ومن الضروري أن يحافظ الآباء على (قنوات) تواصل مفتوحة مع أطفالهم بشأن ما يتعرضون له على الإنترنيت .
الخلاصة : مسؤولية احتواء خطر الألعاب الإلكترونية تتشارك فيها الجهات كافة، لأن الحديث هنا عن قيمة مجتمعية كبيرة، فضبط سلوك الأطفال وخلق شخصية إيجابية سوية وفاعلة هو في حقيقة الأمر استثمار في المستقبل، وضرورة التركيز على البرامج والأنشطة الخارجية والقراءة على وجه التحديد، لأن مكاسبها عظيمة، على عكس الألعاب التي تحض على العزلة وتقلب المزاج والاكتئاب، والتأثر بالشخصيات خاصة وتقليد السلوكيات المنحرفة . إن حماية الجيل الجديد من الاطفال والمراهقين يجب أن تبدأ قبل فوات الأوان، فما يحدث في العالم الآن ليس سوى جرس إنذار ينبّه إلى خطورة التداخل بين العالم الافتراضي والعالمي الحقيقي، ومن ثمّ انعكاس سلبيات العالم الافتراضي في مجتمعاتنا، وتحول تلك الأوهام والتخيلات إلى وقائع تفكك مجتمعاتنا وتصادر مستقبلها...
1763 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع