((خواطر وذكريات وتأملات تحكي سفراتنا الطلابية والكشفية والعائلية أيام زمان))
لا يخفى على الجميع ما يمثله السفر الجماعي أو الفردي في الصغر أو الكبر سواء كان قصيراً وما يطلق عليه في العراق سفرة(رحلة)، أو سفر طويل من بهجة وسرور أو أسى أو حزن أو فراق أي بمعنى الهروب من الواقع ..
فالسفر مؤطر بفوائد يمكن توصيفها، بتغير جو الروتين الذي نعيشه في السكن والأكل والمكان، وبالمتعة والصحبة الأجتماعية، وبطلب العلم والتزود بخبرة المعرفة بالأعتماد على الذات مما يتطلب أن تكون وحيداً وتأخذ قراراتك بنفسك وهي مسئولية كبيرة لم يتعود عليها معظمنا في الصغر، وبالخروج من الآفاق الضيقة الى الآفاق الواسعة، وبالتجارة والتعرف على حركة السوق وبضائعه لأكتساب المعيشة وديمومة التعامل بها.
جميعنا لو قلب أوراق ماضيه لأيام شقاوته وحلاوة أوقاته فأن طيف سفراته لا يمكن أن تنسى، حيث كانت تحمل في ثناياها ماهو جميل لا يمكن ألا وأن تكون راسخة في ذاكرته وتكون أمامه عندما يريد أن يسترجعها.
فكرت بالكتابة كنزهة أتجول خلالها عن الرحلات في ربوع حياتنا لنغرف بعض مما كنا نلمسه أو نتحسس به بما أودعته ذكرياتنا لنضيء جزأً من حنين الأشتياق أليها وننثرها عسى أن تكون محفزا لمن يريد أن يقارنها بما تعنيه رحلات اليوم أن وجدت، مستعيناً بالذاكرة وبالاصدقاء وبقلمي الذي يحفزني على ذلك.
لو رجعت بنا الذاكرة لسنين الدراسة فأن أول ما نتذكره هو الرحلات المدرسية التي قمنا بها في كل مراحلها....(الأبتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعية)،ولكل مرحلة لها عالمها وطريقة لهوها ومرحها وتصرفها، وكلها كانت تساهم بارساء أطر تكوين شخصياتنا وتصرفاتنا.
ففي مدارس العراق بكل مراحلها الخاصة والعامة النموذجية وغير النموذجية، فقد دأبت أدارتها الى أستثمار وقت في آواخر الخريف في كانون الأول والربيع في آذار بتنظيم رحلات(سفرات) مدرسية لطلبتها(الذكور والإناث) كاجراء تربوي وترفيهي وجغرافي وتأريخي وأجتماعي والهدف منها تعليم الطلبة على الأبتعاد عن الجو الروتيني لما يمارسه الطلبة في البيت والمدرسة،وكانت الآدارات تختار الرحلة في يوم مدرسي وليس يوم عطلة أو مناسبة، أذ تعتبر الرحلات المدرسية ذات أهمية في صقل المهارات وتعزيز المسؤولية الأجتماعية في الحاضر وأيضاً على المدى البعيد من ناحية تجديد الأتجاهات المستقبلية وحب العمل الأجتماعي الطوعي وتنمية الجانب النفسي الأيجابي والعلمي والفني كالغناء والرسم والتمثيل.
*- في مدارس بغداد وبكافة مراحلها التعليمية، كنا ننتظر اليوم المخصص للرحلة ونحن مرتدين الألبسة التي تختلف عن الزي المدرسي المعتاد وكل حامل أكلاته وبدون أن يحمل كتبه ودفاتره، والبعض معه أيضا البسط (فرشة الجلوس) ، وينتابنا الفرح عندما نشاهد الباصات مهيأة وكل حامل نقود الرحلة للمشاركة ليسلمها لمسؤول الرحلة وهو أحد الاساتذة، بعد أن كنا قد قضينا سهرة من الحماس والقلق الطفولي الذي سهرنا إلى ساعة متأخرة، وأحيانا لدى البعض حتى الفجر، ومن الفجر كانت أمهاتنا بتحضير الطعام والذي يكون لفات لأكثر من شخص وربما لثلاث، لفات من البيض والكفتة أو الكباب أو الدجاج و البتيتة أو التكة وبعض من الفاكهة والطماطة والخيار، ذهبنا عدة رحلات يمكم أن ندرجها وهي كالتالي:
ذهبنا الى سامراء وصعدنا الملوية، وكان هناك من يتبارى بالصعود أكثر من مرة وزرنا قصر العاشق وغرفه المتهدمة.
ذهبنا الى بابل التأريخ والحضارة وتسلقنا أسد بابل وشموخه وتجولنا في أروقته وأستطلعنا ما تبقى من الجنائن المعلقة التي كانت زاهرة في زمانها.
ذهبنا الى الحبانية وسبحنا ولعبنا الكرة في رمالها النقية ومنظرها الرائع وجمعنا أصداف المحار بألوانها الجميلة.
ذهبنا الى عين تمر(شثاثا) لأجمل واحة وسط الصجراء ذات الطبيعة الخلابة وعيون مياهها المعدنية والمطرزة بنخيل التمر وكأنها غابة لامتناهية،وهي تمتاز بأراضيها الخضراء وجوها البديع.
ذهبنا الى حصن الأخيضر: وهو عبارة عن حصن ربما كان يستخدمه العسكر إذ أن بعض معالمه توحي بذلك وربما كان مخصصا لإقامة الأمراء فيه إذ قد احتوى على دهاليز عديدة عديدة ومحاريب أيضا مضافا إلى مساحة كبيرة وقد اختلف المؤرخون في أصل تسميته وحتى في إمكانية تحديد زمن بنائه ومن بناه ويوحي طراز بنائه للمشاهد بأنه من الآثار الإسلامية العربية. وقد جدد بنائه في منتصف السبعينات من القرن الماضي وكثيرا ما يرتاده السواح للإطلاع على معلمه يبعد عن مدينة كربلاء ما يقارب 35 كيلومتر.
ذهبنا الى عكركوف وهو موقع أثري يضم زقورة تعود الى القرن الخامس عشر قبل الميلاد الى جانب أطلال واثار أخرى، وهي أحدى الممالك البابلية تميزت بزقورتها التي تعد من اكبر الأبراج المسجلة في العراق اذ يبلغ ارتفاعها الحالي (57) متراً، قاعدتها مربعة الشكل تقريباً ويعتقد ان الارتفاع الأصلي كان بحدود (70) متراً ازدانت واجهاتها الخارجية بأعمال معمارية بديعة تعد ضرباً متقدماً في فن العمارة.
ذهبنا الى بحيرة الثرثار ومارسنا للسباحة ولعب الكرة وكذلك زرنا بحيرة الزازة وهما من أكبر المصطحات المائية.
ذهبنا الى سلمان باك لزيارة موقع طاق كسرى لما يتميز به من جمال تضفيه البساتين والمزارع المحيطة ونهر دجلة خاصة في فصل الربيع.
ذهبنا الى الصدور حيث الأرض المليئة بالأزهار وشقائق النعمان والنهر والسد الجميل والمحاط بالتلال الجميلة.
هناك سلوك فطري يتعلق بطبيعة الأنسان أينما وجد عند ركوب السيارة أو الباص، فالبعض يحب الجلوس في الأمام جنب السائق وهناك من يجلس بقرب النافذة وهناك من يفضل الجلوس في الخلف، وفي الرحلات ترى هذا السلوك ساريا، فالبداية فوضى وبوجود المشرف على الباص فهو من ينظم الجلوس والمسيطر على الفوضى الفطرية بحكم التجربة، وعندما يتحرك الباص يبدا الغناء وهناك من يشارك ويبين قابلياته وهناك من يستمع وهناك من لا يشارك هذه غريزة بالطبائع والشاطر من يغيرها، كما أن النكات والتقليد لتصرفات الأساتذة تكون حاضرة وتقدم ببهلوانية جميلة يقوم بها بعض من الطلبة ذكوراً أو إناثاً.
كثير من الرحلات تتزامن مع رحلات مدارس البنات وهنا تبدأ عنتريات وشقاوة الطلبة بطرق عديدة منها رمي الكرات أو التمشي بالقرب من مكان تواجدهم رغم تحذيرات المدرسين والمدرسات، وحتى في بعض الأحيان يكون هناك تعاطف بين المدرسين العزاب والمدرسات العازبات ومن يكون الوسيط بأستسقاء المعلومات الطلبة أنفسهم ذكورأ وإناثاً وقد يحصل النصيب لاحقاً.
في جلسات الاكل قسم يفضل الأكل الجماعي وتبادل اللفات بينهم وقسم يحب الأنفراد، والأغلب يحب المخالطة، ولا ينسون أن يجلبوا لسائقهم اللفات الجيدة وهذه توصية من آهاليهم باعتباره السائق الورد الذي يوصل الطلاب ويرد مثلما كان نشيد الاطفال دائما.
تلك الرحلات الجميلة التي تحكي قصصاً جميله من قصص الماضي وذكرياته العذبه فها هي الايام تنأى بنا بعيدا عن تلك الذكريات التي لاتنسى ،،، وكم كنا نسعد عندما نذهب في رحلة حيث الربيع والزهور والأشجار المصطفه كما يصطف هؤلاء الطلاب بنظامهم الرائع ونجلس تحتها والأرض تفوح رائحتها من كل الجوانب وكانك وقعت في حديقة غناء والاهم انك تستنشق الهواء النقي بعيدا عن جو المدينة يسير العمر بنا مسرعا دون توقف حتى ناخذ امتعتنا اونقف لنلقي نظره على الاشياء التي كنا نحب فالنجعل من ايامنا ذكريات جميله،،، ورحلات كهذه رغم بساطتها الا انها تحمل معان ودلالات كثيره فهي تمثل حافز للطلبه ليخرجوا من جو الكبت ومعاناة الدراسه ليستمتعوا بنقاء الهواء وحلاوة المنظر المائي والصحراوي والجغرافي والآثاري والورود الصفراء والخضراء والشقائق الحمراء ،
الجميع معهم من الطعام ما يكفي الى أكثر من واحد... واكيد فكرت العائلة ان السائق يريد بدل التذكره أكله خاصة بالرحلات . جمال هؤلاء الطلبة ذكوراً وأناثاً والبسمة تعلو وجوههم يملاؤهم الحماس والرغبة بالانطلاق بعيدآ عن جو الصف والمدرسة. وإن كانت الرحلة في ربوع القرية فهي في مفهومهما الطفولي رحلة -المهم لايوجد دروس، وتبقي الرحلات المدرسية أجمل ذكرى يحملها الإنسان من مراحل الدراسة المختلفة .وليس المقصود من هذه الرحلات مجرد الترفيه ولكن الهدف اسمى من ذلك، فهي من أنجع الوسائل التي تمكن الطلبة التعرف على معالم أوطانهم كما أنها مغامرة ومتعة وسعادة لهم ،وطريقة مثلى لفهم حقائق الأشياء ووسيلة لدراسة البيئة واكتساب المزيد من المعارف والخبرات والأهم فهي توطيد للعلاقة بين الطلبة وأساتذتهم وبين الطلبة أنفسهم.
*- البصرة بندقية العراق: ينطلق طلبة مدارس البصرة الى الأثل وهي منطقة صحراوية جميلة تزرع فيها أشجار الأثل وكذلك الى يساتين أبو الخصيب وجزيرة السندباد وحدائق الخورة وفي بعض الأحيان يركبون السفن الصغيرة والمشاحيف الى الأهوار والقرنة بقرب شجرة آدم ملتقى نهري دجلة والفرات...
*-الموصل: حيث الطبيعة الخضراء والتلال المحيطة ونهر دجلة،فينطلق طلبة المدارس برحلاتهم المتنوعة الى الشلالات والأديرة وغابة الموصل وبعشيقة وآثار نينوى والحضر وسنجار..
وهكذا فأن مدارس محافظات العراق جميعاً تتمتع بمناطق جغرافية وتأريخية جميلة تساهم برحلات مدرسية مشوقة.
حتى القرى التي فيها مدارس الأبتدائية فقط فأن مدرسيها يعملون لطلابها سفرات في المناطق القريبة من وديان وهضبات وصحاري يستخدمون البغال والحمير لحمل أمتعتهم، فهي في مفهومهماا لطفولي رحلة -المهم لايوجد دروس.
وفي هذا السياق اريد ان أذكر واقعة عملية لمحبة تأريخ بلدنا من قبل النمسا من تجربة خضتها عندما كنت اعمل في فينا وكان اكبر أولادي في المدرسة الدولية هناك وفي المرحلة الابتدائية، حيث طلب منه ان يعد تقريرا ومحاضرة عن الجنائن المعلقة في بابل وعند عودتنا في الاجازة السنوية في شهر كانون الأول الى بغداد أرسلته الى بابل مع العائلة وهناك جمع بض من التربة واللقى من الطابوق وأخذ الصور هناك مع أسد بابل وزقورتها المتبقية، وأشترى نماذج من المعروضات التي تباع كنماذج وعمل تقريراً نال الاستحسان عند تقديمه، وظهر تقريره في مجلة المدرسة السنوي وأهدى اللقى والترية والنماذج الى المدرسة ولا زالت هناك.
*- الرحلات الكشفية: هذه الحركة التي كان و ما زال لها التأثير الكبير في حياة العديد من الشباب و الشابات و التي لا ينسى من انضم يوما اليها ذكرياتها الجميلة وكنت أحد المنتمين لها وشاركت في مخيمات الكشافة في مصايف صلاح الدين في أربيل.
أول من أسس فرقة كشفية في العالم هو ( اللورد روبرت ستيفن سميث بادن باول ) الإنكليزي الجنسية عام 1908 في لندن وهو برتبة عالية في الجيش الإنكليزي واستقال من الجندية وهو برتبة جنرال ولقّب بالكشاف الأعظم.
فقد تاسست الحركة الكشفية عام 1918 في بغداد ومنها انتقلت إلى سائر مناطق العراق بدافع رغبة الشباب الانضواء تحت رايتها. وقد حظيت الحركة في بدايتها بكثير من التشجيع حتى بلغت درجة مناسبة من الإعداد فنظمت برنامجاً للرحلات الى الشمال والزيارات لبعض الدول، وفي سنة 1949 أعادت وزارة المعارف تنظيمها وأوعزت إلى مديرية التربية البدنية إقامة دورات تحضيرية للقادة الكشفيين.
فأوفدت عشرة مدرسين إلى مركز التدريب الدولي في بريطانيا وبعد حصولهم على شارة الكشافة عادوا إلى العراق ونظموا دورات تدريبية وشرعوا بتأليف فرق نموذجية في بغداد ومنها انتشرت في باقي المناطق. وفي عام 1954 أسهم قادة العراق في تأسيس المنظمة الكشفية العربية وحرص العراق على استضافة العديد من الأنشطة العربية، حيث استضاف المخيم والمؤتمر الكشفي العربي العاشر بالموصل عام 1970. واستمرت مشاركة الكشافة العراقية في معظم المخيمات والمؤتمرات واللقاءات والندوات العربية والعالمية كما شارك في تنظيم بعضها، وبسبب الحصار قلت المشاركات العربية والدولية وبقى نشاطها داخل العراق.
إسماعيل الشيخلي ، نوري الراوي ، حافظ الدروبي
وفي سياق تناول الحركة الكشفية هناك طرفة تناولتها بعض المدونات على مشاركة الوفد العراقي لمهرجان الكشافة العالمي في برلين عام 1936 حيث تطرقوا ألى أن رئيس الوفد هو الفنان الرسام حافظ الدروبي ولكن الصحيح هو أخوه الرياضي وأستاذ الرياضة عبد الواحد الدروبي الذي درسنا في الاعدادية المركزية وزملائنا من درسوا معنا أو قبلها والمدرسين يعرفون أنه من رأس الوفد،وننقل بتصرف ماتم من تلك الطرفة المشهورة،
(ان الوفد العراقي المشارك في مهرجان الكشافة العالمي المنعقد هناك حيث تم اختيار اعضائه من قبل الملك غازي لكونه كان في فتوته من الكشافة العراقية ببغداد وقت تم اختيار الاعضاء وكان يرأسهم الفنان التشكيلي حاقط الدروبي والصحيح هو عبد الواحد الدروبي.
وعند وصول الوفد العراقي مع الوفود العالمية المشاركة الى مدينة برلين الالمانية وفي اكبر ملاعب كره القدم الالمانية حيث جرى حفل الأفتتاح وبحضور المستشار الالماني انذاك ، هتــــلر.
حيث بدئت الفرق تتقدم وتصل الى المنصه لتقوم بتأدية النشيد الوطني الخاص ببلدانها حيث يقف هتـــــلر محيـــــاً لهم
عندها لاحظ الفريق العراقي هذه المشكله لكونه لم يكن يعرف ماهو النشيد الوطني ولم يكن للعراق نشيدا وطنيا بعد ، عندها بدأ الارتباك واضحا على اعضاء الفريق العراقي وهنا جاء دور الفنان التشكيلي العراقي حافظ الدروبي(والصحيح هو عبد الواحد الدروبي) حيث قال لهم اطمئنوا باني ساقوم باداء النشيد الوطني وما عليكم الا ان تقوموا بالرد بعدي بكلمة ( بلي ) لم يصدق اعضاء الفريق ما طرح عليهم الا انهم وافقوا على الامر .
وبعد مرور الفريق العراقي امام المنصه وامام استعداد هتلر لسماع النشيد الوطني العراقي
وبالفعل بدا حافظ الدروبي(الصحيح عبد الواحد الدروبي) بالانشاد:
(( بلي .. يبلبول ...)) ويردد الاخرين (( بلي ))
(( ما شفت عصفور ....)) ...... (( بلي ))
((ينكر بالطاسة ))....... (( بلي ))
((حليب وياسة)) ...... (( بلي ))
وهكذا الى نهاية الانشوده ... ) أنتهى الأقتباس مع تصحيح الأسم.
*- رحلات الجامعة: تتميز رحلات طلاب الكليات بلون وطعم أخر من البهجة لكونها ذات طابع مختلط في فترة بداية النضوج لكلا الجنسين، فهي أذاً تختلف عن رحلات الثانوية وما قبلها بسبب التقرب للحياة العملية مستقبلا، فكانت هناك رحلات ترفيهية داخل العراق كما وكانت هناك رحلات في عطلة نصف السنة الى مصر وتركيا ولبنان فأستمتعنى بها وأظن أن كل من تخرج من الكليات في زمننا أو بعده يحس بحلاوة طعمها وما شابها من قصص عاطفية مرت بحياته، كما وكنا كطلبة قسم الجيولوجي وفي مرحلة الصف الثالث والرابع نذهب يومين أو ثلاثة في الأسبوع الى منطقة حمرين وسنجار لطبيعة العمل الحقلي المطلوب منا تنفيذه ،وفي أوقات المغرب نجلس والنار والسمر للتأمل في تلك البراري الجميلة والتي لا زالت عالقة في أذهاننا، وكنا نطبخ ونتعلم كيف هي الحياة البرية بعيدا عن جو المدينة وما بها.
*- رحلات الصيد: عادة تكون رحلات الصيد في آواخر الشتاء والخريف، فهناك من يذهب لأيام عدة لصيد الصقور لكي يبيعها بأسعار عالية، وهي تتواجد في مناطق خاصة، والبعض يذهب الى مناطق قريبة من بغداد لاصطياد الدراج والكطة، والبعض وكنت منهم حيث أشارك مع أخي صباح ومجموعته الى الجزيرة وهي الممتدة من الكوت وحتى خانقين لأصطياد الحباري والغزلان والأرانب البرية، حيث يتم اختيار منطقة لنصب الخيم والمكوث بين يومين الى ثلاثة أيام، وهناك يكون المخيم ،ومنه الأنطلاق للصيد ونأكل من ما اصطدناه،كما نقطف الرشاد البري وفي الليل حيث الجلسات والاستماع الى صوت الربابة والدبكات والأغاني الجميلة.
*- الرحلات العائلية: لنبدأبرحلة النساء للتنزه والغسل من خلال توجه نساء بغداد الى الحمام حاملين بقجة الملابس والأكل الخفيف من الكفتة والكباب والبيض والبتيتة والطرشي ويبدأون مشوارهم منذ الصباح وحتى العصر( غسلوا و تسامروا وأكلوا) فالنساء في ذلك الزمن يعتبرون الذهاب الى الحمام نزهة وسفرة، وعند أنشاء الحدائق والمتنزهات قرب جسر الملك فيصل(مود) صار ملتقى للعوائل البغدادية الميسورة وملتقى تعارف الشباب في أجواء المقاهي والحدائق المطلة على نهر دجلة من جانب الكرخ، وكانت الفتيات البغداديات السفور منهم يرتادون الجسر ويقفون عند وسطه ليتمتعن الى زهوا نهر دجلة وهدير مياهه الدافئة والعذبة، وتبدأ عيون الشباب المارين والمتجمهرين على ضفاف منتزهات الصالحية بالنظر اليهن بأعجاب وتشوق، وكانت المقولة المشهورة في حينها وترددها النساء والرجال الشباب منهم:
(أذا كانت روحك تحتصر...روح الجسر مود العصر)، وكذلك كان الحال عند أنشاء حديقة الملكة عالية(الباب الشرجي) مكاناً آخراً للتنزه عصر كل يوم للعائلات الذين يأتون بعربات الخيل ويجلسن قرب النافورة وبجانب مشتل الزهور، وبعدها في حدائق أبو نواس وفي الأعظمية والعطيفية والكاظمية ومدينة الألعاب.....
وبمرور الزمن بدأت العوائل البغدادية تخرج في سفرات جماعية في المناسبات المعروفة ، وكان عيد الربيع(نوروز) معروفا عند كل اهل بغداد بمختلف طوائفه وأديانه يذهبون الى سلمان باك فقد كان أهل بغداد يحبون أن يذهبوا هناك ويفترشون المساحات الخضراء الكبيرة التي تجاوره من البساتين والمزارع المطلة على نهر دجلة ، وكنت ترى السيارات وقد تناثرت هنا وهناك ، وراح الناس يمارسون العابهم الرياضية ورقص الدبكات فرحين مسرورين وهم يرددون( المايزور السلمان عمرة خسارة ، أما الأمهات فقد كن قد أعددن الأكلات اللذيذة بهذه المناسبة ، حيث ترى ( الجودلية أو البسط) وقد فرشت على الأرض والتف حولها افراد العائلة ، وأمامهم ما لذ وطاب من المأكولات والأطايب منها ( الدولمة والكباب والبيض والبطاطا المسلوقة وخبز العروك والكعك، وأنواع المخللات والطرشي، وسماور الشاي، وهناك من يقوم بزيارة مرقدي الصحابين سلمان وحذيفة بن اليمان لقراءة سورة الفاتحة عليهم.
كذلك الحال فهناك مناطق كثيرة كانت تذهب أليها العوائل البغدادية في الربيع منها الحبانية والراشدية والرزازة والثرثار وسامراء والكوت بعد أن توفرت وسائط النقل من السيارات الشخصية والعامة.
كما كانت العوائل تزور المراقد الدينية في بغداد والنجف وكربلاء وسامراء والموصل وبجو مليء بالمحبة لهم جميعا.
في الصيف الحار واللاهب وبعد انتهاء أبناءهم من أداء امتحاناتهم تبدأ العوائل بالتهيأ للتمتع بعطلة الصيف، فالعوائل الغنية تسافر الى أوربا، والعوائل الميسورة الى لبنان وسوريا وتركيا،
وعوائل كثيرة تتمتع بالسفر الى شمال العراق حيث جمال الطبيعة في جبالها ووديانها ومياهها وجوها الجميل وخدماتها الجيدة في مصايفه العديدة في اربيل صلاح الدين وشقلاوة والكلي وحاج عمران وفي شمال الموصل الى سرسنك ودهوك وزاويتة والسليمانية الى أحمد آوا وازمر وسرجنار..
وكانت تكتض أيضاً بالسواح من الكويت والبحرين والإمارات وحتى السعودية وكانت العوائل واولادها تغني قبل السفر بيوم عند تهيأة عدة السفر أغنية ام كلثوم (بكرا السفر بكرا).
وهناك الشباب الموظفين وأصحاب الحرف يفضلون السفر الى الدول الاشتراكية لرخصها عند تصريف الدولار بعملاتهم بالسوق السوداء وكانوا يسافرون بشكل مجموعات وهم يردودون أغنية عبد الوهاب ( مسافر زاده الخيال) .
*- رحلات الدلالات: أبتداء يطلق على بعض من شرائح مجتمعنا بالدلالات وقد أبتدات عندما أقدمت فراشات المدارس بالسفر خارج العراق بغية شراء الملابس الرخيصة الثمن وبيعها عند العودة للعوائل ذات الدخل المحدود،واستمر تناميها وتوسعت على شرائح أخرى وجل همها هو شراء الالبسة والمواد الرخيصة من الخارج وبيعها عند الرجوع، وهذه الشريحة لا تعرف السفر والتمتع بالسفر ألا للشراء، فتراهم يتكدسون مجموعات ويستأجرون الغرف في الفنادق الرخيصة ويقضون كل وقتهم بالأسواق وهم لا يعرفون لذة السفر بل انهم لا يزورون أي معلم سياحي.
،وقسم منهم اصبحوا من الاغنياء وبدأو بتوظيف اقاربهم معهم وأصبحت هذه الشريحة طبقة بدأت تنتشر ولا زالت مستمرة.
الرحلات المدرسية علقت او الغيت الى اشعار اخر لا فرق بين المصطلحين منذ الأحتلال وتحديدا بعد استئناف الدراسة، والى يومنا هذا لم تذهب المدارس ان كانت ابتدائية او متوسطة او اعدادية أو كلية الى اي رحلة، والسبب كما يقال هو الوضع الامني وعدم تحمل المسؤولية من قبل الأدارات، وكذلك خوف الأهالي من عمليات الاختطاف والحوادث الاخرى ، فالطلبة بحاجة الى ترفيه مع بعضهم وان تكون هناك ايام تكسر صمت واجواء الدراسة ، واجواء الدراسة بحاجة الى مشروع يكسر جمود الدرس وايام الدراسة والضغط النفسي الذي يعانيه الطالب وهذا بعيد المنال في الوقت الحاضر،ولا اعتقد ان هناك اجواء اكثر متعة من السفرة فالهموم مشتركة من قبل الطلبة الآن، كما وأن الكشافة قد اختفت، والمخيمات الكشفية هي الأخرى قد أختفت أو سرقت أو سكنت فيها العوائل التي شردت .
لقد رسمت لوحة لرحلة ألأماني والاحلام التي قد تعايشنا معها في ذكرياتها الجميلة، كنزهة تجولنا فيها ومن خلالها لربيع حياتنا وحياة من عاش معنا أوبعدنا في ايامها الجميلة الممتلئة بالذكريات التي لاتنسى، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود
1306 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع