احدى مدارس جنوب العراق
بغداد ايام الزمن الجميل /6 التعليم والدراسه
يعتبر التعليم من الاسس التي تبنى عليها الدوله ومعيار تقدمها ونجاحها وبغداد منذ ان تأسست قبل اكثر من الف عام كانت رائده في مجال التعليم واصبحت في فترة العصر الذهبي كعبة العلم التي يؤمها طالبي العلم والعلماء
ولكن الظروف التي مرت بها جعلتها تتخلف في هذا المجال بسبب الحروب والاحتلالات من قبل غير العرب وابتعاد اهلها عن العلم والانصراف الى الاعمال والزراعه والتجاره حتى وصلت فيها نسبة الاميه عند احتلال العراق في عام 1917 الى 97 % من سكانها وعدد المدارس لايزيد على عدد الاصابع ولكن الحكم الوطني بعد عام 1921 بدأ بمنهج وخطه للنهوض بالتعليم وقد ذكرنا ذلك مفصلا في مقال سابق وفي بداية النصف الثاني من القرن الماضي كانت هذه الخطه قد اتت اكلها افتتحت الكثير من المدارس الابتدائيه الحكوميه والاهليه وكذلك الحال مع الثانويه والاعداديه وسيكون حديثنا اليوم عن التعليم الابتدائي ليس من باب البحوث بل من باب الذكريات الجميله التي رافقت الدراسه في تلك السنين الجميلات ..
لم يكن جميع البغدايين قادرين على ارسال اولادهم او بناتهم الى المدرسه وكثيرا منهم كان يكتفي ب (الملا ) وتحفيظ القرأن الكريم اما الفتيات فكن بعيدات جدا عن التعليم ومن الاسباب التي يعزف بسببها اولياء الامور من ارسال ابنائهم الى المدارس فقر الحال وعدم القناعه بجدوى ذلك وشيوع قناعه وهي (الحرفه او الصنعه اهم من التعليم ) وحتى النساء عندما يشجعون الفتيات على الزواج من شخص ما يقلن(اخذي ابو صنعه ولاتاخذين ابو قلعه) اضافة الى تسيد المجتمع الزراعي والقروي والذي يجعل الاب يحتاج اولاده وبناته الى العمل معه بدلا من الدراسه ..
كانت مدارس ايام زمان تختلف كليا عما هي عليه الان في جميع المجالات من المناهج الى المواضبه الى الانضباط والاحترام والشعور بالمسؤوليه وتقدير الهيئه التدريسيه واتذكر كنا عندما نشاهد احد المدرسين في الشارع كنا نهرب ونختفي لحين ذهابه اذكر ان المرحوم احمد حميد المدرس كان يعاقب الطلاب وهم خارج المدرسه وكذلك المرحوم الاستاذ مأمون اما الاستاذ المرحوم عبد الوهاب السامرائي مدير المدرسه فكان اصعب شيء علينا ان نمثل امامه في قضية بالرغم من عقوباته البسيطه رحمه الله هكذا كان المعلمين اكثر من ابائنا واعمامنا ..
القراءة الخلدونية للصف الأول الإبتدائي
مناهج التعليم ايام زمان لو اعادوها لكان يفشل فيها معظم التلاميذ ؟ من منا لايتذكر قراءة الصف الثاني الابتدائي وقصة الخروف العنيد الذي لايعبر النهر والمطارده بين الراعي والقصاب والحداد ووصولا الى القط الذي حسم الامر وعبر الخروف وكثيرا من تلاميذ اليوم لايتمكنون من العبور والحمد لله وقصة الدب ابو فهد ونظاراته والراعي الذي اخذه الخيال في جرة الزيت وتكاثرها حتي سقطت عليه وهو يحلم في اليقظه ؟؟ كانت كتابة تلميذ الثاني او الثالث الابتدائي افضل من كتابة الاعداديه اليوم !!
كنا نجلس صامتين ننتظر معلم القراءه ليقص علينا احدى قصص الكتاب المقرر الذي يحبب الينا دراسته وحفظه وكتابته . ومن منا لايتذكر ان علينا ونحن صغار ان نحفظ جزء (عم ) يتساؤلون عن النبأ العظيم سور من القرأن الكريم وكان امتحان البكالوريا من الصعوبه بمكان يرهب الكبار قبل الصغار ويجعلهم يواصلون الليل بالنهار لكي يجتازوا هذه المحنه كانت المدراس توزع كسوة شتويه للفقراء (قاط + قميص + حذاء + جواريب )
وكانت بعض المدارس مشموله بنظام التغذيه المدرسيه ولازلت اذكر ان المواد الغذائيه كانت تتألف من (الحليب ،باودر ، التين او التمر ، حبوب زيت السمك ، صمون الاعاشه وفي بعض الاحيان الفاكهه ) كان المعلمون يجبرونا على تناول زيت السمك والحليب ,,
أحدى مدارس البنات في العهد الجمهوري
لم نكن نشعر ان هذا فقير وذاك غني كلنا نلعب معا ونتشاجر معا ولدينا فريق لكرة القدم وبيوتنا مفتوحه للاخرين ..لم اذكر مره ان تدخل ولي امر احدنا في عمل المدرسه وكان من التلاميذ اولياء امورهم يشغلون مناصب في الدوله لقد كان المعلم والمدير هو الاب والاخ والعم والخال .. في حادثه سمعتها قبل ايام ان احد التلاميذ قام بطعن المدرس لانه لم يمنحه درجة النجاح واخر يهدده بالقتل والثالث يهدده بالارهاب ؟؟
كانت ايامنا اكثر برودة من هذه الايام ولكنها كانت اجمل ونحن نخرج من بعد انتهاء الدراسه التي كانت على جزئين 4 دروس صباحيه و 2 بعد الظهر وهناك ساعتين استراحة الغداء بينهما نخرج فيها الى بائع العنبه والصمون والطرشي والدوندرمه والابيض وبيض والجمار والنبق والكوجه والكركري والعنبر ورد....
طعمها الذ الف مره من احسن حلويات موجوده اليوم .. لم نكن نشتكي من مرض ولم يكن لدينا تكييف وتبريد وكانت الحياة تسير معنا على بساطتها وكنا نسير معها بحلوها ومرها لم نعرف التلوث ولا العنصريه ولا الديقراطيه ولا الطائفيه ولم تكن لدينا منطقه خضراء واخرى ساخنه لامثلث والمربع الاول ولا شفافيه ولا داء الملوك ولا الجلطه القلبيه..
كنا نأكل من باجة ابن طوبان ما يقسمه الله لنا دون ان نعرف مقدار الكولسترول ونتناول سمك الجري من العم حالوب مع قرصين من خبز التنور وقليلا من طرشي حنانش
او شيشين او اكثر من الفشافيش لم نكن بهذا التعقيد كنا نضحك اكثر مما نبكي ونلعب اكثر مما ننام ولكنا كنا من المتفوقين , لم يجرأ احدنا ان يدخل مقهى او يجالس الكبار او يتحدث بحضور من هو اكبر منه , كانت الاخلاق والاصول تسود حياتنا كانت هوايتنا والعابنا بسطيه وكان النهر صديقنا والشارع ملتقانا والمدرسه بيتنا ...
اين نحن الان ؟ ماذا حصل ؟ لما هذا الزلزال الذي حطم كل هذه القيم ؟؟؟
والى لقاء اخر من صفحات بغداد الحبيبه ... تحياتي .... عبد الكريم الحسيني
للراغبين الأطلاع على الجزء الخامس.. النقر على الرابط أدناه
http://www.algardenia.com/tarfiya/menouats/1732-5.html
587 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع