الكرخ ... والحنين الى الذكريات / الحلقة الاولى
يقول شاعرنا الكبير ابو تمام:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ماالحب الا للحبيب الأول
كم منزل يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل
اخترت هذين البيتين الرائعين لأبدأ بها ذكرياتي عن الكرخ والشوق الى أزقته وحواريه التي ينبعث منها عبق التاريخ وعتق مبانيه وعطرها المميز الى رجاله ونسائه وصبيته وبناته الى نوادر أهله الطيبين والشخصيات التي سكنته الى المواقف والحوادث التي شغلت ناسه آنذاك الى تاريخه النضالي والوطني المشرف عبر العهود والأنظمه مرورا بكبار فتواته ( اشقيائه) وكيف انتهت اساطيرهم الى عادات اهله وتقاليدهم وكيفية الأحتفال بها ومنها عيد غريب أنقرض منذ عشرات السنين الى قرارات الحكومات السابقه بتفتيت قسم كبير جدا من احيائه وتشرد ساكنيه في احياء بغداد الاخرى وكيف تم تعويضهم ماديا
وماالسطور التاليه الا نزرا يسيرا ولمسة حب ووفاء بذمتنا لرجاله ونسائه الذين زرعوا فينا نبتة الرجولة والشهامة والنخوة والاصالة والانتماء ، اضافة الى انها امانة تاريخية وشهادة توثيقية نقية نقاء قلوبهم ، صافية صفاء سريرتهم ، زكية زكاء ارواحهم الطاهرة التي تستحق الدعاء بالرحمة والمغفرة لمن توفي منهم والعمر المديد لمن بقي منهم على قيد الحياة...
سنبدأ بالوصف التفصيلي لمنطقة الكرخ القديمه موضوع ذكرياتنا هذه التي تنحصر بين رأس الجعيفر وساحة الشهداء وبين رأس الجعيفر ومستشفى الكرامه ثم شارع علاوي الحله تحديدا وانت قادم من العطيفيه باتجاه الكرخ القديمه وقبل ان يتفرع شارع موسى الكاظم الى فرعين يمينا وشمالا ستجد دار السيد توفيق المختار النائب الاسبق في البرلمان الملكي وهووالد قيس السفير بالخارجيه ود.مصطفى زميلنا في التربيه الاسلاميه والدار الان مجاور لملعب نادي الزوراء الرياضي وكانت بجانبه مقهى صغيره تسمى بمقهى ( الوحده العربيه ) تعرضت اكثر من مره الى تحطيم محتوياتها من قبل الشيوعيين ايام الزعيم عبد الكريم قاسم ، وسندخل الان الى محلة رأس الجعيفر المقابله لنهر دجلة الخالد الذي يمتد بمياهه العذبه على طول منطقة الكرخ القديمه لقد احب الكرخيون دجلة وأحبهم وافاح بالخير والجمال على اهله ،
من اهم الشخصيات التي سكنت الجعيفر هي عائلة السيد ( محمد الصدر ) رجل الدين المعروف ورئيس الوزراء الاسبق في العهد الملكي والشخصية الوطنيه الشهيره عراقيا وعربيا واسلاميا ، عائلة السيدان حميد دراغ وولديه محمد وعلي ورشيد دراغ الوجيهان المعروفان،عامر وثابت المختار ضابطي الشرطة ، حميد العلي وولديه القاضي سالم والضابط مجيد ،بيت سهيل ( حسن وحسين أفندي ) ...
نعبر الى محلة التكارته حيث يتوسط بيوتها من بعيد تشم رائحة طرشي ( حنانش الشهير ) ومحلة التكارته تقع بيوتاتها على يمين وشمال الشارع العام ، من الشخصيات التي سكنته الشيخ محمود أمام جامع التكارته ، ناظم حكمت ، شوكت عطا احمد قائد فيلق في الحرب العراقية الايرانية ، صبيح الناصري ..
بيت خساره ومنهم حامد يوسف حمادي وزير الثقافه الاسبق ،الشيخ كرم ، حميد المصطاف واولاده جاسم ومجيد ومحمد ووليد ،بيت العياش عبد الواحد وكريم ورحيم ومهدي وقدوري ،داود الحاج سلمان ، كريم الحمد ،بيت رواك ، مثنى محمد سعيد الصحفي..
والى اليسار كانت هناك دربونه تسمى دربونة ابو رواله وفي ركنها حمام للنساء كان يسكن فيها بيت علي الدبو وابن شقيقته زميلنا العزيز اكرم احمد السبتي الضابط في الجيش العراقي الباسل ...
(بيت طوبان ) اصحاب اشهر باجة في الكرخ ، نمشي قليلا الى محلتي الست نفيسه الى اليمين وخضر الياس الى اليسار ،يقع جامع الست نفيسه على الشارع العام وقد سميت هذه المحلة باسمها ويعتقد ان هذه الست الجليله هي من ايام العصر العباسي ومن سكنتها السيد علي البدوي الضابط السابق في العهد الملكي والشيخ ياسين امام الجامع المذكور ، الى يسار الشارع تبدأ محلة خضر الياس وتنتهي بنهر دجلة ومن سكنتها ..
الحاج عبد الوهاب السامرائي المربي الفاضل ومؤسس مدارس التربية الاسلامية ، بيت الشيخ أمين ، بيت احمد الياسين واولاده عبد الملك وكيل وزارة الخارجية الاسبق وخالد وطاهر وصادق ، بيت عارف السويدي ، حاتم حسن الياسين ، فاضل الكبر... عارف عبد الرزاق رئيس الوزراء الاسبق ، جسام السامرائي واولاده القاضي مجيد والضابطين خالد وعبد الجبار ، علي مامه الشقي المعروف واشقائه محمد ومهدي قوميه ...
بيت الحاج خيرالله طلفاح وولده عدنان وزير الدفاع الاسبق والشخصية الاحب الى قلوب الكرخيين ومعظم ضباط الجيش العراقي ومن الجدير بالذكر ان الرئيس السابق صدام حسين قد سكن في هذه الدار عدة سنوات برعاية خاله خير الله طلفاح ...
بيت عزاوي الشقي المعروف واشقائه سعودي وحمودي وفوزي ،وعلى نهر دجله يقع مرقد سيدنا ( الخضر ) عليه السلام وهو احد أولياء الله الكريم والذي ورد ذكره في سورة الكهف مع سيدنا موسى عليه السلام وقد تعود الكرخيون والكرخيات على زيارته خاصة ايام الخميس ، نمضي قليلا لنشاهد مستوصف خضرالياس يسارا ، محلة سوق الجديد تبدأ على يمين الشارع العام وهي مركز تجمع عشائر السوامره ونتذكر منه بيت هندي ، رحيم وصبار خلف الجواد ، بيت الضاحي ، بيت عبد الرزاق المشهداني والد زميلنا العزيز اللواء الدكتور اكرم ، وندخل الى مدرسة الفيصلية الابتدائة التي تخرج منها معظم صبية الكرخ العتيقة ،
الى يسار الشارع وباتجاه نهر دجله نشاهد ( جامع القمرية ) العباسي الاثري ثم مدارس التربية الاسلامية التي اسسها الراحل عبد الوهاب السامرائي يقابلها على الجانب الاخر من الشارع كهوة السوامره وفرن الحاج نبات ومكوى احمد الرمضان والد اللواء خالد ، بعد التربية الاسلاميه مباشرة تقع اعرق ثانويات بغداد التي تخرج منها معظم قادة العراق الا وهي ( ثانوية الكرخ للبنين ) ويقع مرقد وجامع ( حبيب العجمي ) رجل الدين الذي أحبه الكرخيون رجالا ونساءا وكانت تمارس بالقرب منه اغرب طقوس للفتيات سنأتي على ذكرها لاحقا ، نهاية ثانوية الكرخ وعلى النهر مباشرة يقع نادي المنصور الرياضي الذي ذكرناه في مقالة سابقه ، اما ثانوية الكرخ للبنات فتقع مقابل ثانوية البنين تقريبا ، نمضي قليلا الى الامام يقع دار الرياضي البطل علاء الدين النواب السباح العراقي الشهير الذي قهر بحر المانش وقد أزيل الدار وبنيت على ارضه مستشفى الكرخ للولاده ، بعد ذلك يتفرع شارع موسى الكاظم الى فرعين ينتهيان في ساحة الشهداء ، الفرع الايمن فيه محلات بيع مواد البناء المستعمله ( التفليش ) ومحل تجليد الحاج ذيبان المولى...
وينتهي بساحة الشهداء حيث كان ينتصب شامخا تمثال عدنان خير الله والى اليمين مقهى 14 رمضان ومحل حسين الشكرجي للحلويات ، اما الفرع الايسر ففي ركنه محل هوبي الحلاق وبعض محلات بيع مواد البناء والمطاعم الصغيرة ثم ساحة الشهداء وباتجاه نهردجله تقع مقهى العانيين...
نزولا الى دجله حيث تنتصب اشهر مقاهي الكرخ وهي (مقهى البيروتي) ونعبر الساحه فنجد دائرة التقاعد وعلى يمينها شريعة السمك التي تجري فيها يوميا عمليات بيع السمك الحي بالمزاد العلني ، فاتنا ان نذكر اصحاب ( الدوب ) والدوبه هي احد وسائط النقل النهريه التي مارسها الكرخيون سابقا حيث لم تكن وسائط النقل الاخرى متيسره كما هي الان وكانو ينقلون فيها الحصى من قضاء بلد والنفط من الدورة الى محلة التكارته لتفرغ الحصى وخلف ثانوية الكرخ لتفريغ النفوط ومن اشهر اصحاب الدوب بيت رواك
نعود الى الفرع الايمن من شارع موسى الكاظم من محلة راس الجعيفر وقد سمي هذا الشارع بأسم شارع الشيخ معروف وفي بدايته الى اليمين محلة الرحمانية وامتدادها نزولا تسمى ( النزيزه ) وهي محلة برك وبحيرات صغيره آسنة وراكده تستخدم لأستحمام الجاموس البقري ويسكنها اصحاب الجاموس الذين يطلق عليهم ( المعدان ) ويعتاش هؤلاء الناس من بيع منتجات حيواناتهم وبالذات ( القيمر )...
احد اشهى مايتناوله الكرخيون في وجبة الفطور الصباحي كونه كثير الدسم وكذلك المنتجات الاخرى كاللبن والحليب والجبن ، محلة الرحمانيه تعتبر حديثة قياسا بالمناطق الكرخية الاخرى وكانت تعود ملكية اراضيها الى عوائل الجبور مثل بيت قدوري الحداد واقاربه التي سكنت معظم المحلات التي سنورد ذكرها تباعا ...
وكان اغلبهم يعملون بتجارة المواشي والقصابة ( الجزارة ) ومن اشهرهم بيت ( كاطع ) وبيت كسار وبيت العسل وعباس الخضرة وبيت العثمان وغيرهم حيث كانو يتجمعون يوميا في ( المصلخ ) مكان ذبح المواشي ووزنها بالجملة وبيعها بالمفرد لاصحاب محلات القصابة في محلات الكرخ المتناثرة ويقع المصلخ بالقرب من مقبرة الشيخ معروف البغدادي ويجاوره ايضا علوة بيع الاغنام وعلوة بيع الاسماك التي تنبعث منها الروائح التي تزكم الانوف برائحتها العليلة..
وكانت هناك فسحة من الارض الجرداء تقام عليها فعاليات الاعياد والفروسية التي ذكرناها سابقا قبل ان تباع اراضيها للمواطنين حيث بنوا دورا لسكناهم وعلى يسار شارع الشيخ معروف تبدأ المحلات تباعا محلة الشيخ علي والعنازيه وبالعمق ..
محلة سوق حمادة التي سكنها الرئيسان عبد السلام وعبدالرحمن عارف ورئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز ، وسوق حمادة عباره عن سوق شعبي لاتتجاوزمساحته طولا خوالي مئة متر يبدأ شمال من سوق اللبن وينتهي بكهاوي عكيل وهي مجموعة من المقاهي سميت باسم عشيرة العكيلات التي سكنته سابقا وفي السوق محلات عطاره وبقاله وقصابه وفي منتصفه محل الحلاق المعروف ( الاسطه يوسف ) والد الكاتب المعروف معاذ يوسف وتوفيق التتنجي بائع التبوغ والعطار شلال صاحب اول سوبر ماركت عرفته بحياتي ومن سكنة سوق حمادة بيت الفضلي وبيت الكحله ومنهم الدكتور ماجد الكحله الرياضي الاكاديمي المعروف واشقائه وكذلك بيت الساده صالح السامرائي واولاده وليد وخالد المدرسين وكنا نسكن في دربونة الفضلي دار الحاج زيدان خليفه والدي والسيد عبد الرحمن القصاب والد المهندس عدنان وبيت الخوجه...
المتحف البغدادي
نمضي الى الامام قليلا فنجد محلة المشاهده ومن سكنتها الشقي المشهور ( محسن سهيل ) ثم محلة الفلاحات ثم الفحامه تباعا ، يمين ويسار الشارع العام كانت تتناثر المقاهي الشعبية مثل كهوة حمد الزركه وكهوة عبد السلام عارف وكهوة المشاهده ومحلات الباجة الشهيرة ( باجة ابن طوبان ) وباجة ناصر البندر وباجة قدري ،ومن العوائل التي سكنت هذه المحلات بيت سهو وعباس خضير وبيت هدن ، ومن المحلات الاخرى محلة سوق اللبن وسوق حماده ودربونة البستان وهذه الدربونه كانت تتفرع من سوق حماده ولها قصة معي فعندما قرر والدي تسجيلي في المدرسه حيث بلغت السادسه من عمري ورافقته صباحا وانا طائر من الفرح سألت والدي اين المدرسه فأجابني بدربونة البستان فرحت اكثر لاعتقادي بأنني سوف اكون وسط البستان وعندما وصلت المدرسه لم اجد لابستانا ولاحتى ربع شجرة بل هي مجرد دربونه ضيقه لاتتجاوز عدة بيوت لاتنفذ،وتليها محلةالشيخ صندل ودربونة الدهدوينه التي تنفذ الى محلة سوق الجديد كما هو الحال بمعظم المحلات التي ورد ذكرها حيث كانت تنفذ الى جانبي الكرخ القديمه ومن اشهر الدرابين الكرخيه التي كانت ترهب الصغار والكبار هي دربونة ( طنطل ) التي تعود قصتها الى شخصية خرافية اسطورية كانت تظهر ليلا وتقطع الدربونة بالعرض ولاتسمح بمرور الناس من خلالها حيث يقال والعهدة على الرواة ان طنطل هذا كان حجمه يغطي الدربونة باكملها فيرتعب الناس ويعودو ادراجهم والى بيوتهم مرعوبين ولم يتسنى لنا معرفة الحقيقة هل كانت الخرافة لترهيب الصبيه بعدم الخروج ليلا ام لسبب آخر الله اعلم ...
وعندما نجتاز جامع الشيخ معروف والشيخ جنيد البغداديان نلتفت يمينا والى الاعلى يلوح لنا من بعيد بمنارته العريقة جامع ( الست زبيدة ) والمقصود بها زوجة الخليفة العباسي الاشهر على مر التاريخ الذهبي للدولة الاسلامية ( هارون الرشيد ) حينها امتدت الامبراطورية الاسلامية الى مشارق الارض ومغاربها وكانت تهابه الامم الاخرى كالروم والبيزنط والاغريق وبلاد فارس التي قسمت الى ولايات متناثرة يحكمها قادة المسلمين آنذاك ، يتفرع شارع الشيخ معروف بعد ذلك الى فرعين يمينا شارع يسمى شارع 6 ...
وتقع بمنتصفه مستشفى الكرامه وكانت تسمى سابقا بمستشفى العزل لكبار السن العجزة ثم كراجات تصليح السيارات ومحلات بيع الادوات الاحتياطيه انتهاءا بسوق الارضرملي للخضروات ومحلة الدوريين ثم شارع علاوي الحلة ، اما الفرع الايسر فيبدأ بسينما زبيدة...
فمحلات تصليح السيارات انتهاءا بسينما بغداد وكانت تسمى سابقا ( سينما قدري ) وقدري الارضرملي ويطلق عليه الكرخيون الازرملي هوالوجيه المعروف ومن اصحاب الاملاك والاطيان سابقا وتعود لملكيته معظم الاراضي في هذه المحلات ومن الجدير بالذكر ان هذه المحلات قد تغير شكلها الجغرافي بعد تنفيذ ماسمي بمشروع تطوير منطقة الكرخ وعلى شكل مراحل من قبل امانة العاصمه كما سيرد ذكرها لاحقا
احمد زيدان 3 / 6 / 2013
الاخوة رئيس التحرير الشيخ جلال چرمگا واسرة الگاردينيا العطرة تحياتي واحترامي اليكم الحلقة الاولى من ذكرياتي عن الكرخ الحبيبة ارجو ان تنال رضاكم وسأبعث لكم بالحلقة الثانيه تباعا مع شكري وامتناني
الگاردينيا: شكرا للأستاذ/ أحمد زيدان على هذه الحلقة عن منطقة الكرخ العزيزة.. ننتظر الحلقات القادمة..
955 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع